تغرفُ الفنّانة التشكيلية "ابتسام خدام" أفكارَ منحوتاتها وتصاميم الأزياء وصور كتاباتها الشعرية والروائية من خوابي ذاكرةٍ طفوليّةٍ ملأى بتضاريس "الجولان"، البقعة الجغرافية السورية العالقة في وجدانها وفنّها، وتربية اجتماعية غنية بالمثل والعلم والثقافة ورثتها عن والدها، ليكبر حلمها الفني الذي نما في رحم ذاكرتها وأعلنت ولادته بعد أن أسست حياتها العائلية الخاصة.

جولانُ الطفولةِ

لم تكن التشكيلية "ابتسام خدام" تشبه أقرانها من أبناء وبنات جيلها، ولم تكن طفلةً نمطيةً يشغلها اللعب واللهو حسب قولها لمدوّنة وطن "eSyria" وتتابع: «كانت نشأتي الأولى في "الجولان" السوري المحتل، فقد فتحت عينيّ على ذرا جبل "الشيخ" الأشم وكان والدي مقاتلاً في الجيش العربي السوري على الخطوط الأمامية في مواجهة العدو، لم يبقَ بقعة فيها إلا وطرّزتها قدماي بذكرى جميلة لا تزال آثارها راسخة في الوجدان، تهجّرنا أثناء النكسة إلى "لبنان"، ثم عدنا بعد مدة إلى بلدنا "سورية، وكانت "دمشق" القديمة مكان الإقامة الجديد حينها».

انتسبت إلى مركز الفنون التطبيقية قسم الخزف عام 2007 لأضيف لعالمي الفني عنصراً آخر وبقيت حتى عام 2013، وأقمنا معارض في مركز الفنون ولكن بسبب الظروف وانقطاع مادة الصلصال حينها، تبادر إلى ذهني النحت على الخشب لأقضي على الفراغ وعدم الثبات عند حد معين وعرضت الفكرة وتمت الاستجابة في المركز وتطورت في النحت على الخشب وأصبحت لي تجربتي الخاصة

ولادةُ الحلمِ

كان الدرب شاقاً أمام مسؤولياتها العائلية وزواجها في سن مبكرة، خاصة بعد انتقالها إلى "اللاذقية"، وبعد أن أتمت رسالتها مع عائلتها في نواحي الحياة كافة، أعلنت ولادة موهبتها لتبدأ رسالتها في الفنّ وتحقق حلمها، وهنا تحدثت التشكيلية "خدام" قائلة: «تفرّغت لرعاية أسرتي وغرست فيها كل القيم المثلى، وجدت نفسي بعيدة عن بيئتي ويتوجب أن أرسم خطوط حياة جديدة تتلاءم مع واقعي الجديد، فسجلت أبنائي في نوادٍ منوّعة ولم أنسَ نفسي في صقل موهبتي الفنّيّة، فانتسبت عام 1989 لمركز الفنون التشكيلية وتخرجت عام 2001، ثم افتتحت داراً لتصميم الأزياء يجمع المواهب الفنية كافة التي تصبّ في خدمة المرأة بعيداً عن التقليد، اتبعت مناهج مدروسة تعتمد الجمالية، حققت بعملي الجمال والانسجام دون تجاوز الخطوط الحمراء، نشرت الجمال لأجل مقومات بناء الذات، وجمعت بين الفنّ والأزياء لتبدو الأنثى لوحة متكاملة جسداً وروحاً، ودرّبت الكثير في عالم الأزياء، لكنني اضطررت لترك تصميم الأزياء بعد عارض صحي».

من أعمال الفنانة

الانتصارُ على المرض

الفنان علي مقوص

أُصيبت بوعكة صحية، ولكن إيمانها وإرادتها جعلاها تتفوق على المرض، فتقول: «تعرضت لوعكة صحية أفقدتني حركتي وكان لا بدّ أن أقاوم المرض للعودة إلى دار الأزياء والشغف بالعمل، كنت أتحايل على حالة المكوث بالفراش وتناول الأدوية ووخز الإبر بالكتابة حيناً والرسم حيناً آخر، وغادرني الأمل حين باع أبنائي دار الأزياء حرصاً على صحتي، وبعد معالجة فيزيائية قاسية دامت سنوات تجاوزت حالتي المرضية لأعود من خلال مجموعة من المعارض الفنية».

رسمتْ خطةً لتحقيق النجاح في مسيرتها الفنية بعد التغلب على المرض، وتضيف: «عدت للفنّ عام 2005 في معرضي الأول الذي حمل عنوان "من التوالف يمكن أن نصنع كل شيء ومن الإنسان الفاسد لا يمكن أن نصنع شيئاً"، استوقف المعرض الكثير من الجمهور ومنحني فرصة السفر إلى بلدان عربية عدة اعتذرت لاحقاً عنها، كما رشحتْ أعمالي للعرض في مدينة المعارض "دمشق" ثم "الأردن"، وفي عام 2006 أقمت معرضي التشكيلي الثاني في دار الأسد للثقافة بــ"اللاذقية"، ورشحتُ من قبل الأمانة السورية للتنمية لإقامة دورات لتدريب المرأة الريفية ودعمها وحققت نجاحاً لافتاً، فالقضية الإنسانية هدفي والمرأة أساسها، وفي عام 2007 شاركت بمعرض بالزيتي و2008 بمعرض جماعي في نقابة الفنون، وفي 2009 بمعرض جماعي في مقهى "هيشون"».

من أعمال الفنانة

الخزفُ والخشبُ

تتابع الحديث: «انتسبت إلى مركز الفنون التطبيقية قسم الخزف عام 2007 لأضيف لعالمي الفني عنصراً آخر وبقيت حتى عام 2013، وأقمنا معارض في مركز الفنون ولكن بسبب الظروف وانقطاع مادة الصلصال حينها، تبادر إلى ذهني النحت على الخشب لأقضي على الفراغ وعدم الثبات عند حد معين وعرضت الفكرة وتمت الاستجابة في المركز وتطورت في النحت على الخشب وأصبحت لي تجربتي الخاصة».

عادت "خدام" لبحر الفنّ الواسع والمزج بين ألوانه وعناصره فتقول: «عدت لتصميم الأزياء عام 2010 في المسرح القومي وفرق الباليه الراقصة وفرق الدبكة، في عام 2011 استفزتني الحرب على "سورية" وعادت بي إلى النكسة وآثارها السلبية وتفتقت جراحي، فاستعنت بالقلم والريشة والإزميل كسلاح في مواجهة ما يحدث، فكتبت ديواناً شعرياً ورواية لكن لم يتسن لي طباعتهما، وكانت لي مشاركات شعرية في صحف الوحدة والثورة وشباب، بالإضافة لمجلة المرأة العربية المصرية، وفي عامي 2018 و2019 كانت لي مشاركات نحت في دار "الأسد" و"ربيع نيسان" و"نجوم وطن" و"فسحة لون" مع مشروع "مدى" الثقافي، وفي عام 2021 شاركت بمنحوتاتي في مهرجان "عرامو" الثقافي ومعرض "ع العالم" الذي أقامته الغرفة الفتية الدولية».

رموز

الطبيعة وكل مكوناتها كانت عبارة عن إشارات شكّلت فيما بعد فنّاً ناطقاً بالنسبة لها، فتقول: «لو صوّرتُ مخيلة طفولتي الخصبة المسكونة بالجمال لوجدتها قاعدة أساس لنجاحاتي المنوّعة في النحت والرسم والشعر والأدب وتصميم الأزياء، كنت أحس بفلسفة الجمال ولا أستطيع وصفها، فجغرافيا الجولان تسكنني وأخذت شكل رموز لم أستطع فكّها منذ ذلك الحين إلى أن كبرت، برزت تلك الرموز المعتّقة بداخلي بواسطة القلم والريشة والإزميل، واتهمت بضعف الشخصية لهدوئي وصمتي، فكان ذلك الصمت الإبداع الناطق فنّاً بعد انتقالي إلى "اللاذقية"».

رهافةٌ ووجدانيّة

الفنان التشكيلي "علي مقوص" تحدث عنها قائلاً: «الفنانة والأديبة "ابتسام خدام" نموذج نسائي يُحتذى، فهي تبحث دائماً بلا كلل عن ما يغني تجربتها في الرسم والنحت والأدب وهي تملك الموهبة والحسّ المرهف والإمكانات التقنية اللافتة، ربما تحتاج إلى الممارسة والاستمرارية لصقل خبراتها أكثر، بالإضافة لزيادة الإطلاع على أنماط الفنّ العالمي الأكاديمية والمعاصرة ودراستها بجديّة لتنعكس على نتاجها الفني، أعمالها جميلة مثيرة ووجدانية وتنم عن وعي ورغبة لا تنتهي للوصول للأجمل والأكمل».

الجدير بالذكر أنّ الفنانة التشكيلية "ابتسام خدام" الملقبة بــ"ريحانة حبيب" اسم إحدى شخصياتها الروائية، ولدت في "الجولان" السوري المحتل عام 1959، وتقيم في "اللاذقية" مشروع "السكن الشبابي"، لديها 11 حفيداً سكبت فيهم الخير والحبّ ومنسجمة معهم على الرغم من الفوارق العمرية.