في حي الشاغور بـ"دمشق" كُنيّت إحدى عائلاته ومنذ زمن قديم بــ (القزاز) وذلك نسبة إلى الحرفة التي أخذتها عن الآباء والأجداد وعملت بها ولم تزل.. حيث أقامت ورشة صناعة الزّجاج وفرن صهره وحافظت على هذه الحرفة إرثاً لها كما كل عائلات الشام أصحاب الحرف والمهن.

يختلف الزّجاج السوري وما له من سمعة وحضور كفنٍ جميل له تكويناته وألوانه عن الزّجاج الفينيقي بما له من إبداع في تدرج ألوانه وامتزاجها، ما أعطاه التّميز والشهرة، وقد كان لعائلة القزاز الحظوة في الوصول إلى تركيبة هذه الألوان وخلطها.

جاء هذا اللقاء تنفيذاً لاتفاق الحكومتين من خلال اتحاد الحرفيين ليكون لهذه الحرفة وجود وحضور آخر، فكانت البداية بتعليم أربعة حرفيين ليزداد العدد بعدها ويستمر العمل في ذلك مدة سنتين، إلا أن إقامة العائلة امتددت لأكثر من خمسة عشر عاماً حيث طاب لهم المقام، وكان لهم الفضل بالتأسيس لهذه الحرفة في "تونس" وعلى الطريقة اليدوية القديمة، ليأتي بعدها العمل وفقاً لما هو في أوروبا

الزجاج الفينيقي

في لقائها معه قبل وفاته، كانت مدوّنة وطن التقت الحرفي "محمد ياسين القزاز" واستمعت منه لقصة والده وعمه والزّجاج الفينيقي حيث قال:«في عام 1968م أتى للورشة من "لبنان" تاجر التّحف والآثار "فاهي"، طالباً صناعة قطع زجاجيّة خاصة ومحدّدة، كان يشرح تفاصيلها من شكل وألوان، وينتظر والدي وعمي لإنجازها، ويقف على مراحل العمل كلها لا يفارقهما، يطرح الملاحظات وهو متابع في قراءة كتب فرنسية وانكليزية بين يديه، ولم يتأخر بعرض مقترحات اجتهد الوالد والعم في العمل عليها والتّجريب في مكونات صناعتها دون كلل أو ملل، وفي تلك الأثناء لم يكن "فاهي" يبالي بكمّ القطع التي يتلفها في سبيل حصوله على قطع متوافقة مع طلبه وإن كانت واحدة فقط، ما أثار استغراب والدي وعمي، وهو استغراب سرعان ما تبدد وانجلى بعد معرفتهما أن تجارة زبونهما هذا كانت تقوم على تعتيق القطع وبيعها في الخارج على إنها قطع زجاج فينيقيّة أثرية، وقد كان للحرفي "ياسين محمد القزاز" وأخيه مع هذه التّجربة المكسب الكبير والحظ الأكبر في معرفتهما تركيبة الفينيقيين لألوان زجاجهم وطرق مزجه والتدرج بأطيافه».

الحرفي المرحوم محمد ياسين القزاز

إرث الأبناء

الحرفي عبد الهادي محمد القزاز

في عام 1984م حمل "ياسين القزاز" وعائلته حرفتهم في صناعة الزّجاج يدوياً إلى مدينة "نابل" في "تونس"، وأخذ العمل هناك طريقين أولهما صناعة الزّجاج، والثاني تعليم حرفيي "تونس" المهنة، وقد أقام لذلك الحرفي "ياسين" وأخوه ورشتهم وجهزوها بجهودهم، ليستمر عملهم هناك قرابة خمسة عشر عاماً ليعود بعدها مع ابنه "محمد" للبلد، ويبقي العمل في "تونس" بعهدة أبنائه.

ويقول الحفيد "عبد الهادي": «أعاد أبي إنشاء ورشة العمل في عدرا الصناعية وجهزنا فرن الصهر، بمواصفات معينة أهمها أن يكون حجر الفرن حجراً نارياً يتحمل درجة حرارة عالية جداً، فنحن بحاجة إلى درجة حرارة أقلها 800 درجة لصهر الزّجاج الكسر في حين تصل حاجتنا إلى 1400 درجة حرارة، وذلك عند صناعتنا للزجاج عن طريق صهر مواده الأوليّة وهي ثنائي أكسيد السّيليس (رمل البحر)، وكربونات الصّوديوم، وكربونات الكالسيوم، لتكون عجينة نارية نباشر العمل بها ونطوعها.. ننفخ بها الهواء ونشكلها قطعاً فنية نريدها تحفة لها من أرواحنا حصة، كما هي لوحات الرّسام وتكوينات النّحات، لم يكتفِ والدي بإنشاء مصنع الزّجاج اليدوي في عدرا العمالية، إنما اجتهد في إنشاء فرني صهر آخرين كان لهما مهمة وحيدة لا غير وهي المتابعة فيما بدأ به والده وعمه لاستكمال خلطات باقي ألوان الزّجاج الفينيقي وتثبيتها بملفات تبقى لنا ونتابع فيها ونسلمها إلى أبنائنا وأحفادنا، ولدي الآن التركيبة كاملة للون الأحمر وهي ستكون بإذن الله ورثتي لأبنائي وأحفادي، وهي وصيتي لهم لتبقى حرفة الزّجاج اليدوي "السورية" والزّجاج الفينيقي قائمة حيث جذور نشأتها دون أن يطالها تشويه أو تزوير أو ادعاء بحيازة أصول فنونها».

الجد ياسين القزاز

الزجاج السوري في تونس

اجتمع بعض من حرفيي "تونس" في سوق المهن اليدوية هناك، والتقوا عائلة "ياسين القزاز" بعد الوصول إلى بلدهم، يأخذون عنهم أصول حرفة صناعة الزّجاج اليدوي الذي اعتادوا شراءه من "سورية" أثناء زيارتهم لها، وفي ذلك يقول الحرفي "عمر ياسين القزاز" المقيم في "تونس":«جاء هذا اللقاء تنفيذاً لاتفاق الحكومتين من خلال اتحاد الحرفيين ليكون لهذه الحرفة وجود وحضور آخر، فكانت البداية بتعليم أربعة حرفيين ليزداد العدد بعدها ويستمر العمل في ذلك مدة سنتين، إلا أن إقامة العائلة امتددت لأكثر من خمسة عشر عاماً حيث طاب لهم المقام، وكان لهم الفضل بالتأسيس لهذه الحرفة في "تونس" وعلى الطريقة اليدوية القديمة، ليأتي بعدها العمل وفقاً لما هو في أوروبا».