قد تبدو فكرةُ تصميم الأزياء للوهلة الأولى جديدة على المجتمع، لكن نظرة متأنيّة لعدد الراغبين بدخول وتعلّم هذا المجال تنسف كل الأفكار المسابقة في هذا المجال، ولا سيّما إذا علمنا أنّ الجمعية السورية لمصممي الأزياء التي تأسست عام 2006 تعمل على تدريب وتأهيل ومن ثم صناعة مصممي الأزياء وإيصالهم للعالمية، وعلى رفع كفاءة العاملين في هذا المجال من خلال إقامة الدورات التدريبية والمشاركة في المعارض.

هكذا بدأنا

للتعرّف على ولادة الفكرة التقت مُدوّنة وطن د."محمد ماهر المهاجر طرابزونلي" في مكتبه بالجمعية وهو رئيس قسم التطوير والتحديث ومؤسس الجمعية ورئيسها السابق ويقول: «في عام 2004 أثناء زيارتي لمصمم الأزياء العالمي "طوني ورد" في "لبنان" تناقشت معه في عدة أمور منها جمعيات مصممي الأزياء وخطرت لي فكرة إمكانية تأسيس جمعية لمصممي الأزياء في "سورية"، ولا سيّما أن توصيف مصمم الأزياء لم يكن دارجاً آنذاك بل كان سائداً استخدام لقب خياط، حيث كانت هناك الجمعية "الفرنسية"، والجمعية "الإيطالية" لمصممي الأزياء، وفي الوطن العربي كانت موجودة فقط في "لبنان"، ما شكّل لدي دافعاً لتأسيس الجمعية لنشر ثقافة تصميم الأزياء بشكل أكبر وتمييزها عن مهنة الخياطة، حيث كنت أعمل في مركز "أوربا" الدولي وأدرّب فيه الخياطة والتصميم، وفي إحدى المرات احتجت لمدرب مختص بتصميم الأزياء واستقبلت خياطين غير ملمين بالتصميم ومن هنا أردت صناعة هوية خاصة لمصممي الأزياء، خاصةً أننا كسوريين نتمتع برؤية فنية عالية والدليل أنه عندما يسافر المصمم السوري إلى الخارج يكون قادراً على إثبات نفسه في هذا المجال».

أواكب باستمرار ما يتم عرضه عالمياً لأكون كمدربة على المستوى المطلوب وشخصياً أعتمد الجرأة والغرابة في تصاميمي من ناحية الألوان والقصات والفكرة، وبرأيي يجب على المصمم أن يكون جريئاً لتكون لديه بصمته الخاصة في هذا المجال

الشغفُ أولاً

يقول د."المهاجر": «أول ما نقوم به هو زرع محبة مهنة تصميم الأزياء في قلوب المتدربين، ليسلكوا طريق الإبداع حيث نستقبل الراغبين بتعلم هذه المهنة ممن لديهم الشغف، ومن خلال التشبيك بين الخريجين وربطهم مع سوق العمل يضمن كثير منهم إمكانية الحصول على فرص عمل ولا سيّما أننا نعاني حالياً من نقص في اليد العاملة ومن الضروري أن ندرّب أشخاصاً لمزاولة هذه المهنة خاصةً أن الصناعات النسيجية تحتل المكانة الثالثة في الاقتصاد السوري».

د. "محمد ماهر المهاجر طرابزونلي" مع الشهادات الحاصل عليها

وفيما يتعلق بالخدمات والدورات التدريبية التي تقدمها الجمعية يتابع د."المهاجر" بقوله: «عند الانتساب للجمعية يخضع المتدرب لدورات تدريبية مدتها ستة أشهر يتعلم فيها التفصيل من خلال دورات (البترون) وتشمل كل ما يرتبط بالألبسة النسائية بدءاً من التنورة إلى فستان الزفاف، ودورات في الخياطة والقص ودورات التصميم ودورات (المولاج) التي يمارسها المصممون العالميون مثل "إيلي صعب"، وتعتمد على تشكيل التصاميم على المانيكان ثم تحويلها لقوالب وأقمشة ويتم تطبيقها، وهناك دورات الكمبيوتر باستخدام البرامج المتخصصة بالأزياء تساعد المتدربين على العمل في الشركات منها "الأوبتيتكس"، وكذلك دورات في إدارة الشركات والمصانع في حال رغب المتدرب بتأسيس مشروعه الخاص والوصول للمنافسة العالمية التي تحتاج لتصاميم ذات جودة عالية وأسعار مقبولة».

بابُ الانتسابِ مفتوحٌ

يوضح د."المهاجر" أنّ المتدرب لا يُلزَم بجميع الدورات بل يمكن أن يختص بأحدها حسب رغبته، فقد يتقن الخياطة لكنه بحاجة لتعلم التصميم، وأن الدورات تتوجه إلى جميع الشرائح ومؤخراً توجهت بعضها إلى فئة الصم والبكم وأخرى للأطفال، حيث يتم العمل حالياً على تعاون مع وزارة التربية لتقديم دورات مجانية بحيث يتناسب العدد مع مكان التدريب وبخصوص ذلك يقول: «بدأنا خلال فترة العطلة الصيفية باستضافة أطفال من عمر ثماني سنوات وما فوق لتنمية موهبة التصميم لديهم ونحاول أن تكون أجور الدورات التدريبية مقبولة لكل الشرائح، حيث كانت في السنوات الخمس الأولى من عمل الجمعية مجانية لكننا حالياً نواجه بعض الصعوبات المتعلقة بنقص بعض المواد وارتفاع أسعارها وتكاليف متعلقة بالإيجار».

من المتدربات

ويضيف: «قدمت الجمعية خدماتها منذ التأسيس حتى اليوم إلى حوالي 1700 متدرب، والشباب السوري يتمتع بإمكانيات عالية ولكنه بحاجة إلى تهيئة الفرص المناسبة لإبداعاته فهناك كثير من خريجي الجمعية أبدعوا في الداخل والخارج وأصبح لديهم خطهم الخاص في هذا المجال ومنهم "محمد هاجر"، "إيناس حروب"، "محمود مغربل" وغيرهم».

موضحاً أنّ المتدرب يلزم بتقديم خمسة مشاريع تخرّج حول خمسة مواضيع منها (التراث وتقديمه بطريقة عصرية، ملابس لإحدى المهن، وأخرى من الطبيعة وغير ذلك)، ويمكن أن تكون مرسومة أو على شكل مجسمات، ويتم تزويدهم بعدها بشهادات حضور.

مصممة الأزياء "مانيا الحلو"

وحول المعارض التي تشارك بها الجمعية يقول: «قدمنا عروض أزياء سنوية من خلال المشاركة في معارض "موتيكس" الصيفية والشتوية وأخرى في فنادق كبيرة في "دمشق" بشكل دوري ومعارض أخرى في "اللاذقية" و"حلب" و"دمشق"، ومنذ سنتين شاركنا في مهرجان عالمي بإيران واخترنا فيه تصاميم لبعض الخريجين».

من الألف إلى الياء

"نذير الناشف" مدرب (بترون) في الجمعية يقول: «بدأت العمل كمدرب في الجمعية منذ حوالي العام ونصف العام، وقبلها كنت أعمل في مجال الأزياء في إحدى الشركات، نعلّم المتدربين "البترون" وطريقة سحب القالب من الصفر لكل أنواع الألبسة النسائية مثل (التنانير، السراويل، الفساتين، المعاطف، القمصان) وغير ذلك، عندما لا يمتلك المتدرب خلفية عن الخياطة نشجعه على تعلمها لتكون الفائدة المحققة أكبر، وعندما يعرف الخياطة يستطيع تنفيذ ما تعلمه في الجمعية، وعن طريق التواصل مع الأصدقاء والمعارف في سوق العمل نرشح لهم أشخاصاً للعمل ويتم طرح فرص العمل عبر صفحة الجمعية على وسائل التواصل الاجتماعي».

النظرةُ المجتمعية

من المدربين التقينا "مانيا الحلو" مصممة أزياء وخريجة كلية فنون جميلة، تقول: «اختصاصي هو تصميم الأزياء، قدمت عدة عروض في هذا المجال وأعمل مدربة في الجمعية.. أحاول تقديم كل ما تعلمته للمتدربين مثل طريقة تحريك الجسم عند رسم العارضة والوجه وكيفية رسم اليدين والزخرفة وكيفية تصميم الفساتين وشكل الشعر المفترض لكل تصميم بحيث يتم تخريج مصممين ومصممات أزياء قادرين على شق طريقهم في هذا المجال».

وتتابع: «أواكب باستمرار ما يتم عرضه عالمياً لأكون كمدربة على المستوى المطلوب وشخصياً أعتمد الجرأة والغرابة في تصاميمي من ناحية الألوان والقصات والفكرة، وبرأيي يجب على المصمم أن يكون جريئاً لتكون لديه بصمته الخاصة في هذا المجال».

وحول الصعوبات تقول: «نفتقد كمجتمع النظرة التي تقدّر عمل مصمم الأزياء وتفهم عمله، كثير من التجار يعتمدون صور تصاميم من الإنترنت ويقومون بتطبيقها، كما أنّ هناك صعوبة في التمييز بين عمل مصمم الأزياء والخياط بشكل عام إضافةً إلى ارتفاع الأسعار».

على مراحل

تمتد الدورة التدريبية في الجمعية إلى ستة أشهر يتعلّم المتدربون في ثلاثة منها التظليل وتحريك المنيكان والخامات وكيفية التصاميم، وفي الأشهر الثلاثة الأخرى يتعلمون التلوين من ناحية الخامات وإحساس القماش، وعن ذلك تقول مصممة الأزياء "الحلو": «تتطور موهبة المتدربين ويصلون لمراحل إبداعية في هذا المجال حيث أتابع تنمية الثقافة البصرية لديهم من ناحية متابعة الفيديوهات والصور ثم من خلال التدريب يصبح لكل مصمم بصمة خاصة به، وبعض الطلاب لا يتوقعون النتائج التي يصلون إليها عند تخرجهم».

من المتدربات التقينا "إيمان محجوب" التي تتبع دورات تدريبية منذ سنة ونصف السنة في الجمعية "السورية لمصممي الأزياء" والتي تقول: «تطورت موهبتي خلال هذه الفترة وأصبحت قادرة على ملاحظة تفاصيل كل تصميم وكيفية صنعه وتغيرت نظرتي إلى الأزياء بشكل عام وكيفية تطبيقها كما أصبحت أصمم الألبسة لأفراد عائلتي، واكتسبت مهارة الخياطة وأصبحت قادرة على تصميم الفستان الذي أريده».

نشير إلى أنّ الجمعية السورية لمصممي الأزياء مرخصة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وأشهرت برقم 1904 بتاريخ 19 تشرين الأول عام 2006، وجرى اللقاء بتاريخ 8 تشرين الأول 2021، وأنّ د."محمد ماهر المهاجر طرابزونلي" حاصل على عدة شهادات في مجال تصميم الأزياء منها ماجستير من الجامعة الأميركية في تصميم الأزياء من كلية الفنون الجميلة، ماجستير من جامعة ألمانية في هندسة الألبسة، وشهادة من أكاديمية بريطانية، وأخرى من غرفة الصناعة بدمشق بالإضافة إلى دكتوراه فخرية وشهادة خبرة من الأمانة السورية للتنمية والمجلس النرويجي للاجئين.