تكاد لا تخلو أيّ قرية من قرى "السويداء" من الآبار "الرومانية" القديمة التي تعدُّ بمنزلة خزانات طبيعية لتجميع مياه الأمطار، حيث ولِدت من رحم الصخورِ وشقت الأمطار طريقها إليها عبر أقنية حجرية تفننت في بنائها أيادٍ معمارية ماهرة حَرِصت على ألا تضيع نقطة ماء بعيداً عنها، لتُشكّل هذه الآبار مع الأقنية المغذية لها توءمية مائية أطفأت ظمأ البشر والشجر لقرونٍ مضت، ولتصنّف بعد انطلاق عجلة الآبار الارتوازية في جداول الذكريات.

عاملُ استقرار

تعود "الآبار الرومانية" القديمة في تاريخها إلى آلاف السنين، وحسب ما يقول الباحث الأثري "وليد أبو رايد" رئيس دائرة الآثار بـ"السويداء" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria": «شكّلت هذه الآبار عامل استقرارٍ لأهالي قرى وبلدات ومدن المحافظة كون هذه الآبار أو ما يطلق على بعضها "المطخ" -تختلف عن الآبار بأنها غير مسقوفة- كانت بمنزلة الشريان المائي المغذي لأهالي هذه القرى، حيث استخدمت مياه هذه الآبار -إضافة للشرب- لسقاية المواشي وخاصة أنّ سكان هذه القرى كانوا يعتمدون على تربية الأغنام والأبقار والماعز، عدا عن ذلك فقد ضخت هذه الآبار وعبر الأقنية المائية المغذية لها روح الحياة في أشجار التين والعنب التي تشتهر بزراعتها قرى المحافظة، ومهدت الطريق أيضاً أمام المزارعين للزراعات الصيفية، وذلك من خلال قيامهم بإرواء أراضيهم شتاءً عن طريق هذه الأقنية، ليصار إلى زراعتها صيفاً بمحاصيل البندورة والعجور والبطيخ.. الخ"».

شكّلت هذه الآبار عامل استقرارٍ لأهالي قرى وبلدات ومدن المحافظة كون هذه الآبار أو ما يطلق على بعضها "المطخ" -تختلف عن الآبار بأنها غير مسقوفة- كانت بمنزلة الشريان المائي المغذي لأهالي هذه القرى، حيث استخدمت مياه هذه الآبار -إضافة للشرب- لسقاية المواشي وخاصة أنّ سكان هذه القرى كانوا يعتمدون على تربية الأغنام والأبقار والماعز، عدا عن ذلك فقد ضخت هذه الآبار وعبر الأقنية المائية المغذية لها روح الحياة في أشجار التين والعنب التي تشتهر بزراعتها قرى المحافظة، ومهدت الطريق أيضاً أمام المزارعين للزراعات الصيفية، وذلك من خلال قيامهم بإرواء أراضيهم شتاءً عن طريق هذه الأقنية، ليصار إلى زراعتها صيفاً بمحاصيل البندورة والعجور والبطيخ.. الخ"

موغلةٌ في القدم

وتابع "أبو رايد" بالقول: «نجح سكان قرى وبلدات المحافظة، ومنذ القرن التاسع عشر وبهدف استثمار هذه الآبار العائدة لحقب زمنية قديمة، في جمع مياه الأمطار في هذه الآبار، التي لم تكن الوحيدة المستثمرة للأغراض المائية، فهناك أيضاً "البرك والمطخ" وذلك من خلال جر المياه من السهول والتلال البعيدة عبر أقنية حجرية سايرت تعرجات الأرض، فضلاً عن ذلك وللحفاظ على المياه من الأوساخ قام السكان بسقف هذه المناهل ببلاطات حجرية، حيث لا تزال هذه الأسقف حتى وقتنا الحالي، وقد استمر الأهالي باستثمار هذه المناهل حتى بدايات القرن الواحد والعشرين، إلا أن دخول استثمارات الآبار الارتوازية أدى إلى الابتعاد عن هذه المناهل ما أبقاها غير مستثمرة، حتى أن بعض البرك المائية تحولت وللأسف الشديد إلى مصبات للصرف الصحي، علماً أن الآبار القديمة تنتشر في كل قرى الجبل، فمثلاً هناك آبار"اللجاة" كآبار "حران وداما وعريقة" وهي آبار حُفرت في الصخر، كما تحتضن قرية "ذكير" بعضاً من هذه الآبار"».

الشيخ فارس شرف

أيامُ زمان

رامز مفرج

في حديثه للمدوّنة يستذكر الشيخ "فارس شرف" من قرية "ذكير" بعضاً من ذكريات أيام زمان: «لقد كان أهالي القرية قديماً يفزعون شيباً وشباباً عند جريان الأودية شتاءً، لتنظيم مجرى المياه بهدف إيصالها إلى الآبار الموجودة في القرية، لتعبئتها وتخزين المياه داخلها، والفائض من هذه المياه كان يستثمر في ري الأراضي بغية زراعتها فيما بعد بالمحاصيل الصيفية، ويوجد في قرية "ذكير" منهل ماء يطلق علية اسم "الطبالية" وكان يستخدم حصراً للشرب، اذ كانت تقطف المياه من هذه البئر بواسطة دلو لتنقل بعدها المياه إلى المنازل على أكتاف النسوة (بالمنشل) وهو وعاء معدني كان يُحمل على الكتف، واللافت في مياه هذا المنهل برودته صيفاً رغم حرارة الشمس المرتفعة، أما الآن فبتنا نترحم على هذه المناهل التي أصبحت من المنسيات، خاصة بعد أن اجتاحت التوسعات العمرانية حرم الأقنية المغذية لها، وباتت حجارتها التي لم يبق منها إلا القليل مؤرشفة في خزائن الذكريات، ولتغلق هذه المناهل بأبواب حديدية خوفاً على الأطفال من السقوط بها».

مجردُ ذكريات

بدوره يقول "رامز مفرج" أحد سكان بلدة "القريا": «لقد كانت هذه المناهل في ذلك الوقت صمام أمان للأهالي، لكون مياهها لا تعرف النضوب جراء البرمجة التنظيمية لمجرى الأودية والأقنية المغذية لها، فمثلاً المياه بعد امتلاء البئر الأولى تنتقل تلقائياً عبر القناة المخصصة لها إلى البئر الثانية، فضلاً عن ذلك فاستثمار المياه الفائضة لم يستخدم فقط في سقاية المزروعات، فقد استثمرها الأهالي أيضاً بتشغيل مطاحن الحبوب، فهذه المطاحن كانت تعمل على مياه الأودية، حيث كان الأهالي ينتظرون ذلك بفارغ الصبر لطحن القمح، ولم يبق من هذه المناهل حالياً سوى ذكريات الآباء والأجداد الذين كانوا يصلون الليل بالنهار لتبقى هذه الآبار تنبض بالحياة، وحكايا الأمهات والجدات اللواتي كنّ يذهبنّ مع بزوغ شمس النهار لجلب الماء إلى بيوتهنّ"».

منهل الماء الطبالية