منذُ بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأ فنُّ الدوبلاج يحجز لنفسه مكانةً على السّاحة الفنّية السوريّة، فبعد أفلام الكرتون والبرامج الوثائقيّة، بدأ دوبلاج الدراما الأجنبيّة يزدهر ويستقطب المتابعين من أنحاء الوطن العربي كافة، حتى غدت اللهجة "السّوريّة" الأكثر قبولاً ورواجاً، لكن على الرغم من المزايا التي تتمتع بها هذا المهنة، إلّا أنها تعاني العديد من الصعوبات.

الخطوةُ الأولى

دخلت "بثينة شيّا" عالم الدوبلاج مصادفةً مع بدايات انتشار هذا الفن في "سورية" عام 1989، حيث كانت البداية مع دبلجة عمل كرتوني للأطفال "الوميض الأزرق"، فدراستها في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وعملها في المجال الإذاعي وتمكّنها من التعامل مع المايكرفون وما يحتاجه من قدرات صوتيّة، أكسبها سلاسةً في التعاطي مع هذا الفن، ولم تواجه أي صعوبة إلا في مواقف قليلة جداً، من ثم ّتعدّدت الشخصيّات الرئيسيّة التي أدّتها بصوتها حتى اليوم، تقول الممثّلة خبيرةُ الدوبلاج "شيّا" التي التقتها مدوّنة وطن: «قبل بداية تسعينيّات القرن الماضي كان فن الدوبلاج في "سورية" خجولاً جداً، وقبل هذا التاريخ كان الفنانون "السوريون" يؤدّون أدوارهم في الدوبلاج في استديوهات دولة "الكويت"، ومع بداية التسعينيات بدأ العمل في الدوبلاج داخل "سورية" بزخم كبير، لاحقاً أثبت هذا الفن جدارته وإمكاناته وإمكانات الفنانين، وأخذت الشركات تتوجه بهذا الاتجاه، والبداية كانت مع دبلجة برامج وأفلام الكرتون، وجميعها تُسجل بواسطة تقنيّات اعتُبرت حديثة وقتئذٍ، ثم أخذت التقنيّات الأكثر حداثة تطوّر العمل في هذا الفن وتجعله أكثر سهولة، وسهّلت عمل الممثلين، وزادت من جودة العمل الفني».

ثمّ توالت الأدوار والبطولات التي شاركت فيها، وتنوّعت جنسيّات الأعمال من "تركيّة إلى هنديّة وكرواتيّة وأوروبيّة وأمريكيّة"، وقد تمكّنت من التّصدي لكل الأدوار، وصنعت نقاطاً فارقةً من حيث الأداء، وخاصّةً أنّ الشخصيّات التي لعبتها كانت صعبة وخاصّة جداً، وما زلت مستمرّاً حتى الآن

الجوهرُ هو الصوت

سابقاً كان فن الدوبلاج مقتصراً على الأعمال الكرتونيّة والبرامج الوثائقيّة، من ثمّ بدأت شركات الإنتاج بدبلجة الأعمال الدراميّة، وبدأت تحصد نجاحات كبيرةً في هذا المجال، ولفن الدوبلاج ميزاته وأدواته حاله كحال غيره من الفنون، عن هذه الميّزات والأدوات تقول "شيّا": «في الدوبلاج سيواجه الفنان شخصيّات غير حقيقيّة، والتّحدي سيكون بمنحها الحس الإنساني والمشاعر، سيمنحها الروح الإنسانيّة من خلال الصّوت فقط، والأمر ليس سهلاً خاصةً فيما يتعلّق بإيصال الأحاسيس عن طريق الصوت، هذا العمل سابقاً كان إنجازه يتطلّب وقتاً وجهداً، حاليّاً سهّلت التّكنولوجيا الحديثة وطبيعة الاستوديوهات وتجهيزاتها الكثير من الصعوبات التي تواجهنا في العمل، كما أنّ الصوت وحده لا يكفي إن لم يمتلك الممثل موهبة التمثيل، والمقدرة على توصيل الإحساس عن طريق الصوت، وهي برأيي إمكانات مضاعفة عن ممثل التلفزيون الذي يعبّر بطرق متنوّعة، أمّا في الدوبلاج فلا بدّ للممثّل أن يكون متمكّناً من أدواته كافّة، والصوت على وجه الخصوص».

بثينة شيا

جودةُ العملِ

في الماضي كان عدد الممثّلين العاملين في مجال الدوبلاج قليل جداً، أمّا الآن وقد زاد عدد شركات الإنتاج وأدخلت دبلجة الأعمال الدراميّة الأجنبيّة إلى هذا المجال، ازداد عدد الممثّلين، وفُتح مجال التّدريب واسعاً أمام من يمتلكون الموهبة وخامات صوت مميّزة، فتدرّبوا وعملوا في المهنة ونجحوا بحسب "شيّا"، وتضيف: «حجم الأعمال المدبلجة وتغيير نمط هذه الأعمال والانتشار الكبير والتوسّع في مهنة الدوبلاج من الكرتون إلى الوثائقي فالدراما، تطلّب زيادة الممثلين فيها، وهناك من بدأ يعمل فقط لامتلاكه الصّوت بغضّ النّظر عن الموهبة، ما سبّب بعض الخلل للمهنة، وخاصّةً أنّ البعض يعمل فقط للحصول على مردود مادّي، حتّى أصبحت تشهد تفاوتاً كبيراً سواء من ناحية أجور الممثّلين وفي مستوياتهم، لذلك لا بدّ من التوجّه نحو تطوير المهنة من خلال إقامة دورات إعداد ممثّل دوبلاج تحاكي تلك التي تقام للممثلين في الدراما التلفزيونيّة، أيضاً التّعاطي مع الأعمال بجدّية أكثر، فالبعض يؤدي عمله بشيء من السّرعة الأمر الذي قد يؤثر في جودة العمل».

تجربةٌ شابّة

الفنّان "زيد الظريف" الذي تخرّج من المعهد العالي للفنون المسرحيّة علم 2004، كانت له عدّة تجارب سواء في مسرح الهواة أو المسرح القومي وأعمال درامية تلفزيونيّة قبل التّخرج، دخل عالم الدوبلاج عام 2005 في أوّل مسلسل أجنبي مدبلج في "سورية" "إكليل الورد"، يرى أنّ الدوبلاج في "سورية" مرّ بمرحلتين، قديمة تتعلّق بدبلجة أفلام الكرتون وكان لها روّادها وخبراؤها، ومرحلة حديثة بدأت مع بداية دخول المسلسلات "التركية" إلى عالم الدبلجة في "سورية"، حيث كانت شركة "سامه" والمنتج "أديب خير" أول من استحضر هذه الفكرة وصنع هذا النّوع من الدراما المدبلجة، ويكمل: «ثمّ توالت الأدوار والبطولات التي شاركت فيها، وتنوّعت جنسيّات الأعمال من "تركيّة إلى هنديّة وكرواتيّة وأوروبيّة وأمريكيّة"، وقد تمكّنت من التّصدي لكل الأدوار، وصنعت نقاطاً فارقةً من حيث الأداء، وخاصّةً أنّ الشخصيّات التي لعبتها كانت صعبة وخاصّة جداً، وما زلت مستمرّاً حتى الآن».

مزايا ومعوقات

إلى جانب المردود المادّي، قدّمت هذه المهنة لـ"الظريف" القدرة على استثمار موهبة الصّوت، من خلال تمرين الحبال الصوتيّة، فمساحة التعبير هنا برأيه ضيقة، على خلاف المساحة الممنوحة لممثل الدراما التلفزيونيّة، التي تختلف أدواتها المتمثلة بليونة الحركة والحس والثقافة العالية والكاريزما الشخصيّة وضرورة فهم الجمهور وكيفيّة التعاطي معه، أيضاً فهم الممثّل لنفسه ولهذه الأدوات التي يمتلكها ليحسن توظيفها، أما الدوبلاج فيلغي لدى الممثّل كل هذه الأدوات ويبقي التعبير فقط من خلال الأداء الصوتي.

يرى "الظريف" أنّ واقع الدوبلاج في "سورية" يحمل جانبين، أحدهما إيجابي من ناحية أن الصّوت "السّوري" واللهجة "السّوريّة" أصبحا معتمدَين بشكل فعلي، حتى أنه في العالم العربي أصبحت صناعة الدوبلاج مرتبطة بـ"سورية" والفنّانين "السوريين"، وحاليّاً شركة "نتيفليكس" اعتمدت الدّبلجة "السّورية" في الأعمال المدبلجة على منصّاتها، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية يساهم في إنعاش مهنة الدوبلاج ويجعلها رائجةً ومربحةً للعاملين فيها، أما الجانب السّلبي فمتعلّق بالمنتجين المهتمّين بالجانب الربحي أكثر من الاتجاه نحو تطوير المهنة، وهناك أيضاً العديد من الممثلين الذين يقبلون العمل بأجر قليل مقابل الحصول على عدد أكبر من الأدوار، وهذا يسبب إجحافاً بحق ممثلين آخرين يطالبون بأخذ أجورهم المستحقّة، والحقيقة أنّ هذه تعدُّ تنافسيّةً غير شريفة، ومبنيّة على الأنانيّة المحضة، وتؤذي مهنة الدوبلاج، وهناك أيضاً آليّة دفع الأجور، فقد يستغرق الأمر عدّة أشهر ليحصل الممثّل على أجره عن العمل.