تعدُّ مغارة ونبع "الدلافة" في محافظة "السويداء" التي ولِدت من رحم الصخور منذ مئات السنين، مقصداً للباحثين عن الطمأنينة والسَّكينة داخل جروف هذا الكهف حيث الماء والهواء اللذان لا يغادران هذا المكان صيفاً وشتاءً، ولتبقى صخورها شاهداً حيّاً على الحِقب الزمنية والتاريخية التي تعاقبت على هذه المنطقة، لتُشكّل حالياً نقطة جذبٍ سياحية لما تتمتع به من موقع جمالي يسكن الذاكرة ويستوطن القلب.

عائدُ التسمية

رغم أنّ مغارة "الدلافة" -حسبما تشير الأبحاث الأثرية- يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، إلا أنّ اكتشافها وإظهارها للعلن كان في منتصف القرن التاسع عشر، هذا ما أوضحه مدير سياحة السويداء "يعرب العربيد" لموقع "مدوّنة وطن" "eSyria" وتابع يقول: «لقد تمّ اكتشافُ مغارة "الدلافة" في منتصف القرن التاسع العشر من قبل أهالي قرية "الرشيدة"، وذلك عندما سكنوا هذه القرية، وسميت "الدلافة" لكون الماء يتساقط من سقفها "دلفاً" صيفاً شتاءً على شكل نقطٍ متتاليةٍ لتنتهي المياه المتساقطة إلى جرنٍ كائن أسفل المغارة، حيث لا يتغيّر منسوب الماء في الجرن سواءً تمّ ضخ المياه منه أو تُركت لعدة أشهر على حالها، ولعلّ ذلك كان مثارَ أسئلةٍ تركتها المغارة للزمن للإجابة عليها، لأنّ اللافت في الموضوع أنّ مصدر الماء المتساقط من سقف المغارة لا يزال مجهولاً حتى تاريخه، علماً أنّ المياه تخرج من بين الصخور وهي دائمة التدفق، ما أبقى المكان ذا حرارةٍ معتدلةٍ من دون تبدل».

تقع مغارة "الدلافة" على سفح "وادي الشام" المجاور لقرية "الرشيدة"، حيث تظهر على هذا الوادي بقايا آثار مطاحن مائية وأشجار اللوز والزعرور، إضافة لبقايا جدران بساتين قديمة، ما يدل على وجود غابة كانت غنية بأشجار اللوزيات، ومن المرجح أنه تم القضاء عليها من قبل الجيوش التي غزت المنطقة قديماً، مع العلم أنّ "وادي الشام" الذي يحتضن مغارة "الدلافة" يعود تشكّله إلى الزمن الجيولوجي الثالث"

جذبٌ سياحيّ

ويضيف "العربيد" بالقول: «تقع مغارة "الدلافة" على سفح "وادي الشام" المجاور لقرية "الرشيدة"، حيث تظهر على هذا الوادي بقايا آثار مطاحن مائية وأشجار اللوز والزعرور، إضافة لبقايا جدران بساتين قديمة، ما يدل على وجود غابة كانت غنية بأشجار اللوزيات، ومن المرجح أنه تم القضاء عليها من قبل الجيوش التي غزت المنطقة قديماً، مع العلم أنّ "وادي الشام" الذي يحتضن مغارة "الدلافة" يعود تشكّله إلى الزمن الجيولوجي الثالث"».

يعرب العربيد

ويشير مدير سياحة السويداء إلى عوامل الجذب السياحي الكثيرة للمغارة ولكن أهمها ربما جمالية هذه المغارة التي حوّلتها إلى مكانٍ سياحيٍّ يقصده السائحون من المحافظة وخارجها، وذلك لكونها تحمل بين أحضانها لوحةً طبيعيةً متجانسةً، زادها ألقاً التناغم بين الماء والصخر والشجر مع بعضها بعضا، وخاصة أنّ المغارة تحتوي على حوض ماء عذب وبجانبه شجرة تينٍ كبيرة جداً ترعرعت ونمت من قلب الصخور.

تقولُ الحكايات

يذكر الباحث التراثي "محمد شجاع" مؤسس جمعية "الأدب الشعبي وأصدقاء التراث" وهو أحد سكان قرية "الرشيدة" بالقول: «الدخول إلى قلب مغارة "الدلافة" يتطلب النزول عبر درجٍ صخري واللافت في الأمر أنّ جميع سكان القرية زاروا المغارة قديماً وحديثاً سواءً أطفالاً أو نساءً أو رجالاً، ورغم خطورة النزول إليها إلا أنه لم يتعرض أحد منهم للأذى"، وبحسب الروايات القديمة المسموعة من الآباء والأجداد، فإن المغارة هي مكانٌ مبارك حيث سكنها أحد الأولياء الصالحين قديماً، وهذا ما جعل الناس يعتقدون بأنها مكان مبارك، ومنهم من يتبارك بمائها ويأخذه للتداوي، علماً أنه ماء صالح للشرب وقد تمّ اختباره أيضاً، فهو نقي ولم يصب أحد ممن شرب منه بأي عارض صحي، و"الدلافة" تعدُّ معلماً سياحياً بارزاً يستحق الزيارة، فهي إحدى أعاجيب الطبيعة ودليل على حضارة غابرة، زارها العديد من الأشخاص ومن محافظات مختلفة، ونتمنى أن تستثمر في المجال السياحي لتشكّل رافداً للاقتصاد الوطني».

محمد شجاع
جانب من المغارة