في جوٍّ أسريّ يسوده الدفءُ يجمع مركز "أحمد وليد عزت" للفنون التطبيقية هواةَ الفنّ من مختلف الاختصاصات والمهن، يسعون من خلال أعمالهم الفنية لنشر رسالة من الجمال مستمدين شغفهم من أسماء فنانين كبار تخرّجوا من هذا المركز الذي يعدُّ تجربةً فريدةً تستحق الوقوف عندها والإضاءة عليها.

مساحةٌ للمواهب

تبدأ المهندسة الزراعية "لبانة شبيب" - مدرّسة بالمركز ضمن قسم النحت حديثها لمدوّنة وطن وتروي لنا تجربتها قائلةً: «عشقت الفنون وخاصةً الرسم منذ الصغر، كنت أرسم اللوحات وأشارك في المعارض، ودائماً ما استهوتني الألوان وأسلوب الرسم النافر، أردت دراسة أحد أنواع الفنون التشكيلية، وبعد تخرجي من الجامعة تحقق حلمي وانتسبت للمركز عام 2015، عندما شاهدت صورةً لقسم النحت، لفتتني طريقة عملهم وأحببت الشعور بملمس اللون والتشكيلات الفنية.. خلال الفترة الأولى استعنت بالصابون وبدأت أنحت عليه في المنزل كتلاً صغيرة ثم انتقلت للجبصين وازداد عشقي للنحت وكبر حلمي يوماً بعد يوم».

أسست وزارة الثقافة المركز عام 1959 ويعدُّ أوّل مركزٍ فنيٍّ في "دمشق"، كان اسمه مركز الفنون التشكيلية وبعد تأسيس مركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية تمّ تحويله لمركز للفنون التطبيقية، وهذه التفاصيل أنقلها عن د."عفيف بهنسي" الذي بذل جهداً كبيراً في تأسيس عدة مراكز فنية في "سورية"

وتتابع "شبيب" حديثها: «تجربتي في المركز شكّلت محطةً مهمةً في حياتي من خلال الخبرة التي اكتسبتها في مجال النحت، كان المدرّس المشرف آنذاك الفنان "أنس قطرميز" -وله فضلٌ كبيرٌ في تنمية موهبتي الفنية- مثالاً في العطاء ومصدر إلهام لنا، يتعامل معنا كأنّنا جزءٌ من عائلته يشاركنا التخطيط لتطوير المركز، ونتناقش بالأعمال والمشاريع الفنية الممكنة، إلى جانب المدرسين "مأمون الكردي" و"هادي عبيد"، كنا عائلةً واحدةً نساند بعضنا بعضاً، وأحاول اليوم كمدرّسة أن أتعامل مع الطلاب من المبدأ نفسه بأن أحفزهم لاكتشاف أسلوبهم الفني، وأساعدهم على تدارك الأخطاء في الكتلة وتصحيحها بتقنياتهم الخاصة.. يشكّل المركز إرثاً ثقافياً ولا سيّما في مجال النحت لندرة المراكز المتخصصة بهذا المجال».

تنمية المواهب

أوّل مركزٍ في "دمشق"

"لبانة شبيب" أثناء العمل

للتعرّف إلى المراحل التي مرّ بها المركز منذ التأسيس حتى اليوم، التقينا النحات "عبد العزيز دحدوح" رئيس مركز "أحمد وليد عزت" للفنون التطبيقية في مكتبه، يقول: «أسست وزارة الثقافة المركز عام 1959 ويعدُّ أوّل مركزٍ فنيٍّ في "دمشق"، كان اسمه مركز الفنون التشكيلية وبعد تأسيس مركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية تمّ تحويله لمركز للفنون التطبيقية، وهذه التفاصيل أنقلها عن د."عفيف بهنسي" الذي بذل جهداً كبيراً في تأسيس عدة مراكز فنية في "سورية"».

في البداية بحسب "دحدوح" كانت الغاية من المركز تنمية الصناعات الحرفية ومنها (النسيج، الشاشة الحريرية، الخزف، الحفر على الخشب، صبُّ البرونز على طريقة الشمع) وهذه الأقسام كانت حرف تطبيقية تمّ إلغاؤها مع تغير البيئة المحيطة في هذه المنطقة التي أصبحت تضمُّ أبنيةً سكنيةً لم يعد يناسبها ضجيج الآلات، وهذا التغيير تمّ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، والأقسام الحالية هي: (النحت، التصوير الزيتي، الخزف، الخط العربي)، حيث تمت إضافة مادة التصوير الزيتي لأهميتها لكل الاختصاصات الفنية.

النحات "عبد العزيز دحدوح" رئيس المركز

منَ الموهبةِ إلى الاحتراف

وحول أهداف المركز وآلية القبول يقول "دحدوح": «يهدف المركز بالدرجة الأولى إلى تنمية مواهب الطلاب ومساعدتهم على صقلها للوصول إلى الاحترافية، وآلية الانتساب تتم عن طريق مسابقة قبول حسب ما ينص عليه النظام الداخلي للمركز، حيث يخضع المتقدم لاختبار موهبة للتعرف على قدراته الفنية، يهمنا أن يكون لديه دافع ورغبة بتعلم المجال الفني، ويكون الاختبار خاصاً بكل قسم من الأقسام الموجودة، وبحسب نظام المركز مدة الدورة ستة أشهر يجب على الطالب اتباع أربع دورات متتالية للحصول على وثيقة أو شهادة.. مدة الدراسة سنتان يحصل بموجبها على وثيقة تخرّج بعد أن يقدم مشروع تخرج، وهي بمنزلة شهادة خبرة تمكّن الشخص من مزاولة المهنة بالاختصاص الذي درسه».

يستقبل المركز الطلاب من سن 18 عاماً وما فوق، وحول ذلك يكمل "دحدوح" بقوله: «باب الانتساب مفتوح لكل شخص يرغب بتنمية موهبته، يرتاد المركز أطباء، مهندسون، وطلاب من كل الشرائح، ومن خلال نظام صناديق الطلبة الجديد الذي أحدثته الوزارة، أصبح هناك تفصيل أكبر للقبول ويشمل دورات مخصصة للأطفال وأخرى لليافعين وكذلك للشباب، سيتم تطبيقه في الدورات القادمة مع مراعاة قدرة المركز على الاستيعاب، حيث تبدأ الدورة القادمة في الأول من شهر كانون الثاني، وحالياً موضوع الشرائح العمرية قيد التجربة وسنرى ما هي الأعداد الممكن استقبالها، وحالياً نستقبل بين مئتين وخمسين إلى ثلاثمئة طالب وسطياً بكل الاختصاصات يتم توزيعهم إلى فئات حسب التوقيت، من الساعة الثانية والنصف حتى السابعة مساءً ويدفع الطلاب رسم تسجيل وقدره 20 ألف ليرة سورية».

صعوباتٌ

يقول "دحدوح": «لدينا ثغرةٌ تتعلق بأجور المدرسين في المركز وهي قليلة جداً، ونطمح لزيادة أجور الفنانين المدرسين لزيادة الإقبال، حيث تشكّل الناحية المالية عقبة دائمة بالنسبة لنا من ناحية شراء المواد، كما أن تبعية المركز إدارياً ومالياً هي للإدارة المحلية، وفيما يتعلق بالجانب الفني يتبع لوزارة الثقافة ما يسبب إشكالية كبيرة خاصةً عندما يزورنا مفتشو الرقابة والتفتيش ويطلعون على آلية الرواتب والأجور».

ويشير "دحدوح" إلى أنّ تبعية المركز يجب أن تكون بالكامل لوزارة الثقافة ويقول: «هذا التشتت يخلق عقبات بالنسبة لنا، لكن منذ شهرين أحدثت مديرية التأهيل الفني ومديرها الفنان "بريام سويد"، حيث تمت إعادة هيكلة المراكز التشكيلية والتطبيقية وأصبحت تتبع لها بعد أن كانت تابعة لمديرية الفنون الجميلة ومديرية الثقافة، وهي مرحلة جديدة يمر بها المركز ونطمح أن تكون للأفضل».

معارضُ نوعيّة

أبرز المدرسين في المركز هم الفنان "ناثر حسني" لقسم التصوير الزيتي، الخطاط "أسامة العاني" ومساعدته "مرح الأيوبي" لقسم الخط العربي، الفنان "أنس قطرميز" ومساعدته "لبانة شبيب" لقسم النحت، وبالنسبة لمعارض المركز فهي بحسب "دحدوح" تتبع لمستوى الخريجين وليس بالضرورة أن تكون دورية وعن ذلك يشرح بقوله: «عندما يكون المستوى جيداً يتم حجز صالة وإقامة المعرض ويتم اختيار اللوحات الجيدة التي قدمها الطالب، ومنها معرض "الفصول الخمسة" في صالة "الشعب" وحظي بصدى كبير لأنه كان شاملاً لكل الاختصاصات في المعهد وبمستوى جيد جداً، ومعرض النحت والتصوير الزيتي للخريجين في "ثقافي أبو رمانة" عام 2016 ومعارض أخرى».

أسماء لامعةٌ

لدى سؤالنا له حول سبب تسمية المركز قال "دحدوح": «تمّت تسمية المركز باسم الفنان "أحمد وليد عزت" عام 1970 تكريماً له، حيث كان ضابطاً نشيطاً ومحبوباً في القوات المسلحة وارتاد المركز لتنمية موهبته وكان أول من أبدع باستخدام الألوان المائية في الرسم، وكان من خريجي المركز المتميزين وهو رائد فن الألوان المائية في "سورية"، إلى جانب فنانين درسوا في المركز ومنهم الفنان العالمي "مصطفى علي" الذي تابع تنمية موهبته في المركز، الفنان "زكي سلام" ، والفنان "عماد كسحوت" تخرجوا من قسم الخزف وتابعوا طريقهم في عالم الفن».

وعن أبرز الأساتذة يتابع: «درّس في المركز أساتذة كبار منهم الفنان "ناظم الجعفري" الذي دَرّس في قسم التصوير الزيتي حيث ارتاد المركز الدفعات الأولى من خريجي كلية الفنون الجميلة ليتعلموا على يده، المرحوم الفنان "محمود حماد" الذي كان يدرس ميدالية وهي نحت بارز يعتمد على طريقة الرسم ثم النحت البارز، بالإضافة إلى أساتذة "بلغاريين" قاموا عام 1962 بتعليم صب البرونز على طريقة الشمع، ومن الفنانين الذين تعلموا هذه الطريقة الفنان "عبد السلام قطرميز" أثناء عمله كمدرس في المركز والفنان والمحاضر الجامعي "وديع رحمة"، وفنان آخر من عائلة "الحلاق" وكان نتاج الورشة تمثال الشهداء الذي يرفع الشعلة أو تمثال "الثوري العربي"، وهو أوّل عملٍ فنيّ صممه "محمود جلال" وقام بتفيذه كلٌّ من الفنانين الثلاثة وهو موجود في منطقة "الفحامة" عند بداية النفق».

تنميةُ المواهبِ

في المركز التقينا "عبير مفتي" التي تقول: «انتسب للمركز في الشهر السابع ـ قسم التصوير الزيتي، تعلمت الرسم بقلم الرصاص ثم انتقلنا إلى الرسم بالفحم، هوايتي الرسم واخترت هذا المركز لأنه على مستوى جيد والتعامل فيه من قبل المدربين جيد ولا سيّما الفنان "ناثر حسني" الذي يضع كل خبرته بين أيدينا، بالإضافة إلى أنّ المركز قريب من مكان سكني، لمست تطوراً في موهبتي بدءاً من الأساسيات مروراً بالمشاريع المطلوبة وتطبيق ملاحظات المدربين لتقديم ستة مشاريع خلال فترة الدراسة إلى جانب يوم في الأسبوع نتعلم فيه الرسم بشكل منظوري من خلال ملاحظة الأبعاد، التكوين والكتلة».

من المدرسين في المعهد التقينا "مرح الأيوبي" خريجة معهد فنون تطبيقية اختصاص خط عربي التي تقول: «أدرّسُ الطلاب في المركز منذ ستة أشهر لمرة في الأسبوع على الخط العربي، بدايةً يتعلمون أنواع الخطوط بشكل مبسّط ونركّز على خط الرقعة ونلاحظ مدى استجابتهم لتعلم الخطوط وتحسن مستواهم خلال مدة الدورة وهي ستة أشهر ونجري اختباراً كل شهرين، وعند التحسن ننتقل لنوع آخر من الخط حيث ندربهم على الرقعة، الديواني، الكوفي، الفاطمي».

نشير إلى أن اللقاءات تمّت بتاريخ 15 تشرين الثاني 2021.