آلة "البزق" هي آلة حديثة نوعاً ما في ثقافة المنطقة قياساً بالآلة الأم "الطمبور" التي ذكرها عشرات الباحثين والرحالة في كتبهم منذ مئات السنين، وحتى هذا اليوم لا توجد دراسات تذكر "البزق" قبل الأمير "محمد عبد الكريم"، إذ يكاد يوجد ما يشبه الإجماع بأنه هو من أدخلها إلى الساحة الموسيقية "السورية" وربما العربية أيضاً، وأتى بعده العازف القدير "سعيد يوسف"، وأدخلها إلى منطقة "القامشلي" حيث كانت تحتل الساحة آلتا "الجمبش" و"الطمبور".

أكاديمياً وبعد تأسيس قسم الموسيقا الشرقية في المعهد العالي للموسيقا بـ"دمشق"، خُصص صفٌ لآلة "البزق" إلى جانب الآلات الشرقية الأخرى، حيث استعان المعهد بالخبير الأذربيجاني "عسكر علي أكبر" كأول مدرّس لهذه الآلة.

آلة "البزق" موجودة في منطقتنا منذ فترة ليست بقليلة، ولكن لم تكن بشكلها الحالي، وانتشرت على يد الأمير "محمد عبد الكريم" بسبب وجوده في العاصمة "دمشق"، وعمله في الإذاعات في زمن كانت الإذاعة هي الوسيلة الوحيدة لبث الأعمال الإبداعية، إضافة إلى حفلاته على مسارح عربية وعالمية فضلاً عن عزفه البارع، وإضافة إلى "البزق" هناك آلات تعدُّ من عائلة هذه الآلة وهي "الساز" و"الطمبور" و"الباغلمة" و"الجمبش" منتشرة بشكل كبير في شمال وشمال شرق "سورية" ولكنها غائبة عن مسارحنا بشكل شبه تام بسبب اعتقاد الناس الخاطئ بأنها آلات لا تمت لثقافتنا بصلة والعكس هو الصحيح

الأكاديميّةُ والتجديد

من حينها تخرّج من المعهد العديد من عازفي "البزق" ولكن القليل من اتجه إلى تجديد الأسلوب وتجديد الطرق في العزف، منهم العازف "كنان أبو عقل" الذي حاول الابتعاد عن التقليد، حيث يقول لمدوّنة الموسيقا "esyria" : «تقديمي لآلة "البزق" بأسلوب جديد على صعيد العزف نابع من دراستي الأكاديمية، ولا سيّما أنني عشت في منطقة جغرافية لا تمتلك تراثاً غنائياً خاصاً بها، فالكثير من مناطق "ريف دمشق" تتقاطع بتراثها مع تراث سهل حوران والمنطقة الجنوبية، وربما هذا ما جعلني أبتعد عن التقليد والألحان التراثية وأن لا أنظر إلى هذه الآلة من منظور ضيق، وسبب آخر أيضاً هو التجارب الكثيرة التي اعتبرت بأنها شعبية وصل فيها كلُّ العازفين لطريق مسدود من ناحية الأداء والانتشار، أما من الناحية الأكاديمية فقد درست الموسيقا الشرقية الكلاسيكية وتقنيات الآلة إضافة إلى علم النظريات وعملت على تطوير مهاراتي، وكان لا بدّ أن أستثمر هذه الأشياء في مشروع جديد».

على مسرح الأوبرا

بعيداً عن التقليد

أثناء التدريبات

يرى "أبو عقل" بأن الطريقة التقليدية لآلة "البزق" وضعتها ضمن قالب جامد لا جدوى من انتشاره: «عند الوقوف عند التجارب السابقة ورغم مهارة العزف عند البعض، نجد بأنها وقفت عند حدود معينة، فكان لا بدّ أن أجد طريقة جديدة، وتالياً عملت على تطوير تقنيات في الآلة واشتغلت على بعض المقطوعات بغض النظر عن الهوية الموسيقية، ولكن يمكن الاستفادة منها في الكثير من الموسيقا ومنها موسيقانا الشرقية، وهكذا تعديت حاجزاً ربما كان مفروضاً وهو عزف بآلة شرقية بحتة بطريقة غربية، ليأتي مشروعي المتضمن أعمالاً لمؤلفين "سوريين" شباب لاقت استحساناً من الجمهور العام، وكذلك الأمر عند موسيقيين اختصاصيين حيث وجدوا فيها أداءً صعباً، وذلك رغم توقعاتهم المسبقة بأن المقطوعات مستحيلة الأداء على آلة البزق، وبنفس الوقت جاء هذا المشروع كنافذة للمؤلفين الذين تعاونوا معي مشكورين لترى أعمالهم النور، إضافة إلى أن هذا المجال سيعطي آلة البزق انتشاراً أوسع وستتعدى حدود المحلية، بعد أن كانت حبيسة الأعراس والمناسبات الاجتماعية وبعض المقطوعات الكلاسيكية الأكاديمية».

محطاتٌ فنيّة

مشواره كعازف لم يبدأ مبكراً ولكنه استطاع أن يجذب الأنظار من خلال مشاركاته وتطلعه إلى آلته لأخذها إلى الضفة الأخرى من الموسيقا، ونقلها إلى أسلوب لم يسبقه إليه أحد على الأقل محليّاً، وهنا يقول: «تعلمت العزف على آلة "البزق" يافعاً، وشكّلت دراستي في المعهد العالي للموسيقا منعطفاً في مسيرتي الفنية وتالياً مشاركتي مع الفرق "السورية" الأكاديمية التي أعطتني الخبرة وخفايا العزف الجماعي، ووضعتني ضمن الوسط الفني لأتعرف على العديد من الموسيقيين المؤلفين منهم والعازفين، والخطوة الأهم هي المنحة التي حصلت عليها من مؤسسة "الصندوق العربي" للثقافة والفنون التي أصدرت على إثرها ألبومي الأول الذي جاء كمنعطف كبير في حياتي الفنية وسبباً في وصولي إلى ما أنا عليه اليوم، شجعني هذا التمويل في أن أتواصل مع المؤلفين وأسجل الأعمال باحترافية، برفقة كتاب مطبوع فيه نوتات كل الأعمال المنفذة وتحليل أكاديمي عنها ونبذة عن مسيرة كل مؤلف».

مع الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية

لكلِّ زمانٍ ومكانٍ

وعن مضمون ألبومه الذي سجله بدعم من مؤسسة "الصندوق العربي" للثقافة والفنون يقول: «يتضمن الألبوم ثمانية أعمال، منها عملان من تأليفي وعمل من تأليف الراحل "إياد عثمان"، وهو عمله الوحيد كونه يعد عازفاً على آلة البزق وموزعاً موسيقياً بارعاً، ومن حسن حظي جاء هذا العمل من نصيبي، وعمل آخر من تأليف "عامر علي" وعملان للموسيقي "مالك وهب"، وعمل آخر من خارج الخارطة "السورية" وهو للأذربيجاني "سعيد رستم"، عموماً هي أعمال تندرج ضمن "ايتودات" وهو نمط موسيقي بعيد عن اللحن المستساغ للمتلقي، ولكن حاولت إدخال "الميلودي" عليها لتقترب من الأعمال اللحنية وتالياً تقدم كقطعة موسيقية ممزوجة بتقنيات جديدة صالحة أن تؤدى على المسرح في أي زمان وفي أي مكان».

وحول تاريخ آلة "البزق" في منطقتنا يقول: «آلة "البزق" موجودة في منطقتنا منذ فترة ليست بقليلة، ولكن لم تكن بشكلها الحالي، وانتشرت على يد الأمير "محمد عبد الكريم" بسبب وجوده في العاصمة "دمشق"، وعمله في الإذاعات في زمن كانت الإذاعة هي الوسيلة الوحيدة لبث الأعمال الإبداعية، إضافة إلى حفلاته على مسارح عربية وعالمية فضلاً عن عزفه البارع، وإضافة إلى "البزق" هناك آلات تعدُّ من عائلة هذه الآلة وهي "الساز" و"الطمبور" و"الباغلمة" و"الجمبش" منتشرة بشكل كبير في شمال وشمال شرق "سورية" ولكنها غائبة عن مسارحنا بشكل شبه تام بسبب اعتقاد الناس الخاطئ بأنها آلات لا تمت لثقافتنا بصلة والعكس هو الصحيح».

يشار إلى أنّ "كنان أبو عقل من مواليد "دمشق" 1995، خريج المعهد العالي للموسيقا عام 2019 عمل مع العديد من الفرق السورية منها "الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية"، و" أوركسترا المعهد العالي" و"أوركسترا وزارة التريبة"، إضافة إلى العديد من الفرق المحلية، وعمل كأستاذ لآلة البزق في عدة معاهد وطنية منها معهد "صلحي الوادي" للموسيقا، حاصل على عدد من شهادات التقدير من عدة مؤسسات ومهرجانات منها مهرجان آلة البزق ومن المعهد العالي للموسيقا للتفوق بالاختصاص، كما أقام العديد من حفلات الصولو في دار الأوبرا ومسارح أخرى، وشارك كعازف مع الكثير من الفنانين داخل وخارج "سورية"، إضافة لكونه موسيقياً فهو يحمل إجازة من كلية الإعلام - جامعة "دمشق" أيضاً.