في منطقة "العفيف" بـ"دمشق" يقع شارع "عطا الأيوبي" العريق الذي يضمُّ قصر "عثمان نوري باشا" ويشغل اليوم سفارة "فرنسا" في "دمشق"، وقصر "عطا الأيوبي" وأبنية سكنية أخرى حافظت معظمها على الطراز المعماري القديم وبني بعضها الآخر على الطراز الحديث، ويتميّز الشارع بموقعه وتاريخه حيث سكنته أرقى العائلات الدمشقية.

قصران توءمان

يبدأ الباحث الاجتماعي "محمد خير لبابيدي" حديثه لمدوّنة وطن عن شارع "عطا الأيوبي" الواقع في منطقة "العفيف" بقوله: «هو شارع قديم يحمل اسم رجل وطني كبير، يعود بتاريخه الحديث من حيث التجديد -الأبنية والإضافات- إلى فترة الاحتلال العثماني، وهذا الشارع فريد بأبنيته وبطرازه المعماري فهو يحمل الصبغة العثمانية بطراز معماري "فرنسي"، ومن أشهر أبنية هذا الشارع العريق قصر "نوري باشا" المليء بالقصص والأسرار والذي بناه الوالي "عثمان نوري باشا" في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، هذا المعلم التراثي الفريد لم يحظَ سوى القليل بفرصة زيارته لأنه يستعمل منذ عام 1946 إلى اليوم كمقر لسفارة دولة "فرنسا"، ويقال إن الرجل الوطني "عطا الأيوبي" قام ببناء قصره في ذات الشارع بشكل مشابه ومجاور لقصر "نوري باشا"، وحرص "الأيوبي" فيه على متابعة الطراز العمراني والزخارف الموجودة الخاصة فيه، لذا من يدخل قصر "عطا الأيوبي" يمكنه تخيّل قصر "نوري باشا"».

كان بناءً سكنياً استأجرته وزارة "الثقافة" وتم تحويله لمعهد "صلحي الوادي"، كما تحوّل بناء مدرسة "المعهد العربي" للبنات المجاور لقصر "عطا الأيوبي" إلى بناء سكني حديث، وكذلك تحوّل بيت عربي مقابل للقصر إلى بناء سكني

نموذجٌ للعمارة

وبحسب الباحث "لبابيدي" أراد "محمد عطا الأيوبي" أن يشيد قصراً مشابهاً لقصر "نوري باشا" ومجاوراً له لذلك استدعى المهندس السوري الإسباني الشهير "فيرناندو دي أراندا"، وكلفه بذلك حيث قام ببنائه بشكل مشابه تماماً وكان ذلك عام 1928، وأُنشئت حوله الحدائق الغناء كما أقيمت فيه بحرات المياه والنوافير، وأحيط بالمصابيح الكهربائية فجاء بأبدع الحلل بطرازه الأوروبي.

قصر "عطا الأيوبي"

ويوضح الباحث "لبابيدي" أن قصر "عطا الأيوبي" كان نموذجاً للعمارة في "دمشق" في العصر الحديث وسكنه "الأيوبي" إلى أن توفاه الله، ولا يزال قائماً حتى الآن وهو بحالة جيدة.

نادرةٌ تاريخيّةٌ

ويروي لنا الباحث "لبابيدي" نادرةً من النوادر الوطنية التي تحمل حكمةً بليغةً حدثت في شارع "عطا الأيوبي" وفي جنبات أهم معالمه التاريخية قصر "نوري باشا" العريق، قصة عظيمة بعظمة هذا الشارع وأبنيته ومن سكنوه ورحلوا جميعاً وبقي الشارع بأبنيته شامخاً راسخاً رسوخ الجبال في الأرض، ففي عام 1920 سكن قائد جيش الاحتلال "الفرنسي" "غورو" هذا القصر وحين دخله قال متهكماً أهذا هو القصر الذي سكنه فيصل؟؟!!"، قال هذه العبارة في مأدبة في قاعة القصر وهو جالسٌ يُطلّ على بساتين" دمشق" الفيحاء، يستمتع بمنظرها ويجول بنظره في القاعة التي هُم فيها، وقد حضر المأدبة وزراءُ وعددٌ كبير من وجهاء المدينة، وكأنه أراد التهكم والاستخفاف بالملك "فيصل" فأجابه "فارس بك الخوري" "نعم هذا هو القصر الذي سكنه الملك "فيصل"، وقد بناه والٍ عثماني اسمه "نوري باشا"، ثم حلَّ فيه "جمال باشا"، والآن تحلُّون فيه فخامتكم، وجميع مَن ذكرتُهم أكلنا معهم في نفس القاعة، وكلهم رحلوا، وبقي القصر وبقينا نحن..!! ".

الباحثة والكاتبة "فريال كيال"

نشأتُهُ

المختار "هاني برنبو"

حول نشأة الشارع يقول الباحث "عماد الأرمشي": «في عام 1930 توسّعت الحركة العمرانية من منطقة بوابة طريق "الصالحية" باتجاه الجبل فأتت على ما تبقى من البساط الأخضر بالاتجاهين الشرقي والغربي، فنشأت نتيجة لذلك أحياء جديدة ما زالت تتوسع وينشط فيها البناء بحركة مستمرة، كما ساعد في ذلك وجود سكة ترام "دمشق" التي أثرت بشكل كبير في عملية الانتقال من وإلى هذه الأحياء بسهولة ورخص ثمن، وأقرب الشوارع التي شقت في جادة العفيف هو شارع "هنري بونصو" نسبة للمفوض السامي الفرنسي في "سورية" الذي تولى هذا المنصب خلال الأعوام 1926 حتى 1933 للميلاد، ثم تغيّر اسمه إلى شارع "عطا الأيوبي"، وامتد هذا الشارع باتجاه الغرب، وسمي نسبة الى قصر "عطا الأيوبي"».

تسميةُ الشارع

التقينا الباحثة والكاتبة "فريال كيال" في بيتها بشارع "نوري باشا" والتي تقول: «تاريخ الحي هو تاريخ "دمشق" فشارع "عطا الأيوبي" كان صفحة تاريخية سجلت فيها مجريات الأحداث منذ بدايات القرن العشرين، واسم الشارع نسبة لـ"محمد عطا بك الأيوبي" رئيس الحكومة "السورية" سنة 1936، الذي كان رئيس "سورية" بالوكالة بعد وفاة "تاج الدين الحسني"، كما شغل مناصب وزارية كثيرة أيام الاحتلال العثماني ثم الانتداب الفرنسي، وهو معروف بالوسطية والحياد وسمّي الشارع الذي سكن به في قصره الجميل في منطقة "العفيف" باسمه».

وتؤكد الباحثة "كيال" أنّ المهندس الذي بنى قصر الأيوبي هو المهندس الإسباني "فرناندو دي أراندا" وهو الذي بنى قصر "جميل مردم بك" في "نوري باشا"، كما بنى قصر "البسام" مقابله، وأنه نزل في قصر "نوري باشا" الملك "فيصل" بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ويقال أن قصر "عطا بك الأيوبي" الذي بناه "دي أراندا" جعل تحته وبالقرب منه خزانات مياه ضخمة جداً تحت الأرض.

من أبنيته

يقع في شارع "عطا الأيوبي" بناء معهد "صلحي الوادي" للموسيقا منذ عام 1967، وحول ذلك تقول "عبير الجابي" المسؤولة عن أعمال شعبة البرامج والأنشطة في دائرة المعاهد الموسيقية: «كان بناءً سكنياً استأجرته وزارة "الثقافة" وتم تحويله لمعهد "صلحي الوادي"، كما تحوّل بناء مدرسة "المعهد العربي" للبنات المجاور لقصر "عطا الأيوبي" إلى بناء سكني حديث، وكذلك تحوّل بيت عربي مقابل للقصر إلى بناء سكني».

لقاءٌ خاص

من جهته "هاني برنبو" مختار الصالحية وتوابعها يقول: «أعمل مختاراً للحي منذ خمسة وعشرين عاماً ووالدي من قبلي عمل مختاراً لمدة سبعين عاماً، سمي الشارع نسبةً لـ"عطا بك الأيوبي" حيث يوجد قصره الواقع بالقرب من السفارة "الفرنسية"، والقصر لا يزال قائماً حتى الآن وهو غير مسكون حالياً، ومنذ القدم حافظت معظم الأبنية في الشارع على شكلها عدا قليل منها.. يضم الشارع معهد "صلحي الوادي"، روضة "هالة الطفولة"، وعلى امتداد الشارع تقع السفارتان الإيطالية والأميركية، ضم الشارع في القديم بساتين عائلة "الصباغ" وكانت فيه عيادة د."إدوار هواويني"، سكنته عدة عائلات منها "القوتلي"، عائلة د."محمد بشار كبارة" الذي شغل منصب حاكم مصرف سورية المركزي وأخوه د."جميل كبارة"».

نشير إلى أنّ شارع "عطا الأيوبي" يقع في منطقة "المهاجرين" حي "الروضة" بحسب اللافتة المكتوبة بالشارع على وجه الدقة وهو قريب جداً من شارع "نوري باشا" ويمكن بحسب الباحث الاجتماعي "محمد خير لبابيدي" اعتبارهما شارعاً واحداً.