في مجموعتهِ القصصيّة "خطأ ما" يسلّطُ الكاتبُ والصحفيُّ "سمير فليحان" الضوءَ على العديد من الجوانب والحالات الإنسانيّة من الواقع اليوميّ المعيش، وينقل بأسلوبٍ بسيطٍ ومختصرٍ حكايا وقصصَ وتجاربَ لأناسٍ مسّتهم الحربُ بشكلٍ أو بآخر، فكانت مجموعتُهُ ذات الـ100 قصة، محاكاةً ليوميات وأحداث ومواقف ممزوجة بالألم والأمل.

حلقةٌ مفقودةٌ

"سمير فليحان" حلّ ضيفاً على موقع مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 1 تشرين الثاني 2021 للحديث عن كتابه والبداية كانت عن سبب تسمية الكتاب "خطأ ما" حيث يقول: «نحن نعيش في زمن الحرب ومعظم النصوص الواردة هي انعكاس لهذا الزمن، في حياتنا نمرُّ بأحداث غالباً ما يكون فيها شيء غير مفهوم، شيء مبهم نفسره بوجود خلل أو خطأ ما، ذهبت إلى قصص أدق في الوجه الآخر للحرب، هناك قصص إنسانية صغيرة بحجمها ولكن كبيرة بفعلها حاولت التقاط هذه المواقف، هناك أشخاص أثّرت بهم الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر وأصابتهم وهم أبرياء فهناك خطأ ما، هناك حلقة مفقودة في هذه الحياة ترجمت بـ"خطأ ما"».

"خطأ ما" قد تعيد الأمور إلى نصابها، مرآة لأحزاننا ولأفراحنا ولذكرياتنا .. لأحلامنا ولضعفنا وقوتنا.. مرآة لنا نحن المنسيين على رصيف الواقع المر، "خطأ ما" مولود جديد يرى النور ويفتح عينيه بقوة، ليرفع غطاء اللعنة عن الضوء المنسرب في آخر النفق

وعن القصة القصيرة كجنس أدبي يقول: «القصص القصيرة جداً كجنس أدبي ليست رواية أو قصة مختزلة، هي كيان قائم بحد ذاته يحمل المواصفات الأدبية للرواية بشكل كامل رغم قصرها، هي مجموعة من الجمل تعتمد على الاختزال والتكثيف والاختصار والدهشة، دائماً يُفترض بعنصر الدهشة أن يكون حاضراً في نهاية القصة، فنهاية القصة القصيرة ينبغي أن تكون مدهشةً ومستديرةً مع العنوان، ويفترض بالعنوان ألا يكون واشياً بفحوى القصة ولكن عند قراءة نهاية النص سيتضح العنوان، وما يعيب بعض من يحاولون كتابة القصة القصيرة هو استسهال الأمر، فنحن ما زلنا نلتمس طريقنا في هذا المضمار».

القاص "سمير فليحان"

مرآةٌ للحياة

غلاف الكتاب

الدكتور "كريم عبيد" دكتوراه في الآداب اختصاص نقد أدبي ومعاصر ومقارن، ومحرر ومدقق لغوي في عدد من دور النشر تحدث عن مجموعة "خطأ ما" بالقول: «كيف لك أن تمسك الماء، وتشعل حلماً لتضيء عتمة روح موحشة، كيف لك أن ترتب بضع مفردات عابثة، لتخلق منها روحاً ولتصبح جسداً حقيقياً، قصة قصيرة جداً، مسافرة تقف على مفترق طرق تبحث عن هويتها، تحاول أن تكسر كل المرايا الخادعة، وتلتقط روح اللحظة المواربة لتهزك من عمق روحك، تمشي على قدمين: الدهشة والمفارقة، لتصل إلى غايتها في التأثير، فلا يمكن أن تكون طبيعية وعادية تمر في أرواحنا مرور العابرين على طريق غريب، وإلا سقطت أو تلاشت دون أن يراها أحد.. لذلك تراها عابثة مشاكسة قاطعة لطرق الحياة تنصب شراكها اللغوية لتوقعك في أنوثتها السريعة».

ويضيف: «"خطأ ما" قد تعيد الأمور إلى نصابها، مرآة لأحزاننا ولأفراحنا ولذكرياتنا .. لأحلامنا ولضعفنا وقوتنا.. مرآة لنا نحن المنسيين على رصيف الواقع المر، "خطأ ما" مولود جديد يرى النور ويفتح عينيه بقوة، ليرفع غطاء اللعنة عن الضوء المنسرب في آخر النفق».

صُوَر

الأديب "عادل نايف البعيني" تحدث في قراءة نقدية عن المجموعة بقوله: «الباحث والقارئ في كنه هذه المجموعة وما حوته سيجد غالبية ما جاء من تقنيات وشروط القصة القصيرة جداً قد تحقق، أضف إلى ذلك الابتكارات والصور والبلاغة وقصص الدهشة والإمتاع، فلو تصفحنا ما ورد من قصص قصيرة جداً نجد الدقة في اللغة المقتضبة، والتكثيف المميز، والاختزال الدقيق، كل ذلك بلغة راقية ومميزة وموحية، تقوم على الإيحاء الرمزي وغير الرمزي، بالإضافة لتحقيقه المكونات الأساسية للقصة القصيرة جداً كالمفارقة في قصته "مناجاة" حيث يقول: "شدّتني الصورة المنتصبة بين أكاليل الورد، شدّني هذا البريق في عيني صاحبها، حادثته بجمل قصيرة، قال :" لا تحزن يا صديقي ، فقط فكّر كيف يتوقف سيل الصور".

قصة عميقة الدلالة، مؤثرة ومؤلمة، يختمها الكاتب بخاتمة مدهشة، فكيف يتوقف سيل الصور؟ ويتوقف نزيف دم الشهداء.

اختزالٌ وتكثيفٌ

وإذا جئنا للاختزال والتكثيف -يقول" البعيني"- سنرى الكاتب يبدع إذا اختزل، ويجيد إذا كثّف، مبقياً بكلمات قليلة على الجوهر والهدف، ففي قصة "مشهد" يختصر بعشر كلمات معدودات ما يجري في الوطن من دمار وموت وتخريب حيث يقول: "رغم كل الدمار لا مكان للبناء، استحوذت القبور على كل الأمكنة"، فالكاتب كما نرى حمل الهم الاجتماعي والوطني والسياسي، وحاول ما استطاع تسليط الضوء على ما يجري في الوطن، آملاً أن يخرج الناس من معمعة القتل والدمار، إلى البناء والتعمير.

ويشير "البعيني" إلى قصة "شواء" التي يعطي فيها" فليحان" صورة عن مدى ما أصاب المجتمع من خلل اقتصادي وفقر حتى بات مرافقاً للناس في حياتهم حيث يقول: "بفرحٍ تابع نهم أولاده في التهام وجبة الشواء الأولى في حياتهم.. أعطته ابنته قطعةً.. لم تكن بحاجة إلى الملح؛ فقد تكفّلت دمعتان بالأمر".

وتستمر المجموعة -حسب قول" البعيني"- على هذا الزخم من القوة والغنى، حيث يتألق الكاتب في تصوير مشاهد صادمة ومؤلمة بكلمات قليلة، وعرض موجز، فتلك أسرة وصل بها يأس الحياة لدرجة إنهاء حياتها بصورة جماعية، خوفاً من الأسر والجوع والتعذيب، فتتخذ قرارها بالانتحار الجماعي وهي قصة واقعية الحدث فيختزلها الكاتب بقصته "قرار":

"قلت لك لا أحب هذا المزاح..

أرجوك دعها من يدك بعيدا عنا

في ليلة غائمة الثواني

أحضرها وجمع أسرته

أخرج صمام الأمان..

هزت رأسها بالموافقة".

وفي قصة أخرى قصيرة جداً وببضع كلمات، يختصر الكاتب الموت المشفوع بقول المجرمين "الله أكبر" حيث يشير لأساليبهم بقتل الناس تكفيراً لهم يقول تحت عنوان "حظ": "كم كنت محظوظاً، عندما غادرت ذلك المكان، قبل ساعات من حضور من كفّروني".