ظهورُ فريق مهرجين ومهرجات في شوارع وساحات مدينة "السويداء" كان إعلاناً واضحاً عن إطلاق فرقة "حنين" المسرحية لمشروع "هرجنا" وفريق التهريج الأول في محافظة "السويداء"، ممن اختاروا البساطة والضحكات العفوية والموسيقا، وتزيّنت وجوههم بأنوف حمراء دائرية جذبت عيون المارّة لتعلن ولادة مشروع فني جديد.

كيف ومتى ولماذا.. أسئلة يجيبنا عليها المخرج المسرحي "فراس حاتم" مدير فرقة "حنين" ومؤسسها مع زوجته الفنانة "حنين البعيني" وعضو في فريق التهريج "clown me in"، "فراس" الذي درّب مجموعة من الشباب والشابات ممن مالت قلوبهم إلى التهريج لخفة الحركة وشفافية الفكرة والأهم لاقتراب هذا الفن من قلوب الناس سواء على المسرح أو في شوارع المدينة حيث التماس المباشر.

حاولنا نقل رسالة أننا حاضرون بكل لحظة للعب والتفاعل والضحك ولتوسيع مساحة الفرح

أدوات

امتلك "فراس" أدوات ومهارات في هذا المجال، واستشعر مثله مثل باقي أعضاء الفريق أن ثمة ضرورة كبيرة للكوميديا في هذه المرحلة، بما أن العروض الكوميدية هي مجال للترويح عن النفس عبر تقديم رؤى فنية راقية من باب التهريج كفن عالمي، ومن الجميل أن يرفع عنه الستار في سورية وفق شروط البساطة والشفافية وعدم التكلف، وأن يكون قريباً من الناس كمشروع ينتمي للشارع ويلامس كل الفئات.

فريق هرجنا في بهو مجلس المدينة

يقول "فراس": «بعد عودتي من "لبنان" كانت خطة العمل بالنسبة لي جاهزة، تشكيل فريق من المهرجين والمهرجات، لنطرق باب كوميديا من نوع آخر، كوميديا الحركة والموقف الصامت، التي عقدنا العزم على تقديمها للناس مع الاستعداد لما يمكن أن نلاقيه من ردود أفعال كأول فرقة، ليس في "السويداء" بل في "سورية" أيضاً وهي تتألف من مهرجين ومهرجات بالكامل.

يعتمد "فراس" على تجربته الخاصة أولاً حيث بدأ مع فريق التهريج "كلاون مي ان clown me in" في "لبنان" منذ العام 2017، الذي أسسته وتديره مدربة التهريج "سابين شقير" التي كان لها الأثر الأكبر في تأهيله -على حد تعبيره- خلال السنوات الفائتة ليصبح جاهزاً لخوض هذه التجربة اليوم.

خاض "فراس" مع الفرقة تجربة عروض شملت معظم المناطق "اللبنانية"، عايش فيها عن قرب حاجة الجمهور للضحك والمزاح والموقف الكوميدي.

فريقٌ وتدريبات

وبتابع "فراس" حديثه بالقول: «عروض جوالة إلى جانب التدريبات التي خضعت لها اكتملت مع دراستي في "المعهد العالمي للدراسات الرصينة والرزينة" المؤسس من قبل فرقة "clown me in"، كطالب في الدفعة الأولى بين العامين 2019 و2020، عقدت فيها العزم على العودة وتأسيس فرقة "تهريج" بعد أن أنجزت المرحلة الأكاديمية، باشرت بتشكيل الفرقة ولم تكن الخبرة المسرحية شرطاً للانضمام بل كان الشغف بالتجربة، لأن فن التهريج فن قائم بحد ذاته ولا يتطلب أي معرفة مسرحية، على العكس، أحياناً قد يقع الشخص القادم من مرجعية مسرحية بمطبات، لأن التهريج يحتاج بساطة وتلقائية مختلفة بآلية التعاطي عن حالة المسرح».

الفريق مؤلف من اثني عشر شاباً وشابة من خبرات متنوعة علمياً وفنياً وتخصصات مختلفة، خضعوا لتدريب تخصصي واتبعوا بداية العام الحالي ورشة تدريبية في فن التهريج امتدت على مدار ثلاثة أشهر كان فيها "فراس" مدرباً بإشراف ومتابعة من قبل "سابين شقير" في لبنان عند الحاجة، وكانت انطلاقة العروض في شهر آذار الفائت من خلال ثلاثة عروض تجريبية حضرها الأصدقاء والأهالي، وكانت موفقة تلاقوا فيها مع أشخاص ليست لديهم تجربة خاصة مع هذا النوع من العروض التفاعلية.

يقول "فراس": «حاولنا نقل رسالة أننا حاضرون بكل لحظة للعب والتفاعل والضحك ولتوسيع مساحة الفرح».

صعوباتٌ

الفريق انقطع فترة بسيطة وتدرب على الوصول لصيغته الجديدة، وحسب قول "فراس": اعتمدنا في العرض الأول الذي أقيم في قصر الثقافة على الموسيقا الخارجية عوضاً عن (اللايف)، وكانت تجربة رائعة -بحضور أربعمئة وخمسين شخصاً- ومهمة للفريق، خرجنا بعدها باتجاه السوق والمراكز العامة والخاصة مثل دار الرعاية ومركز الصم والبكم ومركز "بلان لدعم المرأة والطفل" بقرية "الرحا".

ويضيف: «طبعاً واجهنا بعض الرفض والاستهجان فهناك من يسأل هل هذا وقت الفرح؟ وقد نجد من يعترض ونعرف أن الاعتراض ناتج عن عدم خوض التجربة، ولكن رسالتنا هي التعبير عن الفرح واعتماد طاقة إيجابية للتغلب على مصاعب الحياة، ورغم أننا نفتقد للمتطلبات الأساسية لكننا سنعمل بما بين أيدينا اليوم وبالتنسيق مع جمعيات وجهات تهتم بالمشروع كجمعية "تنمية المجتمع المحلي"، وفريق "يوتوبيا" وأصدقاء داعمين مثل الصديق "نورس الملحم" الذي قدم صالته لخدمة الفرقة وجهات أخرى داعمة، وما نحتاج إليه ببساطة هو مكان مناسب للتدريب وتغطية تقنية ومتابعة الانتشار، لكن الاستمرار يتطلب تفرغاً للتدريب وتطويراً مستمراً لمهارات الفريق وهذا يحتاج لدعم مادي في ظل ظروف الحياة اليومية التي نمرُّ بها».

يستحقُ المتابعةَ

"رفعت الهادي" مخرج مسرحي قيّم العروض بأنها تجربةٌ رائعةٌ، فالفكرةُ والأسلوبُ جديدان وفعالان من خلال مقولات فكرية عالية ويضيف: «أتوقع النجاح لهذه الفرقة فقد تابعتُ ما قُدِّم من عروض، وهي تستحق المتابعة والفرقة تستحق الدعم».

فيما وجدت "وصال كيوان" أن دورها كمهرجة جعلها تشعر بالثقة بفضل تجربتها التي أدخلت البهجة إلى نفوس من يتابعها وتضيف: «لا أنكر أنني دخلت بصراع ذاتي هل أكمل أم أتوقف، لكن عندما أديت دور "سمون" كمهرجة شعرت بالبهجة من خلال محاولة إيصال المحبة والضحك والبساطة لأرواح مرهقة ابتسمت معنا ولنا وأعطتنا حافزاً للاستمرار».

أما "شروق خداج" من أعضاء الفرقة فتحدثت عن تجربة تعدُّها مميزة وفيها كثير من التجديد، وأنّ هناك من أحب العرض وهناك من استهجنه لكنها -كما تقول- وجدت نفسها سعيدة بالجهد الذي قدمتْه لتخرج ما بداخلها وتجد الفرح على وجوه متابعيها.

تعاونٌ ومشاركة

نشير ختاماً إلى أنّ الفرقة لاقت دعماً جيداً للانتشار من قبل جمعية "تنمية المجتمع المحلي" المعنية بالقضايا الثقافية والاجتماعية والصحية والفنية، وهو دعم تحدث عنه "فادي حديفة" عضو مجلس إدارة الجمعية الذي أشار إلى أن باقة من العروض تمت في الساحات العامة والشوارع بالتعاون مع معهد الصم والبكم، ودار الرعاية ومراكز خاصة بتنسيق ودعم الجمعية لتقديم تجربة جديدة، والتعريف بإنتاج هذه الفرقة الوحيدة، كنمط جديد من الحوار الفني الإنساني اللطيف الذي يعتمد على جمهور الصدفة، فالفرقة قطعت الشارع ولفتت الانتباه بالعزف والرقص والدعوة للحضور وجذب المارين للمتابعة، تجربة تكررت في عدة مواقع، و"كجمعية سنستمر بالتعاون مع الفرقة وخلق منصات للعرض".