في كلّ رحلةٍ جديدةٍ لها لموقع قرية "سيع" في "السويداء"، لا تزال البعثات الأثرية تكتشف آثاراً جديدة ومعابد وسكوكاً نقدية تعود للعصور الكلاسيكية الرومانية، أوابد نُقش على صخورها إرث حضارات عريقة وتاريخ من مروا عليها في الأزمنة الغابرة، وثقافات متنوّعة ومتعددة لا تزال شاهدة على عراقتها وجذورها الضاربة في القدم.

الموقعُ والأهميّةُ

تقع سيع على الجانب الشرقي الجنوبي من قرية "قنوات" وتبعد عنها حوالي 3 كم، وكل منهما لا تقلُّ أهميةً عن الأخرى بمعابدها الدينية، أو بحملها بعضاً من صفات معابد المنطقة الجنوبية ولا سيّما "البتراء"، وصفات من المعابد الكلاسيكية المنتظمة من العصر الروماني، هذا ما أشار إليه الباحث الأثري الأستاذ الدكتور "خالد كيوان" مدير فرع جامعة "دمشق" في "السويداء" لموقع "مدوّنة وطن" eSyria بتاريخ 10 تشرين الثاني 2021 ويتابع بالقول: «لقد زار الموقع في القرن التاسع عشر الباحث "دو فوغيه" ووصفه ووضع له مخططاً، وفي أوائل القرن الماضي حوالي العام 1909 جاء "بتلر" من جامعة "برنستون" وعمل مخططات للموقع، حيث نقلت واجهة معبد "بعل شمين" إلى متحف "برلين" من قبل جامعة "برنستون"، ثم قامت فيما بعد بعثة فرنسية بالعمل في الموقع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي برئاسة "جان ماري دنتزر" وعضوية "فرانسوا فيلنوف، وكريستيان أوجيه، وتوماس فيبر" ومجموعة من الباحثين، ووضعت مخططاً للموقع بالاستناد لمخططات "بتلر ودو فوغيه" وكشفت عن المعابد الأربعة و"الثياترون"، كما عملت أسباراً وصلت بتاريخها من خلال الكسر الفخارية إلى القرن السابع ق.م. انقطعت فترة من العمل ثم جاءت في حوالي العام 2006 البعثة الوطنية من دائرة آثار "السويداء"، وعملت على ترحيل جزء كبير من الأتربة والردميات وكشفت عن جزء من الموقع أمام معبد "بعل شمين" والبوابة الرئيسية للمدخل وإظهار معالمها المعمارية، وقد صدر عن البعثة الفرنسية عدّة منشورات».

يتسم موقع "سيع" بأنَّه مجمع ديني ضخم ومكان للحج لعدة قبائل وشعوب، ومن صفات معابده وجود العناصر المعمارية الكلاسيكية فيها من ناحية وجود سور المعابد الخارجية، "والتيمينوس" وهو الفضاء المقدّس، ووجود المشاكي أي المحاريب التي تنحت بها تماثيل الآلهة، وعادةً ما تتموضع في صدر المبنى وهي عادة شرقية، وموقع الهيكل ومدخله ومدخل المعبد على محور مستقيم، والزخارف التي تزيّن الواجهات من زخارف نباتية كأوراق الكرمة وعناقيدها وحيوانية كالنسور والأسود، وهندسية، إضافةً لنقش الشمس، ووجود الأبراج على جانبي المعبد كمعبد "بعل شمين" سيد السموات والأرض وكبير آلهة الجنوب السورية، كما احتوى المجمع الديني على "الثياترون" وهي قاعة محاطة بالمقاعد من ثلاث جهات تسمح للمصلين بالاجتماع وبرؤية طقوس الذبح والحرق فوق المذبح، كما تحتوي على بئر مياه للاغتسال بعد الصلاة

معابد "سيع"

يتابع الدكتور "كيوان" وصفه للمعابد التي يضمها الموقع ويضيف: «يتسم موقع "سيع" بأنَّه مجمع ديني ضخم ومكان للحج لعدة قبائل وشعوب، ومن صفات معابده وجود العناصر المعمارية الكلاسيكية فيها من ناحية وجود سور المعابد الخارجية، "والتيمينوس" وهو الفضاء المقدّس، ووجود المشاكي أي المحاريب التي تنحت بها تماثيل الآلهة، وعادةً ما تتموضع في صدر المبنى وهي عادة شرقية، وموقع الهيكل ومدخله ومدخل المعبد على محور مستقيم، والزخارف التي تزيّن الواجهات من زخارف نباتية كأوراق الكرمة وعناقيدها وحيوانية كالنسور والأسود، وهندسية، إضافةً لنقش الشمس، ووجود الأبراج على جانبي المعبد كمعبد "بعل شمين" سيد السموات والأرض وكبير آلهة الجنوب السورية، كما احتوى المجمع الديني على "الثياترون" وهي قاعة محاطة بالمقاعد من ثلاث جهات تسمح للمصلين بالاجتماع وبرؤية طقوس الذبح والحرق فوق المذبح، كما تحتوي على بئر مياه للاغتسال بعد الصلاة».

الأستاذ الدكتور خالد كيوان

"بعل شمين"

الباحث الأثري إباء هنيدي

ويحتوي المجمع الديني في "سيع" حسب ما يوضح "كيوان" بدءاً من الغرب على المباني، وأهمها معبد "بعل شمين" فقد بُني في القرن الأول ق.م في حوالي السنة 32ق.م حتى السنة الأولى للميلاد بموجب نقش مكتوب باليونانية والنبطية يذكر الإله "بعل شمين"، وزينت واجهته بتماثيل النسور ومنحوتات الشمس التي تشير إليه، يصعد إلى المبنى من "الثياترون"، ثم تأتي البوابة، ثم تصادفنا درجات نصعد من خلالها لنشاهد عمودين في الواجهة، وكما تخيل الفرنسيون وجود برجين على جانبي المعبد، تمّ كشف البرج الجنوبي وأرضيته المبلطة مع بعض الجدران، أما الهيكل فهو عبارة عن غرفة مربعة تحتوي أربعة أعمدة ترفع السقف، وهناك "المعبد الصغير" الذي يقع في وسط المجمع إلى جانب الجدار الجنوبي له، جنوبي "التياثرون"، ويقال إنه مخصص للإله "ذو الشرى" النبطي أو ما يعادله "ديونيسيوس" إله الخمر اليوناني أو "باخوس الروماني"، وتمّ التأكد من هذا الأمر من خلال وجود تمثال له على مدخله، ووجود زخارف مؤلفة من عناقيد العنب والأوراق.

وفي الزاوية الشرقية الجنوبية يقع -مرتفعاً عن الباقي- "المعبد الجنوبي" وهو صغير الحجم بالمقارنة بباقي المعابد في المجمع، وقد عرف أنه مكرّس لعبادة الربة "اللات" قرينة "ذو الشرى"، وكذلك "المعبد الشرقي" المعروف بالمعبد الكبير، وهو معبد مستطيل الشكل يقع بالقرب من البوابة الرومانية التي تحوي على جانبيها غرفتين، وقد عثر على العديد من تماثيل أسود "اللات" ما دفع للاعتقاد بأنه مخصص للربة "اللات"، كما احتوى الموقع على ثلاث بوابات "البوابة الرومانية" من الشرق ثم "البوابة النبطية" ثم بوابة أخرى تصل إلى "التياثرون"».

النقود الأثرية

لقىً أثرية

من جهته يشير الباحث الأثري "إباء هنيدي" بالقول: «أكدت الدراسات من خلال نقش القافلة بالنبطية واليونانية أن المكان كان مخصصاً كمحج للقبائل الصفائية، وأن هذا الموقع بحسب دراسات الفرنسيين يحتوي على أربعة معابد أقدمها من الغرب معبد "بعل شمين" ثم باتجاه الشرق معبد "ذو الشرى" ثم قرينته "اللات" ثم معبد "سيا أو شعع أو شعيعو" وهي ربة القبائل العربية القديمة، وتعني شعاع الشمس والتي أعطت اسمها للموقع، ومن خلال الأبحاث التي جرت على الموقع من قبل الفرنسيين وبحسب "جان ماري دنتزر" تبيّن أنّه يؤرّخ بين القرن الثاني ق.م والفترة الأموية، مع ظهور مؤشرات كالكسر الفخارية التي عثر عليها الفرنسيون من خلال أسبارهم وتعود للقرنين السابع والسادس قبل الميلاد.

أما اللقى الأثرية فقد عثر من خلال التنقيبات الأثرية في موقع "سيع" على تمثال للإله "هربوكراتوس" إله الأطفال وهو من التراث "المصري" البطلمي مصنوع من البرونز ويعود للعصر الروماني، كما عثر على مجموعة من النقود من خلال أعمال التنقيب الأثري تؤرخ إلى عدة قرون وعهود بدءاً من النقود النبطية والرومانية الفضية والبرونزية ونقود القرن الرابع الميلادي في فترة التحول إلى العصر المسيحي وهي مطابقة بتاريخها لنتائج التنقيبات الأثرية المقارنة للعمارة والنقوش الكتابية التي عثر على الكثير منها منقوشةً على المذابح وتذكر الإله "هيليوس أو جوبيتر أو اللات وفينوس"».