تحفظ ذاكرة الثمانيني "حسين المحمود" كثيراً من قصص وذكريات الأعراس في منطقة "الجزيرة السورية" التي شارك فيها أيام شبابه، تراه مستمتعاً بالحديث عنها ويرويها بحنين إلى الماضي، يذكر كيف كان وشباب قريته يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى العرس المنشود والمشاركة فيه، بلباسهم الشعبي الذي كان سائداً حينها.

خطّةٌ وترتيبات

يقول "المحمود" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria": «كنا نجهز أنفسنا للعرس قبل أسبوعين تقريباً، نذهب للأسواق لشراء الملابس الجديدة، ونقضي يوماً عند الحلاق، وبيننا كشباب كان يجري تنسيق وترتيب الخطة الخاصة بالعرس، ومن ضمنها البروفات المتعلقة بالرقصات والدبكات.. لم تكن الأعراس في ذلك الوقت كثيرة، ربما كانت تتم دعوتنا لعرس صديق أو قريب مرة في الشهر، نقطع مشوار مسير لساعات، ويكون المشوار قبل العرس بيوم، والليلة التي تسبق العرس كانت من أجمل الليالي فيها يجتمع الأهل والأصدقاء ينظمون ويرتبون ويضعون البرنامج، مع الرقص والغناء على أصوات النسوة أو الشباب، يكون العريس بطل المشهد، بالرقص حوله ورفعه فوق الأعناق، وعلى وقع الزغاريد والأهازيج حوله، مع توافد العازفين والضيوف، ويستمر الفرح لأيام وليال».

تلك الأعراس يعود زمنها إلى الستينيات والسبعينات، كل أغانيها وآلاتها الموسيقية كانت تراثية وفلكلورية

أعراس الماضي في "الجزيرة السورية" كانت متميزة ومختلفة عن الأعراس الحالية، لم يبقَ منها إلا ما تحفظه ذاكرة كبار السن، إلى جانب ما تمّ توثيقه وتدوينه من أهل التخصص والمهتمين بالتراث والفن.

حفلات اليوم

بالتفاصيل

المزمار من الآلات الموسيقية لأعراس الماضي

الباحث في التراث "صالح حيدو" يقدم تفاصيل عدّة، وثّقها عن أعراس الماضي، تتعلق بالآلات الموسيقية واللباس وحلقات الرقص: «كل التفاصيل تختلف عن أعراس اليوم، بدءاً من دعوة الناس لحضور تلك الأعراس، وصولاً إلى أزياء الرجال والنساء فيها، إضافة إلى الآلات الموسيقية المستخدمة وطرق تصرف العازفين مع المشاركين في الدبكات حتى ينالوا مكافآتهم المادية، ففي القديم كانت هناك ثلاث آلات موسيقية هي "المزمار والطبل والطنبور"، و"المطبق"، هو مزمار بقصبتين، طبعاً المزمار والطبل لأعراس الأغنياء والوجهاء، والطنبور أيضاً لأعراس المقام العالي والقرويين العاديين، أمّا المطبق فكانت تستخدم هذه الآلة الموسيقية في حفلات الطهور، والمعروف عند الطهور تقام الحفلات والأغاني والرقصات».

في أعراس الأغنياء، كان عازفو المزمار والطبل في الصباح الباكر يصعدون تلة، وإذا لم تتوفر التلة، يقفون على أطراف القرية، يباشرون العزف مطولاً حتّى يصل الصوت لجميع القرى المجاورة، حسب ما أضافه "حيدو": «فالعزف عند الصباح على التلة أو على أطراف القرية، يعد بمنزلة دعوة رسمية لحضور العرس، حتى يعلم الأهالي بأنه عرس لكبير القرية أو شخص مهم، والمدعو يبحث عن حضور أكبر عدد من الأهالي، ومهم أيضاً للعازفين للحصول على "الشاباش" وهو دفع مبلغ مالي للعازف من قبل الحضور، كان العرس يستمر سبعة أيام، مع تقديم الطعام والشراب لكلّ المدعويين».

تراثية

عندما يباشر العازفون عزفهم، يتوافد الشباب والرجال أولاً لتشكيل حلقات الدبكة والرقص، ثم تأتي الفتيات لاحقاً ومن الخلف للانضمام إلى حلقة الدبكة دون أن ترفعن رؤوسهن خجلاً، لكن بالمقابل من الواجب أن تشاركن في الرقص.

يقول "حيدو": «الغالبية ترتدي اللباس الفلكلوري الشعبي، الشباب والفتيات والرجال والنساء، حتّى الأطفال، مشهد الأهالي وهم يرتدون تلك الملابس يبدو وكأنه يتناغم مع الطبيعة، كانت حلقات الرقص تقام على مدار الساعة، وهناك دورٌ مهم وكبير للعازف، وهو يبحث عن أكبر قدر من "الشاباش" ويقوم بمبادرات في سبيل ذلك، كأن يجد شاباً ترقص إلى جانبيه فتاتان، يذهب باتجاهه ويعزف عنده، هنا كان لا بدّ للشاب أن يدفع له مبلغاً من المال، وعنما يذهب العازف أمام شخص ويعزف أمامه ولا يقدم له المال خلال لحظات هذا يعني أنه لا يملك في جيبه مالاً، هنا يتطوّع شخص من ضمن الرقصة، ليمنحه المال».

يختم الباحث "صالح حيدو" كلامه قائلاً: «تلك الأعراس يعود زمنها إلى الستينيات والسبعينات، كل أغانيها وآلاتها الموسيقية كانت تراثية وفلكلورية».

أجريت اللقاءات مع مدوّنة وطن بتاريخ 13 تشرين الثاني 2021.