عملُ الترجمة المحلّفة أمرٌ مهمٌ بالنسبة للكثيرين ممن دخلوا مضمار هذا العمل وعن سابق إرادة وتصميم، وذلك لما تحمله طبيعة هذا التخصص من سمات كتقوية اللغة والكسب المادي وغير ذلك، ولا غرابة في أن تنعكس هذه الخصوصية للترجمان المحلّف وأهميته، من خلال إنشاء سوق لهذه المهنة يعدُّ الوحيد في "سورية"، حيث بات من أهم وأنشط الأسواق الحالية الغنية بالمعارف واللغات المتعددة.

تأهبٌ دائمٌ

تعدُّ الترجمة المحلّفة من أصعب المهن في الوقت الراهن وهي أساسية وليست ثانوية، حسب ما يوضح المترجم المحلف "كميت يوسف" في حديثه لمدوّنة وطن يقول: "كنت مترجماً صحفياً في وكالة "سانا" ومذيعَ لغة تركية في الإذاعة والتلفزيون، ثم انتقلت إلى العمل في مجال الترجمة، وذلك من أجل تطوير قدراتي اللغوية وزيادة الدخل المادي.. في السابق لم أكن أعلم شيئاً عن ماهية الترجمة المحلفة بمعناها المهني اليومي، إذ عملت قبلها في مجال الترجمة الشفوية وترجمة الكتب، والمترجم المحلف يجب أن يكون نشيطاً لغوياً ومدركاً للغة التي درسها بشكل جيد جداً، أكثر من مترجمي الأدب ممن يتبعون لوناً واحداً في الترجمة، ويجب أن يكون متأهباً على مدار الساعة لترجمة كل ما يطلب منه، على اختلاف أنواع النصوص وطبيعتها سواء كانت ذات محتوى طبي، قانوني، أو غيره".

رهنُ الظروف

ويضيف" كميت": "قبل ظهور التعديلات على قانون الترجمة، كان العمل يتطلب فقط إتقان اللغة، وكان معظم المترجمين سابقاً يحملون شهادات غير سورية باللغات المطلوبة في حين كان القلائل يحملون شهادة جامعية محلية باللغة نفسها، وللعلم هناك من يعترض على هذا البند من القانون بحجة أن خريجي الجامعات الأجنبية أو خريجي جامعات اللغة الأم يجيدون اللغة ببراعة أكثر من خريج هذه اللغة في البلد.. بدأت العمل كضيف في مكتب للترجمان المحلف بإرشاد وبدلالة مدير المكتب، وللحصول على ختم يجب الحصول على استضافة مكتب مرخص، كما برزت بالمقابل مشكلة عند الناجحين في الامتحان الخاص لقبول المترجمين، فالاستضافة من قبل المكاتب ستتطلب دفع مبالغ من قبل المتدربين، بحجة دفع الضرائب، ومع توالي الأزمات جراء الحرب على سورية، كأزمة السكن وغلاء العقارات وضعف الرواتب تدريجياً مقارنة بحالة زيادة الأسعار، كان لا بدّ من منح الختم للخريجين، ولا سيما أن الوزارة خولتهم العمل في هذا المجال ونجحوا بالامتحان وأدوا اليمين ولكنهم لم يحصلوا على الختم".

ختم الترجمان

"طلعة رامي"

جانب من محال المترجمين

نشأ سوق الترجمان المحلّف بشكل تلقائي أو ربما باجتهاد البعض، أو كما يعتقد أصحاب المحال بدافع التنافسية والتعاون المهني والرفع من مستوى العمل بين المترجمين من دون تدخل حكومي في إنشاء هذا السوق، ويقع سوق الترجمة في "طلعة رامي" بمنطقة "المرجة" اسمه سوق الترجمة، ولعل السبب الرئيسي في فتح السوق بهذا المكان -كما يشير "كميت"- هو قربه من القصر العدلي، ومبنى الهجرة والجوازات ومحكمة الريف، فيما كان سابقاً أغلبه سوقاً للشرقيات، وللعلم فأول من فتح مكتباً في السوق الترجمة هو "مصطفى الحلبي" عام 1941 وكان المترجم الأول فيه، وكان "أنطون عرنوق" مترجماً للغة الإنكليزية والفرنسية، وما زال حتى اليوم محل "الحلبي" موجوداً، ليتوالى بعده افتتاح باقي المحال في السوق.

مشكلةُ الزبائن

ويتابع "كميت" حديثه بالقول: "بحكم العمل المتواصل اكتسبت خبرة في هذا المجال كما استعنت بالإنترنت للاطلاع على بعض الأمور خلال فترة العمل، والمشكلة التي نواجهها تدني الأسعار، فغالبية الزبائن لا يقدّرون الجهد المبذول في موضوع الترجمة، فالورقة المترجمة لها صفة قانونية وذات قيمة تحوي ختماً يصدّق عليه الكاتب بالعدل، ووزارة الخارجية تصدّق على تصديق الكاتب بالعدل، لإثبات دقة ترجمة هذه الوثيقة، كأوراق الميراث مثلاً أو أوراق الاتفاقيات بين الشركات أو الأشخاص، إضافة إلى التكاليف التي يتحملها المترجم والتي تزداد يوماً بعد يوم، ابتداءً من أسعار الورق والحبر والقرطاسية، عدا عن ضعف شبكة الإنترنت، و انتهاءً بعدم توفر الكهرباء بشكل متواصل والعمل على تأمين بدائل عند انقطاعها، مما قلل الإقبال الحالي على المهنة".

رونقٌ وحضور

وعن سوق الترجمة يوضح "كميت" أن فكرة وجود شارع للترجمة هي فكرة قديمة، وإيجابية المكان أنه يشكل مقصداً لكل زبون وهو الوحيد في سورية كسوق للمترجمين، علماً أن الأسعار والأوقات متفق عليها سابقاً بين الزبون والمترجم، والاستشارات القانونية وغيرها تكون مجانية للزبائن وهي إحدى ميزات هذا السوق، فضلاً عن أجواء التعاون بين المترجمين الذين يطالبون باحتضان سوقهم تحت مظلة اتحاد أو نقابة ترعى هذا التجمع وتضمن حقوقهم وتضبط عمل الترجمان المحلف وتحمي المترجمين.

ويشير إلى أن الترجمان المحلف عمل له رونق وحضور خاص، وفي الوقت نفسه هو من أصعب المهن من حيث الدقة والسرعة والمنافسة مع المكاتب، ورغم كل التحديات يبقى السوق الوحيد والفريد من نوعه، أما بالنسبة للغات فبعضها أصبح عليه ضغط كبير والبعض الآخر أصبح عمله نادراً، كاللغة الفرنسية، بسبب عدم وجود مهاجرين إليها بينما اللغات الألمانية والتركية والإنجليزية ما زال عمل الترجمان فيها مستمراً.

شغفٌ وتحقيقٌ للذات

وعن مشواره في مجال الترجمة المحلفة ودخول هذا المضمار يقول المترجم "باسل شيخ محمد": "تحوّل الشغف إلى دراسة ثم مهنة، وسبب اختياري لها مركب، فهي ميول ذاتية، وهي أيضاً مصدر دخل معقول ومهنة تتسم بالرقي، فضلاً عن تمسكي بها بعد تراكم الخبرات لدي، حيث أن تلك الخبرات ذات فائدة على الصعيد الشخصي وليس المهني، و إيجابياتها تتعدى كونها مصدر دخل فتفاعل المترجم مع النص له متعة خاصة، حيث يشعر المترجم بتحقيق ذاته فيها، أما سلبياتها فلعلها لا تتجاوز عدم تساوي الأجر مع الجهد المبذول، فهي فضلاً عن التعب الناجم عن التركيز المستمر تتطلب الاطلاع والتواصل الدائمين مع اللغة ومتمماتها من معارف ومعلومات.