لا يمكنك أن تأتي على ذكر الحركة المسرحيّة في "دير الزور" دون أن تمرّ على أحد أعمدتها الكبار، وهو الممثل والمخرج المسرحي "أحمد الحسين"، ورغم أنّ ظروف أهله المادية لم تساعده على إكمال دراسته الجامعيّة، غير أنّ المسرح كان له شأنٌ آخر معه، وعبره وضع بصمةً لا تُنسى طوّبته أباً روحياً لهذا الفن في محافظته منذ عودته إليها في العام 1975 قادماً من "دمشق".

في رصيد " الحسين " الكثير من الأعمال المسرحيّة، غير أنّ قلّة يعرفون أنّ لديه أعمالاً تلفزيونيّة وإذاعيّة وسينمائية جمعته وفنانين كبار.

متعددُ المواهب

بدايات "الحسين" المسرحيّة كانت في سبعينيات القرن الماضي ضمن الفرق المدرسيّة بالعاصمة "دمشق" حيث شارك بمسرحيّة غنائية شعبيّة حملت عنوان "غيمة مطر" في مدرسته (ابن الأثير)، عن تلك البدايات يتحدث لـ"eSyria" قائلاً: "كما أذكر كان ذلك العمل في فترة دراستي بالمرحلة الإعدادية، كنت في الصف التاسع حينها، ولاحقاً أديت دوراً مميزاً في مسرحية " العنكبوت " لمؤلفها "خلدون آل رشي" وإخراج "سمير ذكرى"، انضممت إثر ذلك لعضوية فرقة رابطة "المزرعة" الشبيبية بـ"دمشق"، كانت مرحلة مهمة من تجربتي التي تفتحت باكراً، مع عودتي وأهلي إلى "دير الزور" في العام 1975 بدأت مرحلة جديدة من العمل، فقمنا بتشكيل فرقة فنية تابعة لرابطة الشهيد "أحمد طالب علايا"، كانت أولى أعمالها مسرحية (شمس الحرية) من إخراج "أنور الرحبي"، تلاها تشكيل فرقة "الفرات" للفنون المسرحية عام 1981 وحينها شغلت إدارة المسرح حتى العام 1983".

من أعماله المسرحية

الممثلُ والمخرجُ

مدير الثقافة أحمد العلي

قدّم "الحسين" العديد من الأعمال المسرحيّة ممثلاً فمخرجاً، وشارك في المهرجانات المركزية الشبيبية والطلابيّة والمسرح العمالي ومن المسرحيات "شمس الحرية، أوبريت "أرضنا .. الله أكبر" إخراج "صالح الشاهر" والتأليف الموسيقي "إبراهيم العكيلي، وأعمال منها "أسود وأبيض، لولا البساط لضاع دمياط، لمن لمعت الخنجر، أبو القاسم الطنبوري، وحده ضد المدينة، قوافل طينيّة، منسيّة، المعادلة، لا تفقأ عينيك يا أوديب، بلدي وهلم جرا، اللجنة"، إضافةً لأعمال "مونودراما القيامة" من تأليف الراحل الكبير "ممدوح عدوان"، و"حال الدنيا" من تأليف "مأمون ضويحي"، ومن أبرز المسرحيات التي أخرجها ضمن مسرح الكبار "شيء للذكرى"، "السوط"، مونودراما "الشجرة المتوحدة"،" الغرباء" من تأليف "علي عقلة عرسان".

إضافةً للمسرح خاض "الحسين" غمار التمثيل سواء في الدراما أو السينما أو الإذاعة ويقول: "لديّ عدة أعمال دراميّة تلفزيونيّة وإذاعيّة ومنها (الفارس والعروس، هكذا هو الحب، درع الوطن، العائلة)، جمعتني هذه الأعمال مع كبار ممثلي الدراما السوريّة مثل الراحل الكبير "عدنان بركات"، "جيانا عيد"، الراحل "عبد الرحمن أبو القاسم"، "فادية خطاب" وغيرهم، وفي السينما شاركت بفيلم "صهيل الجهات" وهو من إخراج ابن مدينتي "ماهر كدو".

ذكريات الزمن الجميل

في الدراما

وحول الدراما التي لم يُكمل فيها يُضيف: "من يبحث عن الظهور في الدراما أو السينما لا بدّ له من التوجه إلى"دمشق" والاستقرار فيها، هناك قد تحصل على الفرصة، فالأمر لا يقتصر على الموهبة فقط، بل الحظ أيضاً.. لدينا خامات لم تلق فرصتها كحال البيئة الفراتيّة فهي بُخست حقها بالأعمال الدراميّة، ففي الغالب ينظر منتجو العمل الدرامي أو السينمائي بمنطق الربح والخسارة، لذا غابت بيئتنا عنها، فضاعت بين المسلسلات البدويّة وما يتناول منها "الغجر"، وطُرحت لهجتهم كبدويّة علماً أنّ هناك فارقاً بينهما واللهجة الفراتيّة القريبة للعراقيّة".

اتبع المخرج والفنان "الحسين" دورات تدريبيّة تخصصية في مجال التأليف والتمثيل وكتابة السيناريو الإذاعي والتلفزيوني والسينمائي، وله محاولات جادة في الكتابة للمسرح والتلفزيون، والقصة القصيرة، ونال جوائز عدة في المهرجانات المسرحيّة.

الأبُّ الروحي

"تعلمنا على يديه كيف نقرأ، نحلل ونفهم النصوص المسرحية، في مكتبته المنزليّة نجد أمهات الكتب عن المسرح، ولا سيما العالميّة منها، فكانت مرجعنا بالعمل" هذا ما يقوله المُخرج المسرحي "ضرام سفّان" لـ"eSyria" ويضيف: "إذا أردنا أن نتحدث عن المخرج "أحمد الحسين" فعلينا أن نعود بعربة الزمن لسنوات خلت، بالنسبة لي كانت تجربتي معه هي الأجمل والأكثر فائدة، عرفته في ثمانينيات القرن الماضي.. كنت طفلاً وقتها، كان المسرح بالنسبة لي أشبه باللعبة ومعه اكتشفت أنّ المسرح حياة، علّمنا أنّ للمسرح قواعده الأخلاقية قبل أن يكون فناً، فالفن بلا أخلاق لا قيمة له، أما على مستوى الخشبة وكواليسها فقد كانت له مدرسته الفنية الخاصة، فهو يترك للممثل مساحته في أن يبدع دون أن يقيده، مع الالتزام بقواعد "ستانسلافكي".

ويلفت "السفّان" إلى أن للمخرج "الحسين" مدرسته المرتكزة على قواعد مسرحيّة مؤسسة: "هو أول من اشتغل وعمل على قاعدة "بريخت" في تحطيم الجدار الرابع، واستطاع من خلال تجاربه المسرحية أن يعمل على خلق التوازن بين المضمون والشكل، فهو لم يكن يميل للشكلانيّة في الفن بقدر ما كان يحتم عليه التزامه أن يكون للموضوع المطروح وللفكرة والمقولة المسرحية المساحة الأوسع، باختصار "يصفه ممثلو المسرح ممن عاصروه بالأب الروحي الذي أعطى عالم المسرح في محافظته الكثير".

درجةٌ درجة

مدير الثقافة "حمد العلي" وفي شهادته على تجربة "الحسين" يقول : "يُعد "الحسين" من روّاد الجيل الثاني للمسرح والذي أخذت ركائز وجوده تبرز بعمل دؤوب ومتواصل، وهو الذي صعد سُلم أبي الفنون درجة درجة، بين التمثيل فالإخراج وصولاً للكتابة، ومن صالات العرض المسرحي إلى الدرامي فالسينمائي، تتلمذ على يديه العديد من المخرجين الذين عملوا لسنوات طويلة، ومدوا قاطرة المسرح بـ"دير الزور" ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (ضرام سفّان، لؤي بدّور، عبد الحميد عزّاوي، نشأت مرعشلي، بسام سفان، وليد حسّو)، كان طاقة من العمل، أوجد حراكاً مسرحياً مؤثراً وذي كثافة في الإنتاج، ورعى جيلاً من هواة هذا الفن وروّاده الذين تركوا بصماتهم على صفحاته، ولا يزالون في حالة عطاء مستمرة رغم قساوة الظروف وقلّة الإمكانيّات التي لم تحل دون أن ينطلقوا بخشبة المسرح".

من جديد

أوضاع المحافظة إثر سيطرة الإرهاب أجبرت الفنان والمخرج المسرحي "أحمد الحسين" على مغادرتها ليستقر في العاصمة "دمشق" استقراراً مؤقتاً كما عبر في حديثه لـ"eSyria" : "لا أستطيع العيش دون الفرات، أشجار الحور، دون خشبة مسرحه التي عادت تنبض من جديد، لذا سأعود وأتابع من جديد".