قد تبدو قصة "نهى عثمان" من مدينة "القامشلي" ووصولها إلى كلية الطب عاديةً للكثيرين، وذلك بالنظر إلى الآلاف ممن سبقوها إلى دراسة هذا الاختصاص، لكن من يتتبع مشوار الطالبة وما مرّت به من صعوبات وصلت حدّ الآلام أحياناً، يدرك أنّ ما قامت به كان أشبه بالمستحيل الذي تحقق، بعدما سطّرت أروع العناوين في المثابرة والاجتهاد لتحقيق حلمها وحلم أمها الراحلة.

بالمثابرة

تجرّعت الشّابة "نهى" مرارة الحياة، وخاصة أثناء فترة امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، وفي كل مرة تخرج منتصرة، حتى باتت نموذجاً غير مسبوق بإرادتها وتصميمها، وصفها أهالي مدينة "القامشلي" بالفتاة المثالية المثابرة، تمضي في خطى ثابتة لتكون طبيبة متميزة تخدم أهالي منطقتها.

كان طموحي ومنذ الطفولة أن أكون من الأوائل على مستوى القطر، حصدت المراتب المتقدمة، كنت متفوقة خلال الصفوف الانتقالية، وصولاً إلى الصف التاسع حيث كانت أولى العقبات بانتظاري، فقد تعرضت السيارة التي كان يسافر بها أهلي إلى القرية لحادث مؤلم، مرّت السيارة فوق لغمِ، وفي ذلك التفجير فقدت والدتي وجدتي، وابن خالي، أمّا أخي الوحيد فكان بين الحياة والموت، شعرت أن الحياة توقفت عند ذلك اليوم الذي فقدت فيه والدتي، ففقدتُ معها كل جميل ومحفز، ولأنني كنتُ الفتاة الكبرى في أسرتي، رافقتُ أخي إلى مشافي دمشق عام 2017 وفي تلك الرحلة ألف غصة ووجع

تقول "نهى" في حديثها مع مدوّنة وطن "eSyria": «كان طموحي ومنذ الطفولة أن أكون من الأوائل على مستوى القطر، حصدت المراتب المتقدمة، كنت متفوقة خلال الصفوف الانتقالية، وصولاً إلى الصف التاسع حيث كانت أولى العقبات بانتظاري، فقد تعرضت السيارة التي كان يسافر بها أهلي إلى القرية لحادث مؤلم، مرّت السيارة فوق لغمِ، وفي ذلك التفجير فقدت والدتي وجدتي، وابن خالي، أمّا أخي الوحيد فكان بين الحياة والموت، شعرت أن الحياة توقفت عند ذلك اليوم الذي فقدت فيه والدتي، ففقدتُ معها كل جميل ومحفز، ولأنني كنتُ الفتاة الكبرى في أسرتي، رافقتُ أخي إلى مشافي دمشق عام 2017 وفي تلك الرحلة ألف غصة ووجع».

أمام حلم الطفولة وحلم والدتها

"السّنة الكبيسة"

بطلة رياضية ومتفوقة دراسيا

كانت رحلة علاج أخيها في مشافي "دمشق" من أصعب اللحظات التي عاشتها، ذاقت فيها الأمرين، حسب كلامها، مع كل ذلك، حملت معها رسالتها وأماني والدتها، لم تترك أحلامها تموت.

وتضيف «أخذت بعضاً من كتب الصف التاسع معي إلى المشفى، كنت وحيدة هناك أرافق أخي الذي فقد إحدى عينيه، ورغم مشقة المهمة على فتاة صغيرة بسني، تجاوزنا المحنة بفضل الله ومساعدة الكثير من الأطباء ودعاء الناس واستطاع أخي النجاة وعدت إلى البيت قبل أسبوع من امتحان الشهادة الإعدادية، لتبدأ مسيرة السهر والتعب والدراسة المتواصلة، وحققت نجاحاً مقبولاً ونلت 270 درجة من 310درجات، ومرّت أصعب سنة في حياتي، حيث كانت "السنة الكبيسة".

الوصولُ للهدف

مضت سنتان من عمرها لتصل إلى الشهادة الثانوية، لم تفارقها صورة والدتها، ولم يُشفَ أخوها تماماً، فبسبب فقده لجزء من دماغه أصبح عصبياً جداً، ورغم ذلك كان إصرارها أكبر وهي التي أحبت الطبّ وهي ترافق أخاها في المشفى، ولأن ذلك الاختصاص كان حلم والدتها، وهي تعلم أنه يحتاج الكثير من الدراسة، بدأت بالبحث عن الحلول لتصل للهدف.

كانت تستغل كل لحظة من أجل الدراسة، مرّت بظروف أصعب، تقول عنها: «لم أكن أنام إلا ساعتين في اليوم كلّه، استغل طريق الذهاب إلى المعهد بالدراسة، وأي لحظة فراغ أو استراحة فيه، بالتزامن كنت أمارس هوايتي الرياضية (الكيك بوكسينغ) فهي تشعرني بالفرح قليلاً، وتعيد لي ثقتي بنفسي، وحصلت على الميدالية الذهبية في مشاركتي ببطولة على مستوى القطر في اللعبة بالعام نفسه لتقدمي إلى الشهادة الثانوية، وأثناء توجهي للمعهد تعرضت لحادث، فقد صدمتني دراجة نارية، واجهت تلك الأزمة أيضاً بذات العزيمة، وضعتُ لنفسي برنامجاً دراسياً خاصاً لكل المواد، دون حذف أي فقرة أو درس».

تحقق الحلم

تحملتْ مسؤوليةَ البيتِ والدراسة وأخيها المريض، وصل الأمر لأن تدرس ساعات على ضوء الشمع، وبثقة تقدمت لجميع المواد الامتحانية، وفي النهاية كانت درجتها في الشهادة الثانوية من المتفوقين، فتقول بأنها نالت 235 درجة في فرعها العلمي منحتها الدخول في السنة التحضيرية، وتجاوزتها بنجاح وهي الآن في السنة الأولى بكلية الطب محققةً حلمها وحلم والدتها.

"عمر عبد الله" مدرس اللغة العربية للطالبة "نهى" في الشهادة الثانوية، أشاد بالتزامها وجديتها ومثابرتها، مثنياً على تفوقها في الشهادتين رغم الكم الكبير من التحديات، ونوّه بالثقة الكبيرة التي تحلّت بها حيث كانت علامة من علامات تميزها، واليوم تثبت أنها نموذج رائع في مجتمعها وللطلاب كافة.

"نهى عثمان" من مواليد "القامشلي" 2002، أجري اللقاء معها بتاريخ 6 تشرين الأول 2021.