لم تكن أغنية "حيوا البطل" التي قدمها الموسيقار "فريد الأطرش"، بمناسبة الاحتفال بأعياد الوحدة بين "سورية ومصر"، مجرد أغنية وطنية عابرة، وإنما لها حكاية خاصة، حيث استوحى الموسيقار الراحل لحنها من إحدى أهازيج "الحداء" في" جبل العرب".

هويةٌ خاصة

رسم الموسيقار "فريد الأطرش" من خلال أغنية "حيوا البطل"، هويةً خاصةً للأغنية الشعبية من خلال خصوصية اللحن الذي قدمه وتميّز به في الغناء العربي، وقد تمثلت سمات هذه الهوية من خلال إبداعه في اختيار الكلام واللحن والعمل على تتويجه بطريقة أداء جمالية، وقد استطاع أن يكوّن لنفسه شخصية خاصة تتميز بطبيعة الجملة اللحنية حتى عرفت باسمه واتسمت بشخصيته.

كلمات الأغنية الوطنية ذات طبيعة خاصة لا تحتمل التبديل باللحظة الانطباعية، بل التركيز على التركيب البنيوي للجملة اللحنية وفرض التوزيع "الهارموني" لها، وهذا ما يجعل الملحن يعيش لحظات البحث لاختيار المقام المناسب والإيقاع، وما تتطلبه مكونات الأغنية الشعبية رغم استسهال البعض لها، لكنها شكّلت لديه حالة ثقافية فكرية منسجمة مع طبيعة أهدافه وانتمائه وتاريخه، وتكوين شخصيته الفنية حتى عرفت به وباتت جزءاً من شخصيته المعروفة بألحانه أمام العديد من الملحنين

وحسب ما يشير الباحث الفني "سلمان البدعيش" في حديثه لموقع "مدوّنة وطن" eSyria: «لكل أغنية حكاية، فأغنية "حيوا البطل" هي اقتناص الإبداع بلحظة ذكية، وما جرى مع الموسيقار الراحل "فريد الأطرش" الملقب بـ"بلبل الشرق، والموسيقار الخالد، وبيتهوفن العرب" وغيرها من الألقاب، هي حالة تنم عن قدرته على التوظيف المناسب للحظة التي استطاع فيها جمع مكونات أغنية من دندنة لشقيقه الضيف القادم إليه من "جبل العرب"، وهو في استراحته على شرفة "فرندا" منزل "فريد الأطرش"، ويترتب علينا نقل تلك الحادثة المهمة كما جرت معه، إذ أثناء قيامه بالإعداد لإقامة حفل فني بتكليف من الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر" احتفاءً بمناسبة وطنية وهي الوحدة بين "سورية ومصر" وما تتطلبه المناسبة من بث الروح القومية والوطنية، انشغل "فريد الأطرش" بالبحث بين أفكاره في محاولة لإيجاد ما هو مناسب ومبدع وجميل خدمة للمناسبة الوطنية، التي كانت بالنسبة له فرصة لإظهار مكامن القدرة اللحنية عنده».

الباحث زيد النجم

ويضيف الباحث: «كلمات الأغنية الوطنية ذات طبيعة خاصة لا تحتمل التبديل باللحظة الانطباعية، بل التركيز على التركيب البنيوي للجملة اللحنية وفرض التوزيع "الهارموني" لها، وهذا ما يجعل الملحن يعيش لحظات البحث لاختيار المقام المناسب والإيقاع، وما تتطلبه مكونات الأغنية الشعبية رغم استسهال البعض لها، لكنها شكّلت لديه حالة ثقافية فكرية منسجمة مع طبيعة أهدافه وانتمائه وتاريخه، وتكوين شخصيته الفنية حتى عرفت به وباتت جزءاً من شخصيته المعروفة بألحانه أمام العديد من الملحنين».

الحدثُ والولادة

يشير الباحث التاريخي "زيد النجم" بالقول: «من المعلوم أن "فريد الأطرش" هو واحد ممن أرسوا دعائم الأغنية الشعبية ورسموا لها هوية خاصة بها، حتى تميز بها وتفوق على مبدعيها لأن جملته اللحنية عرفت به وبشخصيته، لكن أغنية "حيوا البطل" لها خصوصية عند الموسيقار الراحل، وفق ما ذكره لي شقيقه "منير" فحينما زاره شقيقه "أنور" في "مصر" رحّب به "فريد" أجمل ترحيب وبعد أن تناولا طعام الغداء استأذنه لانشغاله بالإعداد لحفلة فنية، وفيما جلس "فريد" مع عوده يدندن، وجده "أنور" مرتبكاً وقلقاً إلى درجة كبيرة، خاطبه متسائلاً عن سبب قلقه فأجابه "فريد" أن لديه حفلة ولم يبقَ على إقامتها سوى ثلاثة أيام ولم يجد اللحن المناسب بعد، وأمامه تحدّ كبير وخصوصاً أنه قد كلف بالإعداد للحفل من الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر"، فما كان من شقيقه إلا أن طلب منه الهدوء والسكينة والعيش مع الذات قليلاً، وجلس "أنور" على الشرفة وأخذ يدندن من تراث "جبل العرب" أهزوجة تعرف باسم "يا أم الوحيد" وهي من نوع "الحداء" كان الثوار يرددونها وهم عائدون من الحرب، ولهذه الأهزوجة حكاية تاريخية قيلت حينما استشهد شاب وحيد لأمه في إحدى المعارك ضد الاحتلال العثماني في معارك "جبل العرب"، فاحتار الثوار بالطريقة التي يمكن فيها إبلاغ والدته، فما كان من أحد الشعراء المبدعين إلا أن أدى ضمن قالب "الحداء" كلمات الأهزوجة التي تقول:

فردي الأطرش مكرماً من الرئيس جمال عبد الناصر

يا أم الوحيد وابكي عليه ....والموت ما يرحم حدا

لابد ما تنعي عليه ....إن كان اليوم ولا غدا

الموسيقار فريد الأطرش

حيث دخل الثوار القرية وهم يحدون، علمت الأم باستشهاد وحيدها وقابلت الثوار بالزغاريد».

اقتناصُ الإبداعِ

ويتابع "النجم": «أخذ "أنور" يدندن اللحن، وبلحظة اقتناص الإبداع وعلى الفور استوقفه "فريد" وقال له: "أعد أعد... مرة تانية" وقال له: "ده اللحن المطلوب"، وبالفعل ولدت أغنية "حيوا البطل بطل الجهاد يعيش لنا حامي البلاد"، ولحَّنها مُقتبِساً لَحْنها من تراث "جبل العرب" من قالب "الحداء"، وبالفعل ما زالت هذه الأغنية تردد إلى اليوم بصوت "فريد الأطرش" وبأدائه الساحر لها، وما زالت الذاكرة الشعبية تذخر بحداء "يا أم الوحيد" كحكاية أغنية وطنية في موقف وطني دخل التاريخ بزغاريد أم فقدت وحيدها».