تتردد بين أهل "حمص"، حكاية (نبعة) المياه الكبريتية المسماة (نبعة) "عوينة الحمة" التي كانت بحسب الرواة مقصدَ استشفاءٍ للمرضى المصابين بأمراضٍ متنوّعة، لكن الحقيقة قد تبدو تائهةً في ظل وجود روايات عدَّة، فما هي الرواية الحقيقية لتلك (النبعة) يا ترى؟.

أصلُ التسميةِ

قامت مدوّنة وطن "eSyria" بزيارة إلى المنطقة التي تقع فيها (نبعة) "عوينة الحمة" وتحديداً في بداية حي "بني السباعي" بالقرب من مسجد "أبو لبادة" الأثري، للاطلاع على حقيقة رواية هذه (النبعة) وما قيل عنها، والتقت مع "راشد النكدلي" أحد المطلِّعين عن كثب عليها فقال: «منذ عام 1975 بدأت بالتردد على محل والدي المستأجر من قبل "أبو غازي الصنوفي" مالك البيت الذي توجد فيه (نبعة) "عوينة الحمة"، كنت طفلاً بعمر العشر سنوات حينها، وكانت الأقاويل كلًّها تدور حول أنّ تسمية تلك (النبعة) جاءت بسبب كثرة الزوّار الذين كانوا يأتون إليها بقصد الاستشفاء من حالات الحمى لأحد مرضاهم، وما سمعته من أحاديث السالفين بأنَّ مصدر المياه الموجودة فيها آتٍ عبر قنوات مصدرها كنيسة "أم الزنار" الأثرية، لكني لم أسمع أيَّ رواية عن وجود مياه كبريتية ساخنة من قبلهم مطلقاً».

منذ عام 1975 بدأت بالتردد على محل والدي المستأجر من قبل "أبو غازي الصنوفي" مالك البيت الذي توجد فيه (نبعة) "عوينة الحمة"، كنت طفلاً بعمر العشر سنوات حينها، وكانت الأقاويل كلًّها تدور حول أنّ تسمية تلك (النبعة) جاءت بسبب كثرة الزوّار الذين كانوا يأتون إليها بقصد الاستشفاء من حالات الحمى لأحد مرضاهم، وما سمعته من أحاديث السالفين بأنَّ مصدر المياه الموجودة فيها آتٍ عبر قنوات مصدرها كنيسة "أم الزنار" الأثرية، لكني لم أسمع أيَّ رواية عن وجود مياه كبريتية ساخنة من قبلهم مطلقاً

يتابع "النكدلي" سرد ما تراكم في ذاكرته ومشاهداته الحيَّة عن الأحداث المرتبطة بـ(نبعة) "عوينة الحمة" ونزلنا معه إلى القبو السفلي للمنزل الموجودة ضمنه ويضيف: «فوران المياه منها كان يتم بشكلٍ متقطع ولكن في منتصف الثمانينيات أصبح ذلك الفوران متزايداً ما اضطر صاحب المنزل إلى ردم القبو من أجل السيطرة ما أمكن عليه، حتى أنَّه اضطر لتركيب شفاطات كهربائية من أجل التخلص من كميات المياه الزائدة، ومما أذكره من حوادث جرت هنا، لجوء صاحب البيت إلى تربية السمك ضمن القبو الذي غمرت المياه ارتفاعاً جيداً منه، وهذا ما شاهدته بأمِّ عينيَّ، ويدحض الأقاويل بوجود مياه كبريتية، ما حصل لاحقاً هو الجفاف التام لـ(النبعة) وعلى نحوٍ مفاجئِ قرابة عام 2000، حتى أنني شاهدت الكثير من الأشخاص القادمين لزيارة (النبعة) ومن محافظات أخرى لنفس السبب ألا وهو الاستشفاء، ومنهم من أتى للاطلاع على تفاصيل المنزل الأثري الموجودة فيه، حتى أنَّ المسؤولين عن الآثار في مدينة "حمص" قاموا بفتح فوهة (النبعة) بعد طمرها من قبل صاحب المنزل بحكم أنَّها معلم أثري بحسب زعمهم».

راشد النكدلي

روايةٌ أخرى..

الدرج المؤدي إلى القبو الموجودة فيه فوهة (النبعة)

اتجهنا لنستوضح أكثر حول حقيقة "عوينة الحمة" فكان السؤال للباحث والمؤرخ "محمد غازي حسين آغا" صاحب المؤلفات العديدة حول تاريخ مدينة "حمص" وآثارها، فأجاب بالقول: «يقصد بكلمة "العوينة" المكان الذي تنبع منه المياه بشكل غير غزير -وبحسب ما روى لي والدي الراحل- فإنَّ (النبعة) كانت قائمةَّ حتى أربعينيات القرن الماضي، وقد تمَّ ذكرها في العديد من الوثائق التي تعود لفترة الحكم العثماني والتي فقدت من أرشيفي الخاص خلال سنوات الحرب، ومما ذكر أيضاً بأنَّ "عوينة الحمة" كانت ظاهرة على وجه الأرض وهي تقع إلى الجهة الشمالية الغربية من مسجد "أبو لبادة" الأثري، ومياهها الساخنة كانت تجري عبر قناة سطحية لتصل إلى بئر جامع "الدمَّل" -الأثري هو الآخر- وأغلب الظنِّ بأن سبب تسمية الجامع بهذا الاسم هو لارتباطه بعملية الاستطباب التي كان الناس يقومون بها من خلال الاغتسال بمياهه الساخنة وليست الكبريتية، فليس هنالك من مصدر توثيقي تاريخي يؤكد طبيعة تلك المياه التي كانت تنبع منها».

رأيٌ مُختص..

قصدنا مبنى فرع "الجمعية التاريخية السورية" في مدينة "حمص" وهناك سألنا رئيسها الدكتور "عبد الرحمن البيطار" عن رأيه الشخصي وما تحمله ذخيرته التراثية، وعن ذلك يقول : «رغم أنني ولدت وترعرعت في حيٍّ قريب من الحي الذي يزعم الناس بأنَّها كانت موجودة فيه، إلاَّ أنَّني أشكُّ بكل الروايات التي تذكر حقيقة وجودها أصلاً، وليس من أحدٍ ممن اهتموا بتوثيق تراث هذه المدينة وآثارها، قد جاء على ذكر ذلك الأمر في مؤلفاته الخاصة، وكلُّ ما يشاع عن "عوينة الحمة" برأيي الشخصي مجرّد أقاويل شعبية موروثة من جيل لجيل وليس هنالك في مدينة "حمص" أيُّ مصدر لمياه ساخنة أو كبريتية تمَّ اكتشافه في منطقة أخرى، فالمعروف لدى أغلب الناس أنَّ شبكة القنوات المائية –المعروفة باسم الرومانية- متشعبة كثيراً، وكانت تغذي جميع أحياء المدينة القديمة بالمياه وقد يكون مصدر مياه النبعة) آتياً من أحد تفرعاتها».

جانب من البيت الذي تقع فيه عوينة الحمة

خلاصة..

تعذَّر الوصول إلى حقيقة "عوينة الحمة" ولكن المؤكّد بأن تسمية تلك البقعة من حي "بني السباعي" لم تأتي من فراغ أبداً، والشواهد التي وثقتها مدوّنة وطن "eSyria" تؤكِّد وجودها بحسب ما جاء على لسان أكثر من شخص من أبناء الحيِّ.

نذكر نهايةً بأنَّ اللقاءات جميعها قد جرت بتاريخ 16 تشرين الأول من عام 2021.