أبصر فن "المونودراما" النور على خشبة مسرح مدينة "حمص" للمرة الأولى وبشكل فعلي عام 1989 لكن كمَّ الإنتاج المسرحي لم يكن بالمستوى المأمول لجمهور هذا الفن الخطير كما وصفه المشتغلون به.

نبذةٌ مختصرة

ظهر هذا النمط من العروض المسرحية في نهايات القرن التاسع عشر بشكله المعروف لدى جمهور المسرح، والبعض يعتبر أنّ بداياته كانت مع النص المسرحي الشهير "الأقوى" لكاتبه "فراينبرغ"، رغم وجود شخصيتين ضمنه وذلك الأمر منافٍ لطبيعة هذا الجنس المسرحي القائمة على وجود الممثل الواحد لتأدية العرض المونودرامي بحسب ما ذكر "حسن عكلا" الممثل والمخرج المسرحي لمدوّنة وطن "eSyria" حيث تابع قائلاً: «تحديد بدايات ظهوره يحتاج لكثير من الأبحاث، لكن إذا أردنا التعريف عن بداياته على خشبة المسرح في "سورية" فالمؤكّد أن الممثل "أسعد فضة" هو أول من اشتغل بهذا النمط المسرحي بمنتصف ثمانينيات القرن الماضي من خلال عرض بعنوان "يوميات مجنون" مقتبس عن رواية للكاتب العالمي "غوغول"، أخرجه حينها الراحل "فواز الساجر" وكان لي شرف المشاركة به مع زملائي "عبد الفتاح المزين" و"بسام لطفي" كشخوص صامتة ضمنه، تلاه بعد ذلك الفنان "زيناتي قدسية " والممثلة "مها الصالح" وآخرون غيرهم».

تحديد بدايات ظهوره يحتاج لكثير من الأبحاث، لكن إذا أردنا التعريف عن بداياته على خشبة المسرح في "سورية" فالمؤكّد أن الممثل "أسعد فضة" هو أول من اشتغل بهذا النمط المسرحي بمنتصف ثمانينيات القرن الماضي من خلال عرض بعنوان "يوميات مجنون" مقتبس عن رواية للكاتب العالمي "غوغول"، أخرجه حينها الراحل "فواز الساجر" وكان لي شرف المشاركة به مع زملائي "عبد الفتاح المزين" و"بسام لطفي" كشخوص صامتة ضمنه، تلاه بعد ذلك الفنان "زيناتي قدسية " والممثلة "مها الصالح" وآخرون غيرهم

بالغ التعقيد..

يعتبر الممثل "حسن عكلا" أنّ "المونودراما" ليست فنّ النخبة الجماهيرية كما يصوِّرها الكثيرون، بل هي تحتاج إلى مشاهد صبور ولديه كم لا بأس به من المعرفة والثقافة ليكون قادراً على فهم مغزى الأحداث التي تدور أثناء العرض والرسالة المرجوة منه، ومن خصائص هذا الجنس المسرحي المحاكاة الصادقة لحالة وحدانية الإنسان وما يرتبط بها من انفعالات شعورية ونفسية وإظهارها للمشاهد بأدق تفاصيل ذلك، من هنا تأتي صعوبة الاشتغال به كونه يستلزم وجود ممثل يمتلك من لوازم وإمكانات التمثيل المسرحي عامة، و"المونودراما" خاصة، الشيء الكثير إضافة لامتلاكه الثقافة الواسعة بعموم المجالات، ليكون قادراً على تجسيد أي شخصية تسند إليه وإبراز تجليات النفس الإنسانية بمختلف أحاسيسها، وانفعالاتها الداخلية، من أجل إيصال فكرة العمل المسرحي للجمهور المتلقي وإقناعه بقوة أدائه، إضافة إلى أنَّ هذا النوع من الأعمال المسرحية يستلزمه وجود كاتب مؤمن بأنَّ "المونودراما" هي أداة مهمة للتعبير وحاجة إنسانية ملحّة خاصة في ظل الظروف التي نعيشها في زمننا الراهن والتي تؤدي بالإنسان لحالة من الوحدانية والانعزالية النفسية ضمن محيطه».

الممثل والمخرج المسرحي حسن عكلا

مسيرة حافلة..

الممثل والمخرج المسرحي تمام العواني

بدأ "حسن عكلا" مشواره المسرحي منذ قرابة نصف قرن من الزمن وأمَّا بخصوص عمله بفن "المونودراما" فقد كان أول من اشتغل به على مسرح مدينة "حمص" عام 1989 كما يذكر بحديثه مع مدوّنة وطن "eSyria": «عام 1989 كان عرضي الأول الذي حمل عنوان "حديقة الحيوان" والمأخوذ عن رواية للكاتب المعروف "إدوارد أولبي" وقد قدَّمته ضمن فعاليات "مهرجان حمص المسرحي" الذي قمت بمبادرة تأسيسه قبل عامين من ذلك التاريخ، لاحقاً، جاء ثاني أعمالي المونودرامية وعنوانه "قيس" وهو مقتبس عن مجموعة قصصية للكاتب السوري "محمد حاج صالح"، تلاه عرض مسرحي تحت عنوان "زوج امرأة مهمة" اقتباساً عن نصٍّ للكاتب الروسي "الكسندر غيلمان" مسمَّاه "مع الجميع على حدا"، أمَّا العمل الرابع لي فقد كان بعنوان "حكايات من هذا الزمن" لكن للأسف الشديد لم يكتب له الظهور على خشبة المسرح لأسباب قاهرة، وجميع الأعمال التي ذكرتها، قدَّمتها على معظم خشبات المسارح وبكافة المناطق السورية».

الرائد الثاني..

لنتعرف أكثر على فنِّ "المونودراما" وحكاية المسرح الحمصي تحديداً معه، كان لمدوّنة وطن "eSyria" لقاء مع "تمام العواني" الممثل والمخرج المسرحي الذي انخرط بالعمل به مع بداية تسعينيات القرن العشرين كما ذكر بحديثه: «تفسر كلمة "مونودراما" بأنها البوح الإنساني المؤدَّى بصوت شخص واحد، لذا فإنَّ الممثل عند فتح ستارة الخشبة عليه أن يروي حكايته الخاصة به والتي دائماً ما تعبِّر عن حالة المعاناة والألم والصراع الداخلي الذي يتملك نفسه، تأثرت بهذا النمط من الأعمال المسرحية بعد مشاهدتي لأحد أعمال الفنان "زيناتي قدسية" الذي حمل عنوان "القيامة" كان ذلك عام 1990 وكان سبباً رئيساً قادني لاحقاً للتخصص به، بعدما اطلعت أكثر على خصائصه والإمكانات التي يتطلبها العمل المونودرامي، وكانت باكورة أعمالي عرضاً بعنوان "المشنقة" من إعداد وإخراج الراحل "وليد فاضل" عام 1990، لاقى ذلك العرض موجة من الانتقادات الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، أصبحت "المونودراما" بعد ذلك المشروع المسرحي الخاص بي، ليكون عملي الثاني وعنوانه "العقرب" الذي أعدَّه وأخرجه الفنان الراحل "محمد بري العواني" بعدما طرحت فكرة النص عليه، توالت بعد ذلك الأعمال المسرحية المونودرامية التي قدّمتها ضمن فعاليات مهرجان "حمص" المسرحي بدوراته المتلاحقة وفي مهرجان "الفجيرة" الدولي عامي 2005-2007 بعمل حمل عنوان "الرقصة الأخيرة"، كما كان لي حضور ومشاركة بهذا العرض بفعاليات مهرجان "المسرح العريي" في "مصر" لدورات عدَّة بين عامي 2000-2006 إلى جانب عملين آخرين هما "المطرود" و"الكهف" وقد نلت جائزة النقَّاد والجمهور كأفضل ممثل بالدورة الأخيرة التي شاركت بها، آخر أعمالي حمل عنوان "أبو دعاس الحمداني" وقد حاولت من خلاله أن تكون "المونودراما" قريبة من الجمهور ومحاكيةً أحوال الناس وهموم معيشتهم اليومية وقد تم عرضه لمرة واحدة في حديقة نادي "رابطة الخريجين والجامعيين" وقد كان تعاوني الأخير مع الفنان "محمد بري العواني" قبل رحيله».

الممثل المسرحي عبد القادر الحبال

عمل يتيم

رغم المسيرة الطويلة في عالم المسرح إلا أنَّ تجربتي الأولى والوحيدة مع فن "المونودراما" أنجزتها سنة 2005 من خلال عرض "الجدار" كما يذكر "عبد القادر الحبال" الممثل المسرحي أثناء الحديث الذي أجرته مدوّنة وطن "eSyria" معه عبر الهاتف متابعاً القول: «نصُّ ذلك العرض أعدَّه وأخرجه أحد أبرز كتَّاب ومخرجي المسرح السوريين "فرحان بلبل" ولكن التجربة لم تتكرر بسبب عدم اقتناعي بكل النصوص التي اطلعت عليها لاحقاً، وربما كان السبب هو الخوف من الفشل بعد النجاح الذي حققته التجربة الأولى، كونني أعتبر أن فنَّ "المونودراما" هو من أخطر فنون المسرح والاشتغال به أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإمَّا النجاح الساحق للعرض المسرحي الذي يحلِّق بالممثل نحو التميز والجماهيرية أو السقوط المريع المؤدي لتدميره، لذا فإنَّ قدرات الممثل وشجاعته وتمكنُّه من أدواته هي من تقرر ذلك، بالإضافة لوجود المخرج القادر على إدارة العرض المسرحي بحرفية وخبرة كبيرتين، إلى جانب وجود النص الحامل لفكرة جديدة ومؤثرة من قبل كاتب قادر على دمج عدة شخصيات بشخصية واحدة، لذا نجد ابتعاد الكتَّاب عن تأليف هكذا نصوص وهذا سبب رئيسي في غياب هذا الفن عن خشبة المسرح».

مهرجانات خاصة

ليست هنالك إغراءات لمن يودون العمل بهذا النمط المسرحي الصعب إن كان للمثل أو المخرج، وخاصة من ناحية النصوص المناسبة، كما يقول "خالد الطالب" الممثل والمخرج المسرحي الذي يعدُّ الرائد الرابع لهذا الفن في مدينة "حمص" خلال حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria" حيث تابع القول مضيفاً: «أنا من المؤمنين بأنَّ ممثل "المونودراما" يجب عليه أن يكون الكاتب والمخرج والمؤدّي بآنٍ معاً، ليعكس إيمانه بالعرض الذي ينوي تقديمه، والذي يجب أن يعكس حالته الوجدانية والحياتية، وهذا ما طبقته بتجربتي الأولى والوحيدة من خلال عرض حمل عنوان "مرثية الممثل الأوحد - كالخاس" التي قدَّمتها عام 2018 ضمن نشاطات مهرجان "حمص" المسرحي ولاحقاً على خشبة مسرح "القباني" في "دمشق" بدعوة من "مديرية المسارح والموسيقا" هناك، وأيضاً في مهرجان "نقابة الفنانين" في مدينة "اللاذقية" بذات العام، التجربة كانت غاية بالمتعة وأعطتني شعوراً لا يوصف وهذا ما يميز نمط "المونودراما" عن غيره من أنماط العمل المسرحي، هي لم تتكرر للأسباب التي ذكرتها في بداية حديثي ولعدم وجود نقَّاد مسرحيين على قدر كافٍ من الخبرة وسداد الرأي ليكونوا مشجعين على استمرارية مثل هذه العروض، وعدم قيام مهرجانات خاصة بالعروض المونودرامية كما هو موجود في مدن أخرى تشجع الممثلين المتمكنين من قدراتهم وأدواتهم على المشاركة فيها، هذا سبب من أسباب غياب "المونودراما" عن مسرح "حمص" العريق وعن جمهوره النخبوي القادر على تذوق هذا الفن لأنَّه يحتاج لفئة من الجمهور تتحلى بالصبر والإدراك العميق لفهم محتوى العرض وتقبّله».

نذكر نهاية بأنَّ اللقاءات مع الضيوف قد جرت عبر الهاتف بتواريخ مختلفة من شهر تشرين الأول.