رغم الظروف الصعبة وقلّة الإمكانيات المادية، فقد شكّل الحراك المسرحي في "طرطوس" عموماً وفي مدينة "بانياس" خصوصاً، محطةً مضيئةً في الحياة الثقافية بالمحافظة، من خلال فرق مسرحية ضمّت مواهب شابة استطاعت بكثير من التحدي أن تخلق لنفسها فرصة الوقوف على الخشبة، لتغدو رافداً للحركة المسرحية في محافظة "طرطوس" وعلى الساحة الوطنية.

مشروعُ حلم

بدأ الكاتب والممثل والمخرج المسرحي "ماهر أمين" كممثل في المسرح الجامعي في "طرطوس"، من ثم انتقل إلى المسرح القومي، وقدم من خلاله عدة أعمال مسرحية للكبار منها (إنهم يقتلون الإنسان، العالم يبتهج، شيخ الثلج لن يظهر في الشرق)، وقدم أعمالاً أخرى موجهة للطفل منها (ثعلوب المشاكس، أرض السيد بطيخ) وغيرها، ثم انتقل ليؤسس أول فرقة مسرحية في "بانياس" وهي فرقة "مشروع حلم"، فكانت باكورة أعمالها مسرحية "بين الحلم والكابوس" التي لاقت نجاحاً كبيراً وانتقل عرضها إلى ثقافي "طرطوس"، وبالفعل حققت انطلاقة حقيقية رائعة للفرقة حسب تعبير مؤسسها الذي تحدث لمدوّنة وطن: «بعدها قدّمت الفرقة عملاً بعنوان "هيستريا الموت"، لاقى نجاحاً كبيراً أيضاً تلاه عرض مسرحية أخرى حملت عنوان "كرة الجنون"، وهو العمل الأقرب إلى قلبي، وإلى جانب ذلك قدمنا العديد من الأعمال المسرحية الهادفة للطفل منها مسرحية "أرنوب الكسلان"».

بعدها قدّمت الفرقة عملاً بعنوان "هيستريا الموت"، لاقى نجاحاً كبيراً أيضاً تلاه عرض مسرحية أخرى حملت عنوان "كرة الجنون"، وهو العمل الأقرب إلى قلبي، وإلى جانب ذلك قدمنا العديد من الأعمال المسرحية الهادفة للطفل منها مسرحية "أرنوب الكسلان"

نتائج طيّبة

ويتابع: «كان الهدف من تأسيس الفرقة نقل الثقافة المسرحية التي هي من أهم الحالات الثقافية، لما كان لها من تأثير في مستقبل وحضارة الشعوب حول العالم، كذلك كنت أهدف إلى تقديم الفرصة للمواهب الشابة من أبناء مدينتي ودعمهم، لكي أوفر عليهم الكثير من الجهد والمعاناة إذا ما أرادوا الانتقال إلى مدن أخرى ليخطوا الخطوة الأولى لهم في هذا الطريق، والحقيقة لقد جاءت النتائج ممتازة جداً خلال فترة زمنية قصيرة، حتى أن بعضهم قد وجد طريقه نحو الشاشة الصغيرة، وقد كان نجاح الفرقة ثمرة لجهد كبير قدمه جميع أعضائها، وتوّج بالعديد من التكريمات والمشاركة في مهرجانات مسرحية، كذلك كان البدء بالعمل على ما يسمى المسرح الجوال، وهو ما يساهم في نقل هذه الحالة إلى أماكن نائية بعيدة عن دور العرض في المدن».

من مشاركة فرقة "وتر" المسرحية في الاحتفالية الخاصة في اليوم العالمي لمحو الأمية

ويرى "أمين" أن الواقع العام للفرق المسرحية الشبابية في محافظة "طرطوس" لا يختلف كثيراً عن واقعها في بقية المحافظات وعن الواقع المسرحي السوري بشكل عام، وهو واقع صعب ومعقد ومكلف مادياً، لكن العمل الجماعي وتكاتف أعضاء الفرقة، واستخدام ما هو متوافر وتسخيره لخدمة العمل المسرحي، يساهم في نجاح العمل بشكل مقبول إلى حد كبير.

" عن وتر"

بدوره يوضح الكاتب ومؤسس فرقة "وتر" للفنون المسرحية "حسن علي" خلال حديثه للمدوّنة أنه لا يمكن الفصل بين المسارح الشبابية وغيرها، خاصةً أن الفرق المسرحية بمعظمها تعتمد على العنصر الشبابي، وبالنسبة للفرق في محافظة "طرطوس" فهي متنوعة، وعددها كبير قياساً مع بقية المحافظات، لكن هذه الفرق على كثرتها وتنوعها تعاني من الصعوبات ذاتها، وأهمها ضعف الإمكانات المادية واللوجستية، أيضاً معظم العروض هي عروض تقدم في أماكن مأجورة وذلك يشكل إرهاقاً مادياً للفرق والقائمين عليها، ويرى في هذا تقصيراً كبيراً من قِبل بعض الجهات المعنية، علماً أن لمديرية الثقافة في "طرطوس" والمسرح القومي والمركز الثقافي العربي في "بانياس" جهوداً كبيرةً في تقديم التسهيلات والدعم ولو ضمن الإمكانيات المتاحة لما تقدمه الفرقة من عروض مسرحية.

أما في ما يخص فرقة "وتر" فقد أسسها عام 2016 وتضم عدداً من المواهب الشابة، وتشهد الفرقة سنوياً تجدداً في طاقاتها، تجمعهم الموهبة والشغف للوقوف على خشبة المسرح، وقدمت منذ تأسيسها عروضاً في كل من "طرطوس" و"القدموس" و"بانياس" و"صافيتا"، وإلى جانب العروض المسرحية قدمت عدداً من (الاسكيتشات) الكوميدية الناقدة والساخرة، وإلى جانب الفرقة المسرحية عمل "حسن علي" على تأسيس فرقة للعزف والغناء، وكثيراً ما يتم دمج الفرقتين لتقديم عروض مميزة.

في ظروفٍ صعبة

تعمل الفرق المسرحية الشبابية ضمن ظروف صعبة جداً بحسب أ. "خالد فهد حيدر" مدير المركز الثقافي العربي في "بانياس"، فعلى الرغم من توافر النصوص الجيدة التي تحاكي الهم اليومي والمعيشي والوطني -جميعها نصوص فعلاً تستحق المتابعة على مستوى "سورية" والوطن العربي، وهي لكتاب شباب مبدعين، إلى جانب توافر مكان العرض والاستجابة الكبيرة من قبل الجمهور عند الإعلان عن عروض مسرحية- إلا أنّ هناك حاجة كبيرة لتقديم الدعم المادي بشكل أكبر، أو على أقل تقدير تغطية تكاليف الديكور والتنقلات واللباس، ونحن في ثقافي "بانياس" نسعى باستمرار إلى تشجيع المواهب الشابة وتقديم ما يمكن من الدعم والمساعدة لتذليل العقبات والصعوبات كافة حيث قدمنا على خشبة مسرحنا الكثير من العروض التي لاقت حضورا جماهيرياً جيداً.

من المسرح

بدأت الشابة "حلا مخلوف" مشوارها المسرحي منذ أربع سنوات، وترى أن الوقوف أمام الجمهور على خشبة المسرح ساهم في بناء شخصيتها، ومن خلاله استطاعت أن تذهب لعوالم لم تكن لتصلها في الواقع حسب تعبيرها، كما أنها جسدت العديد من الشخصيات واختبرت حالات لم تكن لتدخل في تفصيلاتها لولا شغفها المسرحي، ولدى سؤالنا إن كانت تعدُّ المسرح بوابة عبور إلى عالم التلفزيون، قالت "مخلوف" أنها لا ترى نفسها في الدراما أو السينما، بل تعلقها ينحصر فقط ضمن حدود هذه الخشبة الساحرة.

أما الممثل الشاب "علي وردة" فاكتشف موهبة التمثيل من خلال موهبة الكتابة، يقول: «عندما أجلس للكتابة، أتخيل نفسي في مكان شخصيات قصتي، فأعيشها بأدق تفاصيلها، ومن هنا اكتشفت موهبة التمثيل، لكن ظروف عدة منعتني من الدراسة الأكاديمية فاتجهت إلى المسرح، والحقيقة أن أولى مشاركاتي جاءت بطريق الصدفة، فانتميت لإحدى الفرق المسرحية، وقدمت عملين مسرحيين كاملين وواحداً وعشرين (اسكيتش) ثلاثة منها تأليفي وأدائي، كما شاركت بكتابة عدة (اسكيتشات) لمهرجان "بانياس" المسرحي، وفي العام 2018 كتبت مسرحية بعنوان "كيفك إنت"، وأمتلك حالياً سبعة وثلاثين (اسكيتش)، وعملاً مسرحياً متكاملاً "ضريبة وفاء" وهو نص يحاكي الواقع، من النمط الكلاسيكي، يدمج بين الرقص والغناء والتمثيل، وفيه بعض المواقف الكوميدية، بالإضافة إلى نص درامي بوليسي جاهز لكنه لم يرَ النور حتى الآن لظروف تتعلق بشركات الإنتاج».