كان ذلك في عام 1945، عندما ارتأت مجموعة من سيدات المجتمع الراقي بـ"دمشق" ضرورة المساهمة في خدمة المجتمع والنهوض به عبر تأسيس جمعية "المبرة" النسائية للتنمية الاجتماعية وكفالة الأيتام، وهي الجمعية التي تطور عملها منذ التأسيس حتى اليوم وأصبح لها بصمة خاصة في مجال العمل المجتمعي.

داخل وخارج السكن

للحديث حول أهداف الجمعية وخدماتها زرنا مبنى الجمعية في منطقة "المزة" والتقينا المهندسة "مها دياب" رئيسة مجلس إدارتها التي تقول: «بدأ عمل الجمعية بافتتاح مركز صغير يستقبل الأيتام، على يد السيدات المؤسسات وهن "ليلى البكري"، "ابتهاج هاشم"، "مليحة قباني"، "دلال العيطة"، "نجوى الرجولة"، "قمر بيطار"، "إنعام حمزاوي"، "فتنة الدهبي"، "نزهة كيلاني" وغيرهن، وتطور عمل الجمعية عبر السنوات فلم يعد يقتصر على مساعدة الأيتام في داخل الدار - والبالغ عددهم حالياً أربعين يتيماً-، بل أصبح يشمل كفالة الأطفال الأيتام خارج السكن بعد التواصل مع من تبقى من أفراد عائلاتهم لتتم رعايتهم ضمن أسرهم ويبلغ عددهم ألف يتيم».

نستقبلهم وفق شروط معينة، كأن يكون ليس لديهم أهل أو أن الأهل غير قادرين على إعالتهم، أي معروفي النسب لكن محرومي الرعاية، يشرف على هؤلاء كادر خاص ومشرفة نفسية ويتم تأمين كل مستلزمات إقامتهم حتى الصف الثالث الثانوي حيث يتم استقبالهم في السكن الجامعي بعد التواصل مع من بقي من ذويهم

وتوضح "دياب" التي تسلمت رئاسة مجلس إدارة الجمعية في عام 2011: «عملنا يداً بيد لإعادة انطلاق عمل الجمعية عام 2011 التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع، مساعدة الأرامل وحماية الأطفال الأيتام وتعليمهم، من خلال منع التسرب المدرسي، تقديم الكساء الصيفي والشتوي، ومستلزمات الدراسة، الإعانات والمؤونة للعائلات، وإقامة دورات ومحاضرات توعوية كل يوم "سبت" للأمهات ترفع من مستواهن الثقافي وتساعدهن على التعامل بشكل أفضل مع أطفالهن».

"مها دياب" رئيسة مجلس الإدارة

وحول شروط قبول الأيتام داخل السكن تقول "دياب": «نستقبلهم وفق شروط معينة، كأن يكون ليس لديهم أهل أو أن الأهل غير قادرين على إعالتهم، أي معروفي النسب لكن محرومي الرعاية، يشرف على هؤلاء كادر خاص ومشرفة نفسية ويتم تأمين كل مستلزمات إقامتهم حتى الصف الثالث الثانوي حيث يتم استقبالهم في السكن الجامعي بعد التواصل مع من بقي من ذويهم».

توسّع المشاريع

وتبين "دياب" أن مشاريع الجمعية توسعت في الوقت الحاضر فهي تشمل: «النادي الشتوي والصيفي الذي يمكن للجميع التسجيل فيه والذي بدأ مع سبعين طفلاً، وحالياً يبلغ عدد الأطفال فيه ثلاثمئة طفل، كما توسع المبنى مع افتتاح الطابق العلوي الذي تحول إلى سكن جامعي والذي يشكل العمود الفقري لدعم الجمعية، وتم بناء الطوابق الأخرى بجهود مجالس إدارة الجمعية عبر السنوات الماضية، ومنهم "بلقيس عوض" التي بذلت جهداً كبيراً حتى وصل السكن الجامعي هذا العام إلى الطابق الرابع، إضافةً إلى صالة "المبرة" للمناسبات التي تبرعت إحدى العضوات لبنائها وتأهيلها بالكامل عام 2013، والقاعة التدريبية التي يتم تأجيرها، حيث تشكل هذه الأقسام مصادر التمويل الأساسية للجمعية إلى جانب تبرعات الأشخاص حيث يعود ريع المشاريع لمساعدة الأيتام وجزء صغير لأجور الموظفين والإصلاحات».

"رنا البابا" مدير تنفيذي

تنظيمُ العمل

"نهاد اليتيم" مدرسة في النادي الشتوي

ويتألف فريق العمل بحسب "دياب" من مجلس إدارة الجمعية وهو مكوّن من تسعة أشخاص يتخذ القرارات الرئيسية، وموظفين يشكلون الفريق الإداري وحوالي ثمانين متطوعة وحول ذلك تقول: «هذا العام تم تنظيم عمل اللجان التي كانت موجودة لكن تم تقسيم عملها وتتألف من لجنة الأسر التي تقوم بالزيارات واستطلاع احتياجاتها على الأرض وتسجيلها ثم توزيع المعونات من مقر الجمعية (المدافىء، حرامات، ثياب)، لجنة الترميم التي ترمم المنازل وتعيد الأسر إليها في المناطق المنكوبة، اللجنة الإعلامية والاجتماعية والثقافية، اللجنة الصحية التي تهتم بالجانب الصحي بالتعاون مع جمعية تنظيم الأسرة من خلال زيارة المقر كل سبت لفحص الأطفال وتقديم الأدوية أو تحويلهم لمراكز صحية، لجنة كفالة العلم التي تقدم دروس تقوية مجانية للطلاب والتكفل بتكاليف المواصلات من مناطقهم في "ريف دمشق"».

وبحسب "دياب" تقوم لجنة المشاريع بدعم وتمويل المشاريع الصغيرة بالتعاون مع مصرفي "البركة" و"سورية والخليج" وتتم متابعة المشاريع التي يبلغ عددها تسعة وثلاثين مشروعاً من قبل اللجنة لتكون فعالة ومنتجة، حيث تساعد المرأة على القيام بمشروع من منزلها، لأن الهدف تربية الأطفال وأن تكون الأم قادرة على العمل من المنزل ومنها: (الحلاقة النسائية، الخياطة، صناعة الحلويات، الزراعة في حديقة المنزل، تربية الأغنام) وغيرها.

أجندةٌ متكاملة

"عزيزة نورسي" مديرة نادي جمعية "المبرة" النسائية للأطفال تحدثت لمدوّنة وطن عن أهمية عملية الدمج بقولها: «من خلال دمج الطفل اليتيم مع الآخر الذي يشعر بدفء العائلة، يشعر بأنه متأقلم مع مجتمعه غير منبوذ فيه، نحاول ألا يشعر بأنه فاقد للأسرة، للرعاية والاهتمام وغيرها من الأمور الأساسية في هذه الحياة، يشعر بأنه والطفل الآخر أصدقاء ويتم التعامل مع جميع الأطفال بالطريقة نفسها ويبلغ عدد الأيتام في النادي الشتوي ثلاثة عشر طفلاً».

ومن المتطوعات التقينا "فاتن طيبي" التي كانت تعمل في السابق بمنظمات الأمم المتحدة تقول: «انضممت للجمعية في بداية عام 2021 بسبب سمعتها الطيبة وتميز نشاطاتها، ومنها خدمات اجتماعية أساسية لعائلات الأيتام والأرامل تتضمن جانباً نفسياً، صحياً، ودعم قطاع التعليم، أعجبني عملها المتكامل، يقومون بتأمين احتياجات العوائل المستهدفة من الأمن الغذائي، والاجتماعي ثم يوجهون الأطفال للتعليم، والأمهات للتنمية لتطوير نساء الريف والانتقال إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، وعندما ترتاح العائلة تبدأ الجمعية بإخضاع الأم لدورات تدريبية ومحاضرات توعوية».

وتتابع: «أعمل في لجنة الرقابة والمتابعة، وقد خطت الجمعية مؤخراً خطوة هامة فيما يتعلق بالهيكل التنظيمي وراجعت سياساتها وأدخلنا قسمين هما الإعلام والمتابعة والتقييم لمساعدة اللجان على تخطي المصاعب التي تواجهها، والعمل على وضع مؤشرات لقياس النجاح وتقدم العمل لنعرف الأثر الذي نتركه، وتتبع الجمعية نظرية التغيير من خلال التدريب المهني ومحاولة إيجاد فرص عمل للمرأة، أو أن تفتتح مشروعها الخاص وأن تصبح قادرة على إعالة نفسها وأولادها حتى يكبروا، وعند تخرج هذه العائلة نكون قادرين على استقبال عائلتين بحاجة للدعم، فضلاً عن قيام لجنة الترميم بإعادة ترميم المنازل وإيواء الأرامل وهذا عمل جبار حيث قامت الجمعة بترميم عشرات البيوت وأعادت الأرامل لمنازلهن وبالتالي تحقيق أمن اجتماعي وغذائي ثم تنموي».

جهودٌ لتعليم الأيتام

في بداية حديثها لمدوّنة وطن تشير "رنا البابا" المدير التنفيذي للجمعية، إلى زيارات السيدة "أسماء الأسد" لمقر الجمعية ولمرات عديدة، واطلاعها على تنامي خدمات الجمعية وما تقدمه للأطفال الأيتام وغير الأيتام.

وحول دور الجمعية في إعادة المتسربين من التعليم إلى مقاعد الدراسة تبين "البابا" كيف ساهمت الجمعية عام 2014 بإعادة خمسمئة طالب لمقاعد الدراسة عن طريق شرط واحد وهو تسجيل الأطفال في المدرسة للحصول على كفالة وإعانة الأسرة، وتقديم كل ما يلزم لذلك.

وتقول: «نسعى دوماً لتشجيع المتفوقين حيث تم تكريم مئة وعشرة طلاب متفوقين منذ أسابيع في حفل ضم الطلاب الحاصلين على معدلات عالية في الثانوية العامة، وغيرهم من طلاب الصفوف الانتقالية الذين تفوقوا رغم ظروفهم الصعبة، حيث تعتمد سياسة مجلس الإدارة منذ عام 2011 على زيادة عدد الأطفال الأيتام المكفولين خارج السكن وتقديم الكفالة المادية والمؤونة الشهرية والتبرعات العينية مقابل بقاء الطفل مع من بقي من عائلته، وبالمقابل تقليل عدد الأيتام داخل السكن».

وتبين "البابا" أنه تم مؤخراً وللمرة الأولى التشارك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "undp" لإقامة مشروع الأيتام والصدقات الجارية في منطقة "سبينة الصغرى" بـ"ريف دمشق" وحصلت الجمعية على تمويل لطابق واحد لكنه يحتاج إلى دعم لاستكمال إكساء الطوابق الخمسة الأخرى، وتوضح "البابا" أن الجمعية اشترت العقار عام 2011 لكنه متوقف حالياً لأنه يحتاج إلى جهود جبارة وتمويل، وهو يخدم مناطق "سبينة الكبرى والصغرى"، "سبينة غزال"، "الغزلانية".

وتتابع "البابا" قائلةً: «يهدف المشروع الذي يشكل نافذة واحدة لمساعدة الأسر في تلك المناطق لتحقيق التنمية الاجتماعية للمنطقة ودعم الأرامل، وإيواء الأسر التي فقدت المعيل لفترة محدودة ريثما يتمكن أفرادها من الاعتماد على أنفسهم، وإيواء الفتيات المتخرجات من "المبرة" ريثما تتمكن الفتاة من الاعتماد على نفسها، وخلق فرص عمل لأسر المنطقة من خلال دورات مهنية بأسعار رمزية».

الدورُ المجتمعي

من المستفيدات التقينا "نهاد اليتيم" وهي مدرّسة في النادي الشتوي بالجمعية من "معرة النعمان" تقول: «لجأت للجمعية في العام 2013 نتيجة الظروف الصعبة بسبب الحرب، استقبلوني بكل حب واحترام، وقدموا لي ولأطفالي كل الدعم ومن جميع النواحي النفسية والمعنوية والمادية، وأصروا على متابعة دراستي حيث كنت في السنة الثانية قسم الترجمة وأكملت تعليمي بفضلهم، وحصلت على دبلوم تأهيل تربوي وحالياً أعمل مدرّسة في النادي، كانت الجمعية السند الوحيد لي ولكثيرات ممن كنّ في الوضع نفسه».

نشير إلى أنّ زيارة الجمعية واللقاءات تمت بتاريخ 13 تشرين الأول 2021