تتجاوز أهمية المسكوكات النقدية المكتشفة في منطقة "جبل العرب"، القيمة المادية لتتعداها إلى الدلالات المكانية والزمانية التي سكت فيها هذه النقود، وما حملته من دلالات على النظم الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي سادت في تلك الأزمنة، والتي وجدت تجسيداً لها من خلال النقوش الموجودة على هذه المسكوكات المكتشفة.

إطلالةٌ تاريخيّة

تدل المسكوكات المكتشفة في منطقة "جبل العرب" والتي تعود للعصور الرومانية، على وجود داري ضرب للنقود في جبل العرب هما "قنوات وفيليبوبوليس"، ويقول الباحث الأثري الدكتور "خالد كيوان" رئيس فرع جامعة "دمشق" في "السويداء" لموقع مدوّنة وطن eSyria بتاريخ 7 تشرين الأول 2021: «أصدرت بعض المدن في المنطقة الجنوبية من "سورية" مسكوكات من النوعين الفضي والبرونزي، وقد تميّزت بحملها مشاهد متنوعة منقوشة في مركز الظهر، تنسجم مع العقيدة الدينية التي كانت سائدة آنذاك، وقد تبيّن من خلال البحث والتنقيب أنّ كلّ مدن هذه المنطقة قد اتبعت التقويم "البومبياني" الذي يؤرّخ بدءاً من العام الرابع والستين ق.م، كما يمتد إنتاجهم النقدي حتّى عهدي "فاليريانوس" 253 - 258 م، و"غاليانوس" 258 إلى 268 م، وتتشابه بداية تواريخ إصداراتهم النقدية ونهايتها، كتاريخ إصدار مدينة "كابيتوليا وآبيلا"، الذي بدأ منذ عهد "ماركوس أوريلوس" 161- 179 م، وانتهى في عهد "ألكسندر سفيروس" 222 - 235م، والأهم هو تماثل النقوش المنفّذة على خلفيات المسكوكات الصادرة عن هذه الدور، ما يدل على الوحدة العقائدية الأصيلة لهذه المدن التي نهضت بتاريخ واحد وقوِّضت دعائمها بالتاريخ نفسه».

هناك دلالة مكانية أخرى تحمل البعد التاريخي، وهي مدينة "فيليبوبوليس" المشهورة بمدينة "شهبا" التي تقع جنوب "سورية"، وتبعد عن مدينة "دمشق" جنوباً حوالي 90 كم، وقد ارتقت هذه المدينة وبلغت أوج ازدهارها في عهد ابنها البار الإمبراطور "فيليب العربي" 244 إلى 249 م، وهو ابن "مارينوس" أحد زعماء القبائل العربية في منطقة "اللجاة وحوران" وتدعى زوجة "فيليب العربي مارثيا أوتاكيلا" 244 إلى 249 م، وابنهما "فيليب قيصر" الذي حظي بلقب "أوغست" على المسكوكات سنة 247 م، كما أصدرتْ دار الضرب في "فيليبوبوليس" مسكوكات برونزية سُكت على غرار إصدارات مدينة "أنطاكية"، حيث حملت نقش إله الحرب "مارس آريس"، رأس تيكة ربة المدينة وحاميتها، الربة "منيرفا روما أثينا" ربّة الحرب والسلام

شاهدُ المكان

ويتابع الباحث "كيوان" بقوله: «لعل أهم الدلالات المكانية في جبل العرب مدينة "كاناتا" أو المعروفة باسم "قنوات"، الواقعة في شمال شرق مدينة "السويداء" وتبعد عنها حوالي 7 كم، وكان في هذه المدينة واحدة من أقدم دور الضرب جنوب "سورية"، فقد أصدرت مسكوكات من البرونز حملت اسم "قنوات" لأوّل مرّة على المسكوكات بالكتابة اليونانية ( KANATHN) وأثناء البحث وجدت الإصدارات النقدية الصادرة عن دار الضرب فيها، أنّها بدأت إصدار المسكوكات البرونزية منذ عهد "كاليغولا" 37 إلى 41 م، و"كلاوديوس" 41 وحتى 54 م، وفي عهد "كومودوس" نقشت دار ضرب "قنوات" على نقودها التاريخ "البومبياني"، كما حملت نماذج تجسد نقش رأس الربة "تيكة المزدان" بأبراج دفاعية، ورأس "أثينا" ربّة الحرب والسلام، وإله الخمر "ديونيسيوس" واقفاً، وتيكة ربّة المدينة ورأس الإله "زيوس"، والبطل "هرقل" جالساً برفقة هراوته».

الأستاذ الدكتور خالد كيوان

ويضيف الباحث: «هناك دلالة مكانية أخرى تحمل البعد التاريخي، وهي مدينة "فيليبوبوليس" المشهورة بمدينة "شهبا" التي تقع جنوب "سورية"، وتبعد عن مدينة "دمشق" جنوباً حوالي 90 كم، وقد ارتقت هذه المدينة وبلغت أوج ازدهارها في عهد ابنها البار الإمبراطور "فيليب العربي" 244 إلى 249 م، وهو ابن "مارينوس" أحد زعماء القبائل العربية في منطقة "اللجاة وحوران" وتدعى زوجة "فيليب العربي مارثيا أوتاكيلا" 244 إلى 249 م، وابنهما "فيليب قيصر" الذي حظي بلقب "أوغست" على المسكوكات سنة 247 م، كما أصدرتْ دار الضرب في "فيليبوبوليس" مسكوكات برونزية سُكت على غرار إصدارات مدينة "أنطاكية"، حيث حملت نقش إله الحرب "مارس آريس"، رأس تيكة ربة المدينة وحاميتها، الربة "منيرفا روما أثينا" ربّة الحرب والسلام».

أهميةُ المسكوكات

ويقول الباحث الأثري "خلدون الشمعة" رئيس بعثة التنقيب بدائرة آثار "السويداء": إن البحث العلمي القائم على التنقيب هو بحث ميداني يقوم على الدلالة المكانية، وتعدُّ الدراسة والبحث الميداني الذي قام بهما الدكتور "خالد كيوان" من أهم الأبحاث والدراسات في هذا المجال، فهو يعدُّ من الأبحاث العلمية المحكمة علمياً، وبالتالي يعدُّ ناجزاً وفق المعايير المتفق عليها في طبيعة التدوين والتوثيق العلمي، ويشير إلى أن الباحث "كيوان" استطاع اكتشاف المسكوكات العائدة للعصر الكلاسيكي الروماني متخذاً من مدينتي "قنوات وشهبا" أنموذجاً لعمله العلمي والبحثي، إذ حدد فيهما إصدارات المسكوكات وتأثيرها في ذلك العصر على نظام الحكم، ذلك أن المسكوكات والبحث عنها يقود نحو اكتشافات مرتبطة بالحالة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة، ويحدد المسار العلمي الأثري في تلك المنطقة بتحديد الزمان والمكان والعصر وطبيعة النظم».

الباحث الأثري خلدون الشمعة
المسكوكات