هي واحدة من أهم المقاصد السياحية في "سورية" فإضافة إلى موقعها الجغرافي المتميز وطبيعتها اللافتة، تعدُّ "الكفرون" من القرى الموغلة في القدم والتي يعود تاريخها، حسب الأوابد الأثرية التي ما زال بعضها قائماً، إلى ما قبل 2200 عام قبل الميلاد.

أصولٌ آراميّة

في حديثه لمدوّنة وطن يوضح "توفيق نصار" الملم بتاريخ القرية بأنّ اسم "الكفرون" مشتق من الكلمة الآرامية "الكفر" وتعني الحارة، وأنّ حرفيّ - الواو والنون - لتصغيرها أي الحارة الصغيرة، وتمتد جذور القرية في التاريخ إلى ما يقارب 2200 سنة قبل الميلاد، وقد تدرجت أسماؤها تبعاً للفترة الزمنية للمنطقة.. أولى حجارتها كان في موقع "الشيخ عبد الله" ويقع حالياً في الزاوية الجنوبية الشرقية من جبل "السيدة العذراء" وما تزال آثار المذبح الآرامي موجودة حتى اليوم.

ويضيف "نصار": بعد تراجع الغابة وزيادة عدد السكان وتوسع المساحات الزراعية تغيّر مكان القرية وانتقل إلى منطقة تسمى الآن "المقيل" وكان اسمها "المينا"، والتسمية تعود إلى احتواء "المينا" لمادة معدنية يُطلى بها الفخار الخاص بصناعة الأدوات الخزفية الفخارية التي اشتهرت بها المنطقة تلبية لاحتياجات الناس اليومية في توفير أدوات أعمال العجن، وقدور الطبخ والماء وحفظ الحبوب، وبعد تراجع الغابة مجدداً نتيجة زيادة المساحات الزراعية، انتقلت القرية من موقعها القديم -الذي استمر حتى ثلاثينيات القرن الماضي- إلى الموقع الحالي الذي يقع عند الزاوية الغربية من "رويسة الخنزير" (سميت هكذا لكثافة الغابة واحتوائها على أعداد كبيرة من حيوان الخنزير البري) .

واحدة من أهم المقاصد السياحية

و"الكفرون" واحدةٌ من سبع قرى في "سورية" لها الاسم نفسه، ستٌ منها في منطقة وادي الكفارين وهي (كفرون رفقة، كفرون زريق، كفرون بشور، كفرون سعادة، كفرون حيدر، وكفرون بدرة) وتوجد الكفرون السابعة في" طرطوس" في منطقة "الشيخ بدر".

تاريخٌ نضالي

في نهاية القرن الثامن عشر، كان للجاليات دورٌ مهم في إنشاء المدارس في القرية، كالجمعية الإمبراطورية الروسية، التي فتحت أبوابها للعامة، فأصبح معظم الشباب يتكلمون لغات أخرى إلى جانب العربية، وفي فترة الاستقلال الأولى كانت هناك ثلاث مدارس هي مدرسة خاصة في المنازل، ومدرسة "الأمريكان" ومدرسة الدولة، وساهم دير الراهبات في اتساع مجال التعليم وخصوصاً للبنات، تزامناً مع إنشاء مدرسة ثانوية في "كفرون سعادة" ومنها انتقلت الطليعة المتعلمة وتابعت دراستها في المدن، فكان طلابها من أوائل من درس الطب والمحاماة في "سورية".

واحدةٌ من سبع قرى لها الاسم نفسه

يشير "نصار" إلى أنه في فترة انتهاء الاحتلال العثماني، و بدء الاحتلال الفرنسي عام 1920، اندلعت الثورات ضد الاحتلال، وكان في "سورية" آنذاك ما يسمى بالكتلة الوطنية، و كان في "الكفرون" نخبة من الرجال أمثال الراحل "فائق نصار" الذي انضم للكتلة مع عدد من القياديين أمثال" سعد الله الجابري وفارس الخوري" وغيرهم، وقدمت "الكفرون" 17 بطلاً من أبنائها الذين تطوعوا في القوات المسلحة وأصبح معظمهم من القياديين، كاللواء "حنا حداد" الذي كان أول قائد لسلاح البحرية في "سورية"، بالإضافة إلى خيرة الأطباء والكتّاب في الوطن والمهجر.

خدماتٌ و"قبضايات"

سبقت "الكفرون" كثيراً من المدن السورية في الخدمات فقد تمّ جرُّ مياه الشرب للقرية عام 1949 أي بعد 3 سنوات من الاستقلال، كما ساهمت النشاطات أيضاً بدعم المشاريع الخيرية التي بدورها شقّت ورصفت الطرقات بأيدي شيبها وشبابها وتمّ مد قنوات الري لسقاية المزروعات في الأراضي الزراعية.

عرفت "الكفرون" أيضاً صناعة الحرير الطبيعي

وحسب قول "نصار" فقد عرفت "الكفرون" أيضاً صناعة الحرير الطبيعي واستقطبت أوائل المشاتل الزراعية في "سورية"، فكانت تصدّر خلال الموسم 250 ألف نَصبة، وجرى حل المشتل عام 1950 من قبل الدولة، وتنوعت بعدها أنواع الأشجار المثمرة بعد أن كانت مقتصرة على شجرة الزيتون فقط، ويتميز مجتمع "الكفرون" بأنه مجتمع نموذجي خالٍ من الجريمة والفوضى، لثقافة شبابه ووعيهم، ولا ننسى "قبضايات" القرية الذين اشتهروا بتصديهم لهجمات قطاعي الطرق، وغيرتهم على القرى المجاورة أثناء طلبها المساعدة .

مواسمُ الهجرة

شهدت "الكفرون" العديد من موجات الهجرة بدءاً من عام 1914، حيث كانت أبواب الهجرة مفتوحة إلى "أمريكا اللاتينية" بالدرجة الأولى مثل ( كوبا، الأرجنتين والبرازيل) وكان ذلك بسبب التجنيد الإجباري للشباب من قبل الاحتلال العثماني أو ما كان يعرف حينها بـ"الأخد عسكر"، حينها وحسب قول الباحث "نصار": "توقفت التنانير عن الخبز، وفقدت المواد، وانتشر مرض الكوليرا أو (الهوا) الأصفر، الذي حصد كثيراً من الأرواح، فكثرت الجنازات التي لم تتسع لها المقابر، فأجبر الشباب على الهجرة قسرياً، والنوع الآخر من الهجرة كان بعد فترة الاستقلال الأولى طلباً للعلم".

أيقونةُ "الكفرون"

بدوره يقدّم الأب "أنطونيوس" عرضاً لواحدة من أهم معالم "الكفرون" وهي مغارة "مار الياس الغيور" ويقول: "شأنها شأن المغاور التي تشكلت في العصر الجغراسي الذي تميز بتشكل الصخور وفلذات الحديد، في الفترة التي تتراوح بين 85 إلى 135 مليون سنة سابقاً. ومع مرور الزمن تشكّلت الصواعد والنوازل لتصبح المغارة على شكلها الحالي اليوم، ويلفت إلى تحول المغارة إلى كنيسة منذ القرن السابع عشر، بعد عدة ظهورات للنبي "إيليا" الحي في المكان، وتدور حول المغارة الكثير من القصص والروايات الشفوية، منها محاولة أهل القرية تركيب باب حديدي لمدخل المغارة، وفي اليوم الثاني كان يُرى الباب وقد خُلِع من مكانه، وفي هذا إشارة تعني أن "النبي إيليا" يريد أن تبقى المغارة مفتوحة لمن يقصدها، وهناك قصة أخرى تحكي عن العنزة السوداء التي بقيت داخل المغارة ثلاثة أيام وخرجت بيضاء اللون و لم يُعرف السبب، ويحيط بالمغارة شجر السنديان المعمّر، ويعدُّ من أمهات شجر السنديان في الساحل السوري".

تبقى الإشارة إلى أنه وفي 20 تموز من كل عام يحتفل الأهالي بعيد "مار الياس" الذي يستقطب المئات من سكان المناطق المجاورة .