لبيوت الشام القديمة قيمتها التاريخية والفنية التي صبغت فن العمارة لردح طويل من الزمن بصبغتها المتقنة التي التقت فيها الجحارة الملوّنة بالخشب المزخرف والملوّن، وزينت جدران المنازل بزخارف فنية سورية خالصة ما زالت إلى اليوم فناً راقياً ومسجلاً باسم "دمشق".

القاعةُ القديمة

ثمّة الكثير من بيوت الشام القديمة والعريقة مثل بيت "خالد العظم"، بيت "نظام"، بيت "القوتلي"، وكذلك بيت "مردم بيك" الذي سجل حضوره من خلال قاعته في متحف "دمشق" الوطني وفق ما تحدث به "وضاح مردم بيك" لمدوّنة وطن "eSyria" حيث يقول: «القاعة الشّاميّة في المتحف هي القاعة القديمة والجميلة من قسم السلاملك في منزل الجد الأكبر لعائلة "عثمان مردم بيك"، وأصبح إرثاً بملكية "جميل مردم بيك"، وفي عام 1945 وعند احتراق محلة "الحريقة" جراء القصف الفرنسي، أمر بفك القاعة الشّامية ووضعها في صناديق للحفاظ عليها من أي خراب أو عبث، وفي تلك الأثناء صدر حكم الإعدام على "جميل مردم بيك" من قبل المحتل الفرنسي فترك "سورية" ولجأ إلى "مصر" ليقضي بقية حياته هناك، وكان قد قام بالتبرع بهذه القاعة للحكومة السورية وتمّ تركيبها وحفظها في المتحف الوطني في مدينة "دمشق"».

لدينا مجموعة من الأعمال التي نفخر بإنجازها كعائلة في الكثير من دول العالم أذكر منها بيت "جنبلاط" في "بيروت" وقصر "صباح السالم الصباح"، وقصر الأمير "محمد علي" في "مصر" وكذلك القاعات الشّاميّة في بعض سفاراتنا في العالم وشركات ومكاتب السّياحة

جزءٌ من المتحف

تقول الدكتورة "نفين سعد الدين" أمينة المتحف الإسلامي: «تمثّل القاعة الشامية الاتجاهات الفنية في وقت متأخر من القرن (12 هـ = 18م) حيث نجد إلى الآن في البيوت الدّمشقيّة القديمة نماذج مماثلة، وهي بكل زخارفها وتعابيرها الفنية تعطي فكرة واضحة عن الصّناعات في تلك الآونة.. وأساس فكرة إقامة قاعة شامية في المتحف الوطني، أن كلاً من السيد "جميل مردم بيك" والسيد "عبد الرزاق باشا" قاما بإهداء المتحف الوطني أجزاء زخرفيّة خشبيّة ورخاميّة كانت تزين قاعات دمشقيّة في داريهما، فوجد الفنان "محمد علي الخياط" الذي نفذ العمل من هذه الأجزاء مادة جيدة أدخلها في كسوة القاعة، التي تمّ افتتاحها عام 1962م لتصبح جزءاً من المتحف العربي الإسلامي ولتعبر عن تزيينات القاعة الدّمشقيّة في العصر الحديث، حيث نرى التّرخيم واضحاً في المصبات والسّبيلين والمدخنة والجدران والفسقيّة والحصيرة الرّخاميّة المفروشة حولها، كما يتجلى لنا الحفر على الخشب بأنواعه المختلفة في السّقف والجدران والزّجاج المعشّق ونجد في هذه القاعة أربع نوافذ تحيط بالسقف القديم الذي يتوسطها، ولعلّ أهم التّزيينات ترسيب الجص على الخشب ثم دهنه بألوان متعددة وتذهيبه وهو ما يدعى حالياً "العجمي"، ومن القاعة الشّاميّة يمكن الخروج إلى حديقة المتحف».

الحرفي أديب محمد أوطه باشي

العجمي يزيّنُ القاعات

مرحلة تلوين الزخارف

الحرفي "أديب محمد أوطه باشي" المتخصص بالتّراث الشرقي وهو من عاش في كنفه، يعمل كما العائلة كلها من الآباء والأجداد في الزخارف الشرقية الإسلامية (العجمي)، فقد أخذوا عن السّجاد العجمي الذي يحتوي في كل سنتيمتر واحد منه ما يقارب 250 حبكة من النّقوش العجميّة النّاعمة والدّقيقة، وأسقطوا ذلك على الخشب، واستخدموه في القاعات الشّامية، حيث يبدأ العمل بها -حسب قوله-: «بأخذ مقاسات الغرفة أو الصّالة الهدف، وتحديد الأبواب والنّوافذ، ثم تصمم النّقوش والزّخارف وهي ناعمة وصغيرة في القاعات ذات السّقف القريب في حين تصبح أكبر وأخشن في القاعات ذات الأسقف العالية، وفيما بعد ترسم هذه النّقوش على ألواح الخشب لتأتي بعدها مرحلة التّنبيت ويكون بمادة خاصة لها مكونة من الجص والمواد اللاصقة (الغراء) وغيرها، فيأخذ التّصميم المظهر النافر للزخارف والنّقوش ويأتي بعد ذلك دهن هذه الزخارف بالألوان والأوراق المذهبة وتُنهى العملية بوضع المادة المثبتة، لتُأخذ هذه الألواح الخشبية وتوضع مكانها وفق التصميم المختار، كان هذا العمل قديماً يحتاج فترة تمتد لسنين بحكم أن العمل كاملاً كان يدوياً، أما الآن فنحتاج عدة أشهر لإنجاز القاعة الشّاميّة بما أصبح لدينا من معدات وآلات حديثة».

ويختم الحرفي "أديب" حديثه بالقول:« لدينا مجموعة من الأعمال التي نفخر بإنجازها كعائلة في الكثير من دول العالم أذكر منها بيت "جنبلاط" في "بيروت" وقصر "صباح السالم الصباح"، وقصر الأمير "محمد علي" في "مصر" وكذلك القاعات الشّاميّة في بعض سفاراتنا في العالم وشركات ومكاتب السّياحة».

الحرفي محمد علي الخياط