لم يكن شغف إنبات شجيرات النخيل كحالة غير مسبوقة في مدينة "بانياس" بالنسبة للمزارع "أحمد طالب"، مجرد عمل زراعي يقوم به بهدف تحسين وإنتاج سلالات أكثر مطابقة للأشجار الأصل فقط، وإنما أيضاً لنشر ثقافة زراعة هذه الشجرة في المنطقة الساحلية، كونها زراعة ذات مردود اقتصادي عالٍ يمكن أن تحقق فرص عمل جديدة إذا ما أُحسِن استثمارها على الوجه الأمثل.

بعد تجارب

ظلت زراعة أشجار النخيل محصورة بالبيئة الصحراوية، فغالبية أشجار التمر الموجودة في المنطقة الساحلية مستقدمة من البادية، حيث كان الهدف من زراعتها غالباً الرفاهية أو لأغراض الزينة، ولكن بالنسبة للمزارع "طالب" كانت الحال مختلفة، فمنذ أن عاد من "لبنان" حيث كان يعمل كنجار موبيليا، حمل حب زراعة أشجار النخيل تيمناً بأصدقاء العمل هناك، وما شاهده من نتائج إيجابية لهذه الزراعة.

تمكنت خلال عمليات الزراعة من تحقيق مبدأ الزراعة العضوية انطلاقاً من الإنبات والتغذية وصولاً إلى المكافحة الحيوية، وهذا قلما ينجح في بيئة مثل بيئتنا تنتشر فيها زراعة البيوت المحمية، وكذلك مراحل الإنضاج الطبيعي دون اللجوء إلى التخمير

عمل "طالب" في البداية على تطوير مهاراته عبر المواقع التخصصية بالزراعة على شبكة الإنترنت، كما أنه انضم للعديد من المنتديات الزراعية العربية والعالمية نتيجة نجاح تجاربه بالإنتاج المبكر من عمر الشجرة، لينقل تجربته فيها للآخرين.

شجيرات التمر بجانب المنزل

فضمن محيط منزله الصغير في قرية "القرير" جنوب مدينة "بانياس" كان مشتله ومكان تجاربه الدائم على مساحة /450/ متراً مربعاً تقريباً.

وحسب حديثه لمدوّنة وطن eSyria، يقول: «في البداية زرعت عدة أنواع لأختبر أجودها من الناحية الزراعية ومن الناحية الإنتاجية وجميعها كانت ناجحة ولكن بمستويات متفاوتة، وهذا دفعني لمحاولة التهجين وإنتاج سلالات محسنة جامعة الحلاوة والطراوة والحجم الكبير وكثافة الإنتاج، ولكن هذا لم يتحقق بسهولة ومن المرة الأولى وفق ما توقعت، وبعد تجارب عديدة على مدار عشر سنوات حصدت النجاح بنسبة تجاوزت 80% مقارنة مع طموحاتي السابقة، ومنها أني أنتجت أشجاراً متوسطة الطول تنتج البلح بعمر ثلاث سنوات فقط، أي أقل من العمر الافتراضي للإنتاج بما يزيد على أربع سنوات، وهذا غير مسبوق في "الساحل السوري" بحسب مواقع الإنترنت التخصصية إن لم يكن في "سورية" أيضاً، وكذلك أنتجت الفسائل من الشجرة الأصل عبر زراعتها بالتراب قبل عزلها عن الشجرة الأصل، وهي تجربة لم أعلن نتائجها الجيدة بعد، وستكون أولى الفسائل هدية لصديقي القديم في "لبنان" الذي أحببت هذه الشجرة منه».

أحمد طالب

ويضيف: «تمكنت خلال عمليات الزراعة من تحقيق مبدأ الزراعة العضوية انطلاقاً من الإنبات والتغذية وصولاً إلى المكافحة الحيوية، وهذا قلما ينجح في بيئة مثل بيئتنا تنتشر فيها زراعة البيوت المحمية، وكذلك مراحل الإنضاج الطبيعي دون اللجوء إلى التخمير».

أصناف متعددة

زرع "أحمد" عدة أصناف مميزة من أشجار التمر، منها "البرحي الفرنسي والمجهول الأردني والدكلة النور الجزائري والزغلول المصري"، وأنتج منها أصنافاً محسنة مطابقة لمواصفات الأشجار الأصل، ضمن مساحته الصغيرة غير عابئ بما يشاع من أن جذورها القوية قد تؤثر في أساس المنزل، فهو مدرك تماما -حسب قوله- أن جذور أشجار النخيل وتدية تخترق أعماق التربة وليست ليفية تنتشر على السطح، فضلاً عن جهوده في مساعدة الأزهار حين تفتحها أو كما تسمى "العلز" على تمام التلقيح لضمان الإنتاج الوفير، وذلك عبر التلقيح الصناعي من الأزهار المذكرة التي تمكّن من تخزينها والاحتفاظ بها ضمن أوعية خاصة وبدرجات حرارة مناسبة دون أن تفسد، كما أنه تمكن من عمليات التكريب "التقليم" في الأيام الباردة المؤهلة لهطول الأمطار، بعد عدة تجارب لضمان تكريب جيد وناجح.

بلح زغلولي

زراعة اقتصادية

المهندس الزراعي "أحمد حمزة" أكد أن تجارب زراعة النخيل في المنطقة -حتى الآن- فردية في الغالب ولا يوجد مشروع متوسط أو كبير، على عكس ما يحاول "أحمد طالب" تقديمه بمشروعه ضمن حديقة منزله الصغيرة، حيث يسعى للإنتاج على مستويات كبيرة تصل لحد الاستثمار، وهذه خطوة غير مسبوقة وجريئة في ظل الظروف الحالية، ولكن يمكن القول أن تجربته ناجحة وجديرة بالاهتمام وذات مردود اقتصادي جيد جداً، كما أنه تمكّن من خرق الحالة العامة لزراعة هذه الأشجار في الساحل من التزيينية إلى الزراعة الاقتصادية.