لم تنقطع العروض المسرحية عن خشبة مسرح "السويداء" طيلة السنوات الماضية، بل تواصلت رغم الظروف الصعبة وقلّة الإمكانيات والدعم اللوجستي، وهو ما يعكس حرص الفنانين وإصرارهم على العمل وتقديم عروضهم المسرحية رغم كل الصعوبات، بل والإبداع والتجديد في العروض التي لاقت صدى إيجابياً وأثمرت جوائز وشهادات تقدير في المهرجانات المسرحية.

تكنيك مسرحي

الممثل والمخرج المسرحي "معن دويعر" نقيب الفنانين في "السويداء" يقول في حديثه لموقع "مدوّنة وطن" eSyria": «إنّ أي تجربة يخوضها الممثل المسرحي هي مسؤولية جديدة لتقديم الإضافة وتحريض حالة البحث المستمر لديه، حتى لا يقع في فخ التكرار والاستسهال، ولهذا يبقى الممثل هاوياً يجهد بشغف مستمر لتقديم الجديد والأفضل خاصة عند تناوله نصاً عالمياً معروفاً ومشهوراً، أو عملاً معروضاً على المسارح العالمية، فهنا تكون المسؤولية أكبر من خلال تقديم الأفضل وخلق تعابير وإضافات تقنية تجعل من النص المعروض ذي خصوصية محلية».

إذا ما تحدثنا عن العناصر المسرحية المهمة وأسباب نجاحها وتحقيق حضورها المستمر، سيكون الدور الأكبر -بلا منازع- للجمهور، لأنه الشريك الأساسي في الاستمرار والتقييم، وجمهور "السويداء" متميز بذوقه وأسلوب تعاطيه مع الأعمال المسرحية بعمق تحليلي للنص والأداء والهدف، ولعل ما قدمه الجمهور من دعم معنوي جعل المسرح يعيش حالةَ انتعاش وقوةً وإبداعاً متجدداً ضمن عناصره المتكاملة وتقنياته المحدودة

ويضيف: «تكمن جمالية تقنيات المسرح في أهمية إنجاز أعمال مسرحية احترافية ذات جودة إبداعية، فالمسرح ليس فقط أبو الفنون كما وُصِف، ولكنه انبثاق للعديد من الإبداعات، وبات يشكل انفعالات مسرحية وفنية تحتاج إلى تقنية عالية وتكنيك مسرحي منسجم مع معطيات النصوص، ولهذا فالمسرح هو فن الممثل أولاً لأنه يحتاج الى تكامل في عناصره الفنية مثل الإضاءة والإكسسوار والأزياء والمكياج والموسيقا، إضافة إلى "السينوغرافيا".. الجامعة للعناصر لتقديم رؤية إخراجية خاصة إبداعية تقوم على مزج تلك العناصر بعمل تشاركي وتشكل في النهاية الوحدة الجمالية المتكاملة للعمل المسرحي، بحيث يظهر جماله أثناء العرض، وهذه الوحدة الجمالية المنسجمة ما بين الحياة والحركة والإبهار، تجتمع لصنع عمل جديد يخرج في إطاره العام برؤية فنية تحمل ثقافة ورسالة اجتماعية إنسانية وتنم عن استعراض لأفكار إخراجية يكون فيها كل عنصر قد تم توظيفه في العرض المسرحي بدلالة ورمزية تخدم الرؤية المسرحية».

الفنان معن دويعر

إشكاليات

الفنان أكرم العماطوري

ويتابع الفنان "دويعر" بالقول: «ما نواجهه هو مشكلة نقص الإمكانيات اللوجيستية إذ لا يوجد في "السويداء" سوى مسرح واحد وهو مسرح مديرية الثقافة المجهز فنياً وتقنياً بنسبة لا تتجاوز 30%، والعروض المسرحية تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير الأمر الذي يشكل عائقاً تقنياً، وهنا تقع على الفرق المسرحية العاملة مسؤولية إيجاد الحلول والبدائل واللجوء إلى الابتكارات والاختراعات بنوع من التحدي لاستكمال نواقص التقنيات، كذلك الأمر يحتاج إلى تضحية شخصية كما فعل أحد الزملاء وهو الفنان المسرحي "أكرم العماطوري" حينما قدم خشب غرفة نومه قبل زواجه لإعداد ديكور أحد العروض المسرحية وكان ذلك تضحية مميزة، بالمقابل ومنذ سنوات هناك ملف مطروح من نقابة الفنانين لتجهيز وتأهيل مسرح التربية لوجستياً ليكون مجهزاً لاستقبال العروض، ما قد يخفف عن مسرح مديرية الثقافة ويكون عاملاً مساعداً في إنجاز الكثير من العروض والاستفادة منه للـ(بروفات) والتدريبات نظراً لازدحام النشاطات المتنوعة من صنوف الأدب والفن والعروض المسرحية».

بأقل الإمكانات

وعن ديمومة العروض المسرحية رغم نقص التقنيات يبين الفنان المسرحي "أكرم العماطوري": «ما يميز مسرح "السويداء" الديمومة التي لم تنقطع رغم الظروف الصعبة، فطيلة العقود الأربعة الماضية لم تنقطع العروض المسرحية وظل التنافس على الإبداع سائداً بين الفرق المسرحية العاملة، التي كان شغلها الشاغل المساهمة في تطوير عمل المسرح من خلال تذليل المعوقات والبحث والتجديد وكشف المواهب الشابة على ساحة المحافظة، وقد أثبتت المواهب الشابة جدارتها ورغبتها وموهبتها على الساحة الفنية، حتى تخرج منهم العديد من المعهد العالي للفنون المسرحية، ووصل القسم الأكبر منهم إلى النجومية، هذا التنافس هو حالة بحث العاملين بالمسرح في إطار النواحي العلمية التقنية والعملية الفنية، وهذا أثمر أكثر من ست عشرة جائزة حققها مسرح "السويداء" في مهرجانات مسرحية، وكانت على صعيد الفرق والممثلين والإخراج والنص، ولعل الأصوات التي تعالت مطالبة بتجديد مفاهيم تقنيات المسرح دفعت، خلال السنوات العشر السابقة، للعمل على إحداث أقسام جديدة في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومنها قسم التقنيات المسرحية وقسم "السنغرافيا" وقسم الرقص والباليه، وعدد كبير من الخريجين كانوا من "السويداء"».

من أحد العروض المسرحية

التجديد

ويشير "العماطوري" بالقول: «يؤكد العاملون في المسرح على الاحترافية العالية والمهنية الرفيعة والتجديد، وحين قدمنا عرضاً بعنوان "إسأل روحك" استخدم المخرج "معن دويعر" ولأول مرة في تاريخ المسرح السوري الضوء الفوسفوري، وهذا ما يعد تمرداً على المذاهب المسرحية، كما أنّ التعاون يجعل العمل أكثر ارتباطاً بالجمهور وأكثر تفاعلاً معه، ولدينا هدف وهو أن المسرح حالة ثقافية تربوية، والفكر المسرحي هو انسجام جذاب لأفكار ورؤى وتجارب يربط فيما بينهم خيط سريالي كما حدث معنا في العرض المسرحي "الكابوس" كعمل واقعي وصل إلى الطبقة المجتمعية بواقعية راهنة، وشكل تفاعلاً ملحوظاً على الساحة المحلية والثقافية والفنية».

ويضيف "العماطوري: «إذا ما تحدثنا عن العناصر المسرحية المهمة وأسباب نجاحها وتحقيق حضورها المستمر، سيكون الدور الأكبر -بلا منازع- للجمهور، لأنه الشريك الأساسي في الاستمرار والتقييم، وجمهور "السويداء" متميز بذوقه وأسلوب تعاطيه مع الأعمال المسرحية بعمق تحليلي للنص والأداء والهدف، ولعل ما قدمه الجمهور من دعم معنوي جعل المسرح يعيش حالةَ انتعاش وقوةً وإبداعاً متجدداً ضمن عناصره المتكاملة وتقنياته المحدودة».

الجدير بالذكر أنّ أكثر من 34 عرضاً شهدها مسرح "السويداء" منذ عام 2013، نال الفنانون أكثر من ست عشرة جائزة بين جوائز المهرجانات المشاركة والمقامة.