ليس من قبيل الصدفة أن يكون شعارُ المسرح الدائم وفي كل مكان القناعينِ (الضاحك والباكي) اللذين يشيران إلى نوعَي الدراما المسرحية التراجيديا والكوميديا، فالأقنعة تشكل جزءاً من الرؤية السينوغرافية للعرض المسرحي.

من عمر المسرح

حول استخدامات الأقنعة يحدثنا "جوان جان" الكاتب والناقد المسرحي ورئيس تحرير مجلة "الحياة المسرحية" قائلاً: «استخدم الفن المسرحي الأقنعة منذ سنوات نشأته الأولى في مرحلة المسرح الإغريقي قبل الميلاد، انتقالاً إلى المسرح الروماني ومسرح العصور الوسطى، وكانت هناك أقنعة خاصة بشخصيات الرجال وأخرى بشخصيات النساء، وكانت تعابير وملامح الأقنعة تعبّر عن الحالات النفسية والحسية المختلفة للشخصيات كحالات الغضب والفرح والدهشة».

القناع المسرحي المعبّر هو الذي يشتمل على كل المعلومات الخاصة بالشخصية المسرحية كالحالتين الاجتماعية والنفسية الخاصتين بها، عمر ومزاج الشخصية وغير ذلك باستعمال الرسوم والألوان

وفيما يتعلق بصناعتها يقول: «يتم تغيير الأقنعة عند الممثل الواحد وقت الضرورة، وكانت تُصنَع من الأقمشة التي تغطى بطبقة من الجص ويرسم الرسام على القناع ملامح الوجه ولون البشرة ويخطط الشفاه والحواجب، وكان الشعر المستعار واللحى المستعارة من لوازم الأقنعة المكملة للمظهر العام، بينما يكون حجم القناع أكبر من حجم الوجه الطبيعي حيث يغطي الوجه ويصل إلى أسفل العنق ويُثبّت بواسطة أربطة تُربط من أسفل الذقن، وكان الممثل يستطيع إزاحة القناع إلى الخلف أثناء الاستراحة، ومع مرور الزمن طرأت تعديلات على طبيعة الأقنعة بحيث أصبحت أكثر قدرة على التعبير عن مختلف الانفعالات والحالات، وكانت الأقنعة المستخدمة في الأعمال الكوميدية تعتمد على المبالغة في التفاصيل، بينما اعتمدت الأقنعة الخاصة بالعروض التراجيدية على الصرامة والجديّة في الملامح، كما كانت الأقنعة تشير إلى المستوى الاجتماعي والطبقي للشخصيات».

في مسرح الطفل

في العروض المحلية

في مسرح "أيمن زيدان"

في مسرحنا السوري -بحسب "جوان جان"- عُرِف المخرج "أيمن زيدان" باستخدامه للأقنعة، وخاصة في عروضه التي قدمها في السنوات الأخيرة مثل "ثلاث حكايا"، "دائرة الطباشير" و"فابريكا" وكان الهدف دائماً مرتبطاً بطبيعة الشخصيات متعددة الوجوه والاتجاهات، وبما يشير إلى تعددية الحالات المقدمة وتنوعها وتحولاتها، ولكن ما يخشى في تكرار استخدامها في عروض المخرج الواحد استنفاذها لأغراضها وتحولها إلى نوع من أنواع الزينة البصرية لا أكثر.

دلالات

القناع المعبّر هو الذي يحتوي على كل ملامح الشخصية المسرحية التي يلعبها الممثل، هذا ما تبينه "إيمان عمر" مصممة ومحركة دمى بقولها: «القناع المسرحي المعبّر هو الذي يشتمل على كل المعلومات الخاصة بالشخصية المسرحية كالحالتين الاجتماعية والنفسية الخاصتين بها، عمر ومزاج الشخصية وغير ذلك باستعمال الرسوم والألوان».

وترى "عمر" أن استخدام الأقنعة يسهّل على الممثل أداء الأدوار المختلفة في المسرح نظراً لضيق الوقت بين الأجزاء، وخاصةً أن العروض المسرحية تتسم بالعرض المباشر أمام الجمهور.

مبينةً أن فن إعداد الأقنعة بجميع أنواعها يعدُّ من الفنون المُمتعة والمسلية ويصنعها العديد من الناس من باب التسلية أو لكسب الرزق، وأنه من المُفيد أن يعرف الشخص كيفيّة صُنع الأشياء المُماثلة حتّى تتوسّع معرفته الفنيّة ومقدرته على الإبداع.

في مسرح الطفل

وتكمل "عمر" بقولها: «القناع يعد من أهم التقنيات المسرحية التي استعملها المسرح الإنساني في التاريخ المسرحي القديم، وقد استخدم كثيراً في المسرح اليوناني للتعبير عن القيم الإنسانية المتناقضة، كما استعمل للتعبير عن الحالات النفسية المختلفة التي يكون عليها الإنسان، فالقناع هو الذي يعكس لنا الشخصية فوق خشبة المسرح، وهو أيضا بمنزلة (مكياج) يحدد سمات الممثل الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، ويبين أدوار الممثل ووظائفه الدرامية، وقد استعان مسرح الطفل كثيراً بتقنية القناع نظراً لوظائفه العديدة وخاصة وظيفة التأثير في الجمهور إيجابا أو سلباً».

ارتباطها بالهدف

تبين "منور العقاد" فنانة وسينمائية سورية ومحاضرة في المعهد العالي للفنون المسرحية أن الأقنعة لا تندرج حصراً كمادة مستقلة يتم تدريسها للطلاب في المعهد بل هي جزء من الرؤية السينوغرافية للعرض المسرحي.

موضحةً أن المواد التي تصنع منها هي اللدائن الورقية، (السيلكون) الرزين، وأنه يتم تصنعيها على مراحل بدءاً من تصميم النسخة الطينية أو النسخة المنقولة مباشرة ثم القالب وصولاً إلى النسخة المستخدمة، حيث يتم إخراجها النهائي وفق التصميم المراد بالتلوين أو بألوان واحدة أو برونزية حسب رؤية المصمم والهدف المراد منها.

مؤكدة إمكانية استخدامها في أعمال الأطفال المسرحية أو التلفزيونية والسينمائية.

نشير إلى أنّ اللقاءات جرت بتاريخ 16 أيلول 2021.