امتاز الحلبيّون بحفاظهم على التقاليد الشعبية المأثورة في مناسباتهم، ومن أهم تلك التقاليد ارتداؤهم اللباس العربي القديم في الأعراس والأفراح والعراضات، وهو عبارة عن عدة قطع لها ترتيبها ورونقها وتوقيتها الخاص بها، مما يعطي الشخص الذي يرتديها الهيبة والوقار والاحترام.

ولعلّ خير من جسّد وحافظ على هيبة وجمال اللباس العربي في مدينة "حلب"، فرق الرقص للأعراس والحفلات، التي بات وجودها ضرورياً وركناً أساسياً من أركان ومقومات نجاح تلك الأعراس والمناسبات الاجتماعية الخاصة والعامة، وحتى الآن ما زال البعض من كبار وقدامى أهل المدينة محافظين على هذه العادة الموروثة.

اقتصر اللباس العربي اليوم على الأفراح والمناسبات بينما كان أهل "حلب" في السابق وبمختلف أعمارهم يرتدون هذا الزي في أعمالهم وأسفارهم وفي أحزانهم أيضاً

أصالة وتراث

موقع مدوّنة وطن "eSyria" استضاف رئيس فرقة الرقص العربي لأحياء التراث بـ"حلب" "حمزة بابللي" الذي شرح لنا قيمة وأهمية وجمال ارتداء اللباس العربي لأعضاء فرقته، وكذلك بقية أفراد المجتمع ممن يعشق ويهوى هذا النوع من اللباس التراثي القديم.

رئيس فرقة التراث للرقص العربي حمزة بابللي

يقول "بابللي": «خير من حافظ وارتدى اللباس العربي في "حلب" فرق الرقص العربي، ومن أبرز هذه الفرق، فرقة الراحل "جمال كرمان" "أبو لطفي"، وكذلك فرقة "أبو حسن الشامي" بحي "طريق الباب"، وفرقة "فاخر نيال" و"الأبرص" و"الحافظ" وغيرهم.. وبالنسبة لي لدي فرقة للرقص مؤلفة من أربعين عضواً تحت التدريب وخمسة عشر راقصاً مدرباً وجاهزاً لتقديم الرقصات والمقطوعات، وعمر فرقتي يفوق الأربعين عاماً وهي تقدم مختلف أنواع الرقصات من السماح والمولوية والموشحات الأندلسية والشيخانية والثقيلة، ونقدم كلّ عروضنا باللباس العربي الكامل، الذي يعدُّ مكلفاً وغالياً ليس في الوقت الحالي فقط بل منذ القدم، لكننا نتساعد بشراء اللباس وتقديمه لأعضاء الفرقة، ولكل قطعة نوعية خاصة من القماش، وأهم من أبدع في خياطة اللباس العربي في سوق المدنية بـ"حلب"، "أبو عبدو كنجو" و"أبو حسين المزيك" و"أولاد الإدلبي" و"الحوري" وآخرون غيرهم».

مكوّنات مكلفة

يتألف اللباس العربي الخاص بالأعراس حسب قول "بابللي" من"العرقية" التي توضع فوق الرأس وفوقها تأتي "السمنية" (الحطة) وهي من الحرير البلدي، ثم القميص من (الملس القطني) وهو محلى بتطريز الأكمام مع الياقة، لتأتي بعده الصدرية بالخرج العربي، يليها "الشروال" الفضفاض ويشد بالشال العجمي، وفوق كل هذا اللباس هناك المعطف (الملتان) الخارجي وهو مشغول بالإبرة وهو غالي الثمن ويشغل لدى المساجين، ويستغرق إنجازه زمناً يفوق الشهرين، وأخيراً تأتي المنطوفة (الحذاء الأحمر أو الأسود)، وهناك بعض الإضافات للتجميل مثل الخواتم باليد والمسابح (الكاربا) والباكورة و(الجزدان) وأخيراً المحارم باليد، وأغلب قطع هذا اللباس من القماش الإنكليزي وقد تفوق قيمة اللباس في الوقت الحالي النصف مليون ليرة سورية، إضافة لشراء السيوف الشامية والدروع والنبوت، وهناك نوع وزيّ أرخص للباس العربي، وهو مؤلف من ثلاث قطع أساسية، على شكل طقم مؤلف من (كلابية) و(جاكيت) باللون نفسه وسمنية فوق الرأس.

الشاعر الغنائي صفوح شغالة يتوسط فرقة جمال كرمان

مع كبار الفنانين

الرقص واللباس العربي تراث تتناقله الأجيال

بمثل هذا اللباس -يقول "بابللي"- : «قدمت فرق الرقص العربي عروضها، وخاصة أمام كبار الفنانين ومنهم "صباح فخري" والراحل "محمد خيري" و"أبو حسن الحريتاني" و"حمام خيري" و"شادي جميل" و"سمير جركس" وصفوان العابد" ومن المنشدين "حسن حفار" و"أديب الدايخ"، وبقية مطربي المدينة، كما سافرت هذه الفرق إلى الكثير من دول العالم مشاركة مع أهم المطربين المحليين ولفتت الأنظار إليها بجمال ما قدمته من رقصات فلكلورية وتراثية عربية أصيلة لاقت إعجاب الجمهور العربي والأجنبي».

ويشير "بابللي" إلى أبرز الرقصات التي تؤديها فرق الرقص بلباسها العربي، وهي (رقصةُ السيفين والحكم بين شخصين مرة وبين أربعة مرة أخرى، وكذلك لعبة النبوت)، ويتم إشراك وتدريب بعض الأطفال بفرق الرقص وبزي لباس الكبار نفسه لتشجيعهم وإدخالهم في الجوّ التراثي والفني إلى جانب كبار الراقصين.

وحسب كلام "البابللي": «اقتصر اللباس العربي اليوم على الأفراح والمناسبات بينما كان أهل "حلب" في السابق وبمختلف أعمارهم يرتدون هذا الزي في أعمالهم وأسفارهم وفي أحزانهم أيضاً».

شهادات فنية

الشاعر الغنائي "صفوح شغالة" يقول في مذكراته: «بعد عودتي من "القاهرة" وبينما كنت جالساً بمقهى "بارون" أحتسي القهوة فجأة دخلت علينا فرقة للرقص العربي قائدها "جمال كرمان"!.. لفت نظري جمال لباسهم من الأعلى للأسفل وبشكل موحّد ومرتّب، وأعجبني جداً زيّهم ومباشرة أمسكت الورقة والقلم وكتبت:

قوموا لنرقص عربية

ونورجي ها العالم فنا

نحن شباب الحلبية

خلقت ها الرقصة النا

رقص العربية مأصل

لبسها عا الكيف مفصل

يرحم عينين إلي وصل لبس العربية النا

هاتوا الترس وجيوا السيف

الي راحت ايامن يا حيف

هاتوا الدلة وحيوا الضيف

يا فرحة تعي لعنا

وهذه الكلمات غناها ولحنها الفنان "نهاد نجار" لتصبح فيما بعد أيقونة الطرب الحلبي في الأعراس والحفلات.

بدوره يقول المطرب الشاب "عبود حلاق": «أفخر وأعتز بمشاركة فرق الرقص بكل حفلاتي من خلال لباسهم المطرّز والجميل وتقاليدهم ومحافظتهم على هذا النوع من التراث والفلكلور.. هذه الفرق تطرب الجمهور الحاضر بجمال ما تقدمه من لوحات رقص وألعاب بالسيوف والحكم والنبوت، يصفق لها الحضور وتكون سبباً في نجاح تلك الحفلات».

جرى اللقاء بحي "الحمدانية" داخل منزل رئيس فرقة الرقص العربي للتراث "حمزة بابللي" بتاريخ الثالث والعشرين من شهر آب لعام 2021.