تعيش جبال القلمون الغربية والشرقية مع المدن والقرى المحيطة هناك، كعلاقة المعصم بـ(الإسوارة)، وتحديداً الجبل الشرقي لمدينة "دير عطية" الذي تعيش فيه "كنوز مخفية من النباتات الطبية والحيوانات والطيور البرية" هكذا بدأت المهندسة "ليلى مرمر" رئيسة الوحدة الزراعية في "دير عطية" حديثها لـ"مدوّنة وطن" وهي تشير في يدها إلى الجبل الشرقي، الذي تحوّل بفضل الرعاية والاهتمام من قبل الأهالي والجهات المعنية، إلى محمية طبيعية نادرة من النباتات الطبية والعطرية التي تنمو في هذا الجبل وأوديته بصورة طبيعية، دون تدخل الإنسان مكونة ما يعرف بـ" الصيدلية البرية المفتوحة".

كنوز طبيعية

تصف "مرمر" النباتات التي يضمها الجبل الشرقي لمدينة "دير عطية" المطل على البادية السورية بـ"الكنوز غير المستغلة" التي تنتشر في جبال وأودية منطقة القلمون، وتنتظر من يستثمرها.. إنها ثروة هائلة من النباتات الطبية والعطرية التي حبا الله بها المنطقة سواء المزروعة منها أو البرية التي ينمو تلقائياً في أماكن مختلفة.

وتشير "مرمر" في معرض حديثها الى أن الجبل الشرقي يضم العديد من الأشجار المثمرة، إذ تبلغ المساحة المزروعة بالفستق الحلبي 2950 هكتاراً، فيما يبلغ عدد الأشجار فيه 674200 شجرة، في حين هناك 702 هكتار مزروعة باللوز البعل وأن عدد الأشجار وصل الى 169500 شجرة، مع الإشارة إلى أن أشجار الفستق الحلبي هي عبارة عن أشجار بطم مطعمة بفستق حلبي وسبب عدم حملها يعود إلى انخفاض نسبة الرطوبة الجوية .

جبال القلمون.. أعشاب برية مختلفة

إرث جيولوجي

محمية طبيعية

وتمتلك جبال القلمون كما الجبل الشرقي فيها إرثاً جيولوجياً كبيراً، حيث يوجد الكثير من الكهوف الطبيعية الكبيرة وتكاد تحتوي جميع الأودية الجنوبية للجبل كهوفاً جديرة بالدراسة خاصة "الوادي الأبيض"، ونتيجة لذلك قامت الجهات المعنية في مدينة "دير عطية" بإنشاء متحف نباتات جبل "دير عطية" في الوادي الأبيض وهو يعرض صوراً ضوئية لكل النباتات وبعض المجسمات للحيوانات التي كانت موجودة في الجبل وقد صمم المتحف على الطراز المعماري المحلي.

ولا تتوقف جبال القلمون عند حدود ما تضمه من مئات الأنواع من النباتات العطرية، فالجبل الشرقي يزخر بوجود الكثير من الحيوانات البرية التي ما زالت تعيش وتتكاثر نتيجة لقلة الاستيطان البشري، ووجود الفرائس و ازدهار الغطاء النباتي في كثير من الأودية ما ساهم في توفر الحيوانات العاشبة التي تشكل الحلقة الأساسية لوجود الحيوانات البرية المفترسة

متحف النباتات في دير عطية

حيوانات برية

ويشير يوسف أحمد دعبول (أبو نزار) أحد المتطوعين المتابعين لشؤون الجبل الشرقي في القلمون في حديثه لـ"مدونة وطن" إلى أن الضبع الذي ما زال يرتع في كثير من أرجاء الجبل على قمة عائلة الحيوانات المفترسة، حيث يعد هذا الجبل الوحيد محلياً المخصص لحماية هذا النوع من الحيوانات وغيرها المهددة بالانقراض، كما يأتي الثعلب كأحد أبرز الحيوانات بعد الضبع، إضافة إلى وجود الذئب وحيوانات أخرى مثل النيص، غرير العسل، الأرنب البري، وغيره وهي تعتمد في غذائها على الأنواع العاشبة وعلى صيد الطيور خاصة الحجل العربي.

ويؤكد دعبول أنه في الجبل الشرقي تعيش أنواع عديدة من الطيور البرية مثل القطا والحجل العربي وحمامة الصخور والمغرد العربي والأبلق والصرد الدغناش والبومة والصرد الرمادي .

أودية طبيعية

وعلى حد قول دعبول، فالجبل يضم الكثير من الأودية ذات القيمة الطبيعية لكثير من النباتات والحيوانات التي تعيش وتتكاثر داخلها، وتعدُّ أودية "الجعيلة، الفرنج، المغدن، الشعب، الصنديانة الصغير، الصنديانة الكبير، الرعونة، العين، الأبيض الشمالي، خبره" أشهر الأودية الموجودة في الجبل الشرقي، وكما يعد الوادي الأبيض، من أكبر الأودية وأهمها هناك، ومن هذا المنطلق قامت الجهات المعنية في منطقة القلمون بإغلاق مداخل الأودية للجبل الشرقي بهدف منع دخول الأفراد إليها إلا بتصريح وذلك لما تمثله من مقومات طبيعية وسياحية قيّمة.

توازن بيئي

ويرى الأخصائي بالمصادر الوراثية للنباتات الطبية الدكتور نورس الأبرص رئيس قسم التنوع الحيوي في الهيئة العامة للتقانة الحيوية في وزارة التعليم العالي أن منطقة القلمون بتنوع بيئاتها ونقاوتها تعد من أكثر المناطق أهمية في "سورية" لاحتوائها على العديد من الأنواع النباتية النادرة على المستوى المحلي وبعضها على مستوى التنوع النباتي العالمي.

ويشير الأبرص في حديثه لـ"مدونة وطن" إلى أن هذا التنوع البيئي المنظم للجبل الشرقي في "دير عطية" احتاج الى آلاف السنين للوصول إلى ما هو عليه الآن، وبرغم حدوث بعض التعديات التي طالت بعض المواقع في منطقة القلمون تبقى الأكثر سلامة واستقراراً في توازنها البيئي، فالجبل الشرقي في هذا الجزء من منطقة القلمون والمصنف منطقة استقرار رابعة على تخوم الخامسة أي على حدود البادية السورية يزخر بأنواعه البرية النباتية منها الحيوانية عالية القيمة البيئية والاقتصادية.

ومصادر وراثية

ويبين الأخصائي أنه في الجبل الشرقي تنتشر العديد من الفصائل النباتية بأنواعها المختلفة والتي تمثل مصادر وراثية للعديد من الأنواع الاقتصادية، فالمصادر الوراثية للنباتات الطبية والرعوية من أهم وأكثر المصادر ارتباطاً بمعيشة جزء من المجتمع المحلي، وهي ذات نوعية عالية القيمة العلفية، كنبات الروثا والعزم والرخل السوري وغيرها، أما النباتات الطبية فهناك على سبيل المثال نبات الشيح العربي والقيصوم والبابونج الذهبي والخيتمية وغيرها الكثير، وفي الوقت نفسه تنتشر العديد من الأنواع الطبية الهامة كالبابونج الذهبي والبوصير وغيره ومن جانب آخر توجد مصادر وراثية لبعض الأنواع التي يتم تناولها.

ولفت الى أن في الجبل الشرقي تنتشر شجرة اللوز الشرقي ذات الفوائد الطبية في بذورها وإمكانية استخدام غراسها كأصول تطعم عليها أنواع من اللوزيات الخوخ الجانرك والمشمش واللوز الحلو حيث يعد من الأصول مقاوم لظروف المنطقة القاسية.

دراسات بيئية

ولم يغفل الأبرص المساهمات التي أقيمت في المنطقة للحفاظ على التنوع الحيوي في الجبل الشرقي، كإجراء بعض الدراسات البيئية والتصنيعية، كما أجريت العديد من التجارب لاستدراج أهم الأنواع النباتية البرية في الجبل الشرقي بغية الاستفادة منها والحفاظ على مخزونها الوراثي، وبمهمة أخرى برزت نشاطات أخرى بتعاون عدة جهات أهمها المجتمع المحلي كإنشاء متحف النباتات البرية في الجبل الشرقي وحديقة للتنوع الحيوي النباتي، وهنا تبرز أهمية التوعية الشعبية لقيمة التنوع الحيوي بشقيه النباتي والحيواني من خلال نشاطات تتمحور حول هذا المفهوم وأهميته، وقد نفذت بعض هذه النشاطات غير أنها تحتاج للتطوير والاستمرارية بالتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال على رأسها وسائل الإعلام والجهات الرسمية في المنطقة والمجتمع المحلي.