على الرغم من تطور الحركة العمرانية في "دمشق"، ظل مقهى "الهافانا" العريق محافظاً على ملامحه وتاريخه وبعضٍ من معالمه القديمة، التي كان عليها في تسعينيات القرن الماضي، وتمرّ السنوات ومعها العديد من القصص والحكايا ويظل المقهى متنفساً للزوّار ومكاناً لراحتهم رغم زخم الحياة المحيطة به، والتي لم تؤثر كثيراً في خصوصيته وتفرده كأحد المقاهي القديمة الموجودة في دمشق.

الهروب إلى عالم آخر

كان القدوم إلى "الهافانا" يومياً لدى البعض، أشبه بالهروب من عالم إلى عالم آخر، لا يشبه الواقع المليء بتفاصيل الحياة الروتينية وغيرها، بحسب ما قال المصور الصحفي والفنان التشكيلي "جورج عشي" في حديثه لمدوّنة وطن، فقد كان المقهى بالنسبة له ملهماً للحياة بكل جوانبها، ومبعثاً للإحساس بالدفء والطمأنينة، ومكاناً لاستثمار الوقت أكثر أثناء وجوده في "دمشق"، فكل يوم كان لا بدّ من سرد الحوارات الصباحية عن الفن والشعر والأدب، والعودة إلى بعض ذكريات الماضي ثم التحدث فيما بعد عن بعض هواجس المستقبل.

ويضيف: "كنت أجلس حوالي الساعة بشكل يومي في "الهافانا" وأحاول مراقبة مزاج المدينة المتجدد وأسرارها من خلال نوافذ المقهى، منذ ستينيات القرن الماضي أتردد إلى "الهافانا" وهذه هي طاولتي الصباحية اليومية مكاني الذي لا أستبدله".

جورج عشي

أجواء زمان

بوابة المقهى

يستذكر المصور الصحفي الأجواء غير التقليدية التي سادت المقهى منذ عقود، أيام كان" الهافانا" يستقبل النخبة من السياسيين والمثقفين، المعروفين منهم وغير المعروفين، أمثال "محمد الماغوط، عادل أبو شنب، محي الدين صبحي، زكريا تامر وغيرهم"، وبحكم عمله حينها كمصور صحفي في "الأسوشييتد برس" يتذكر كيف كان يحاول التقاط بعض من التفاصيل من زوار المقهى، حتى يتمكن لاحقاً من جمع الصور المناسبة للأحداث.

ويضيف "عشي": "رغم ما فرضته ظروف الحياة الراهنة على المقهى من تغييرات، ظل الأخير متنفساً للكثيرين ممن عاصروا بداياته واستشعروا أجواءه الحقيقية أيام كانت له خصوصية مميزة، أشبه ما تكون بالتراث الدمشقي، ومن الجميل أن "الهافانا" حافظ على الاسم والعنوان، ولم يمحُ ما قدمه كمصدر للثقافة والأدب والفن".

أجواء المقهى صباحاً

مقهى ثقافي

بدوره يشير المحامي" فايز سلهب" إلى أنه ومنذ طفولته أحب أجواء المقاهي، ما دفعه إلى القدوم إلى "دمشق" ليكتشف روعة مقاهيها ومنها "الهافانا"، متابعاً حديثه بالقول: «ما زاد إعجابي بالمقاهي أنني نشأت في بيت ثقافي، وكنت أسمع أن الفنانين والشعراء الكبار كانوا يترددون إلى هذه المقاهي للفائدة وليس بقصد تضييع الوقت، كان المقهى مقراً لاجتماع النخب من المفكرين والباحثين وكان يضج بالثقافة، وبالحوارات الوطنية، ودائماً كان هناك فكر متجدد، كانت هوية "الهافانا" هوية ثقافية وأدبية بحتة، واللغة فيها لغة تفاهم وحوار، وقد اكتسبت شهرتها من مرتاديها، وبرأيي سيظل "الهافانا" ذلك المكان المفضل حتى بعد اقتصار دوره على النشاط الاجتماعي والترفيهي حديثاً".

أصل التسمية

كان مقهى "الهافانا" التاريخي أشبه بمجلس للنواب منذ تأسيسه عام 1954، حسب قول الأديب "حسين صلاح الدين" وكان ملاذاً لمعظم المفكرين والأدباء والسياسيين وأساتذة الجامعات، واستقطب الكثير من النخب العربية من كل مكان لتستقي منه مناهل الأدب والمعرفة، وعن سبب تسمية المقهى بـ "الهافانا" فيعود ذلك - حسب الأديب "صلاح الدين" - إكراماً للجالية العربية السورية الموجودة في "هافانا" عاصمة "كوبا" حيث كان المقهى مقصداً هاماً لهم أثناء قدومهم إلى "دمشق"، مشيراً إلى أنه وفي تلك الفترة كان أغلب زوّار المقهى من مستوى واحد والكل يعرف بعضه بعضاً، على عكس ما هو سائد اليوم حيث لم يبق سوى قلة قليلة من الزوّار ما زالت تنتمي إلى ذلك الزمن الجميل.

تم اللقاء بتاريخ 6 تموز 2021.