تشكّل قصيدة الفن أحد أبرز ألوان فنون الأدب الشعبي الذي تناقلته الأجيال في أكثر من منطقة، لكنه أكثر خصوصية في محافظة "السويداء" لما للقصيدة من تداول حتى باتت أهم مرتكزات العمل الفني والأدبي الإبداعي فيها.

في رحاب اللغة

تعود قصيدة الفن وفق الباحث "محمد جابر" في حديثه لموقع مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 2 حزيران 2021، إلى أصول زجلية أندلسية، ثم طرأ عليها تغييرٌ وتطوير ٌإلى أن استقرت على ما نراه عليه اليوم، مع عدم إنكار وجود تشابه كبير بينها وبين كثير من الزجل الأندلسي، ولغوياً جاءت كلمة فن في الكثير من المعاجم اللغوية القديمة والحديثة، كما في "مختار الصحاح" حيث يذكر أنه واحد من الفنون أي الأنواع، كما ورد عن "الحسن بن محمد الصغاني" في معجم التكملة والذيل والصلة عدد من المعاني المختلفة لكلمة فن، فمثلاً كان العرب يقولون: فننته، أي زينته، وهو فنُّ علم أي حسن القيام به، أما في معجم "لسان العرب" "لابن منظور" فقد عرّف كلمة الفن بأنها: أحد الفنون أي الأنواع، كما عرف الفن على أنه الحال، وهو الضرب من الشيء، وجمعه فنون وأفنان، في حين عرّف "الفيروز أبادي" الفن على أنه: الحال والضرب من الشيء، وهو التزيين. وجاءت كلمة فن في المعاجم الحديثة كمعجم" المنجد" على أنها الضرب من الشيء، والفن هو الأنواع، كما يقال فنَّ الشيء أي زيَّنه، وتفنن الشيء أي تنوعت فنونه، وتفنن في الحديث أي حَسُن أسلوبه في الكلام، وقد جاء في معجم "الوسيط" أن الفن هو التطبيق العملي للنظريات العملية باستخدام الوسائل التي تحققها، ويتم اكتساب الفن بالدراسة والتمرين عليه، وهو عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة ما».

هذا يؤكد أن الفن السمعي قل ما درسه الباحثون في "جبل العرب" وعرّفوه بشكله العلمي والمعرفي، بأنه فن زجلي يعدُّ من أهم الفنون الزجلية بالجبل، منه ما يشبه الموشح أو بعض من الزجل الأندلسي، له قفل وأغصان وقد يكون ثنائياً أو رباعياً أو أكثر وهو من الزجل الذي طرأ عليه بعض التعديل أو التغيير أو التحريف، ومنه ما يسمى بالمخمس المردوف وله أوزان وقوافٍ متعددة، وبرع أهل الجبل في الصنعة اللفظية والمعنوية من خلال التلاعب بالألفاظ والمعاني والقوافي والألحان واشتقاق أنواع مختلفة ببيان وبنيان فني وأطلقوا عليه هذا الاسم

الفن السمعي

ويتابع "جابر" حديثه بالقول: «هذا يؤكد أن الفن السمعي قل ما درسه الباحثون في "جبل العرب" وعرّفوه بشكله العلمي والمعرفي، بأنه فن زجلي يعدُّ من أهم الفنون الزجلية بالجبل، منه ما يشبه الموشح أو بعض من الزجل الأندلسي، له قفل وأغصان وقد يكون ثنائياً أو رباعياً أو أكثر وهو من الزجل الذي طرأ عليه بعض التعديل أو التغيير أو التحريف، ومنه ما يسمى بالمخمس المردوف وله أوزان وقوافٍ متعددة، وبرع أهل الجبل في الصنعة اللفظية والمعنوية من خلال التلاعب بالألفاظ والمعاني والقوافي والألحان واشتقاق أنواع مختلفة ببيان وبنيان فني وأطلقوا عليه هذا الاسم».

الباحث محمد جابر

أوزان وبحور

سعيد جابر أبو سعيد

ويبين "سعيد جابر أبو سعيد" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «لقصيدة الفن أوزان وبحور متعددة وغالباً ما تكون على أربعة بحور عروضية هي بحر

بحر الرجز، وبحر الرمل وبحر المضارع ومجزوء المتدارك، ومن الفن بعض الأنواع التي تشبه ملامح الزجل الأندلسي، وهذا مثال لفن مزدوج للشاعر الشعبي من جبل العرب "إسماعيل العبد الله"، يلتزم فيه بأربع من كلمتين فقط مع اختلاف في المعنى على امتداد قصيدة تقارب السبعين بيتاً:

طريقة أداء قصيدة الفن

هول حمال المحامل هلهلا سار مذبوح السراسي كبرد

جال طرفي بالمدامع هلهلا وانتصب فوق المحاجر كبرد

وهناك نوع سماه "ابن خلدون" نظماً وهو على طريقة الموشح لم يخرج عن مذاهب الإعراب إلا قليلاً، وهذا نموذج من الفن للشاعر "سلمان النجم" من الجبل:

داني لقربي يا وليفي داني عذبتني حكي الخلق يكفاني

حالف ترى لا عهدكم ما خله من بعدكم يا منيتي ما خله

كاسي غدا بعد الصفا ما خله وانتم سبايب علتي وجناني

وهذا الفن للشاعر الشعبي "حامد العقباني" من الجبل وهو قد غير في الأغصان ففيه أربعة بدل ثلاثة...

الحشم من ريقو اسقاني شراب الموز

حاكيتو ما نباني بو ثويب الروز

ما دري الزريف مجافي ولا مزعول

سالب من جسمي العافي زريف الطول

يا حشم الزعل كافي من دون أصول

كنك راضي بخلافي ما لي بك عوز

الحشم من ريقو اسقاني شراب الموز

حاكيتو ما نباني بو ثويب الروز

يمكن القول أن قصيدة الفن اتخذت عند أهل الجبل مكانة مهمة حيث استطاعوا أن يكوّنوا شخصية إبداعية لهذه القصييدة، خاصة بتعدد ألحانهم وتطابق الكلام على اللحن والوزن.