منذ ما يزيد على عقد من الزمن، عمل الفريق البحثي للتنقيب الأثري في "السويداء"، على اكتشاف مقبرة في قرية "الغارية"، التي يعتقد أن تاريخها يعود إلى العصر البيزنطي.

الحكاية بدأت أثناء عمليات التنقيب الأثري في المنطقة منذ عام 2008، حيث تم اكتشاف مدافن أرضية في عقار أحد الأهالي وهو "فيصل عزام قماش"، ليتبين وجود مقبرة أثرية جرى الدخول إليها سابقاً والعبث بمحتوياتها، وهي تأخذ شكل الكهف الطبيعي المحفور في الكرماخ الطبيعي وأبعادها 10×5 أمتار.

أثناء البحث من قبل الفريق البحثي تم العثور على تابوتين خشبيين، ومجموعة من الحفر في أرض المقبرة، وجرى العمل بدقة كبيرة وذلك حفاظاً على ما تبقى من هذه المقبرة التي جرى العبث بمحتوياتها، وخلال فترة العمل جرى الكشف عن العديد من اللقى الأثرية كالخرز وكسرات الأساور البرونزية ومنحوتات خشبية صغيرة، وكسرات من سراج غير كامل، ومن خلال دراسة أولية للقى وللتوابيت الخشبية الموجودة يمكن القول إن المقبرة تعود إلى الفترة البيزنطية

بداية الاكتشاف

الباحث الأثري "خلدون الشمعة" يقول في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 14 تموز 2021: «أثناء البحث من قبل الفريق البحثي تم العثور على تابوتين خشبيين، ومجموعة من الحفر في أرض المقبرة، وجرى العمل بدقة كبيرة وذلك حفاظاً على ما تبقى من هذه المقبرة التي جرى العبث بمحتوياتها، وخلال فترة العمل جرى الكشف عن العديد من اللقى الأثرية كالخرز وكسرات الأساور البرونزية ومنحوتات خشبية صغيرة، وكسرات من سراج غير كامل، ومن خلال دراسة أولية للقى وللتوابيت الخشبية الموجودة يمكن القول إن المقبرة تعود إلى الفترة البيزنطية».

الباحث الأثري خلدون الشمعة

ويلفت الباحث إلى أنه واستكمالاً لأعمال التنقيب التي بدأت في "تل الغارية"، ضمن مدفن أثري يقع إلى الشمال من البلدة شرق الطريق الواصل بين ناحية "الغارية" وقرية "الرافقة"، جرى العمل على التنقيب في التوابيت -داخل المغارة- التي أخذت أسماءها تبعاً لتوضعها، فنقب التابوت الأول الذي يقع إلى يمين المدخل في الجهة الجنوبية، والتابوت الثاني الذي يقع في الجهة الشرقية، والذي كان مخرباً ولم يعثر إلا على جزء بسيط من أرضية التابوت وجزء من التابوت الرابع الذي يقع إلى الوسط وشمال المغارة.

العمل بمراحل

ويتابع الباحث "الشمعة" حديثه بالقول: « في المرحلة الثانية من العمل، تم تنظيف مدخل المقبرة من الحجارة والأتربة لتسهيل الدخول والخروج، علماً أنها كانت قد تعرضت للعبث والتخريب من قبل مجهولين، حيث وجدنا بداخلها أغصان الشجر وبعض الحجارة الدخيلة بالإضافة إلى العظام والأخشاب المبعثرة، وجرى تنظيفها وتنسيق وجمع الأخشاب المبعثرة من التوابيت ووضعها في مكان واحد، لتتواصل أعمال التنقيب في التابوت الرابع، حيث وجد بداخله بقايا لعمود فقري قد تكون شبه كاملة بالإضافة إلى عظام يد لا تزال تحافظ على شكلها، حيث صنفت ووثقت ورتبت ضمن صندوق كرتوني، وجرى بعدها تنظيف أرضية التابوت الخشبية وتصويرها، ثم الانتقال بعدها للعمل في التابوت الثالث الذي يتوضع شرق المغارة باتجاه شمال جنوب، ووضعه سيئ جداً ومعرض للتخريب نتيجة تساقط كتل حجرية عليه، حيث وجدت فيه عظام لأكثر من هيكل عظمي واحد، وهذا دليل على إعادة الاستخدام، وفي الأسفل منه توضع هيكل عظمي شبه كامل على أرضية المغارة، والجدير بالذكر أن هذا التابوت له جوانب خشبية وليست له أرضية خشبية حيث تم توثيقه بالرسم والتصوير».

من داخل المقبرة

أولاً بأول

الباحث الدكتور نشأت كيوان

من جهته يوضح الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" رئيس دائرة الآثار بالسويداء، أن الفريق البحثي انتقل للعمل في التابوت الخامس، الذي يقع في الجانب الشمالي من المغارة والى الشمال من التابوت الرابع، ويتوضع باتجاه شرق غرب، وضع هذا التابوت سيئ حيث تعرض للتخريب وخلطت فيه العظام والحجارة ولا يوجد ترابط للعظام فيه، علماً أن خشب الأرضية ما زال موجوداً، بعدها تم العمل في التابوت السادس الذي يقع شمال التابوت الخامس وموازٍ له باتجاه شرق غرب، حيث وجد فيه عظام لأكثر من هيكل عظمي قد تكون لثلاثة هياكل، وعلى أرضيته توضع هيكلان عظميان شبه كاملين، أحدهما يعود لطفل صغير واستدل على ذلك من خلال العظام الصغيرة وغضاريف النمو الموجودة على العظم الطويل، وتم توثيق هذين الهيكلين بالصور بالإضافة إلى الرسم، وتنظيف الأرضية حيث وجد جزء منها مفقوداً.

ضرورات العمل

انتقل العمل في المقبرة - حسب "كيوان" - إلى التابوت السابع الذي يقع باتجاه شرق غرب، حيث تم تنظيف التابوت من الحجارة والحصى والأتربة المتساقطة عليه، ولم نجد ترابطاً في عظام هذا التابوت، الذي لم يبق من أرضيته سوى لوح خشبي واحد مكسر إلى أجزاء فقط، وتم التنقيب بعدها في التابوت التاسع وذلك لضرورة العمل حيث توضع في الجهة الغربية من المغارة إلى الشمال من المدخل باتجاه شمال جنوب، وينحرف باتجاه الشرق قليلاً، وبعد إزالة الردميات والعظام المبعثرة وجدت بقايا لهيكلين عظميين شبه كاملين فوق أرضية التابوت، قام الفريق بتوثيق طريقة الدفن بالتصوير والرسم وتنظيف أرضية التابوت التي فقد منها الجزء الجنوبي، وتم الانتقال إلى العمل في المنطقة المجاورة للتابوت التاسع من الغرب والشمال، حيث وجدت طبقة من الردميات تكثر فيها الحجارة والأتربة وجدت فيها بعض كسر العظام وبعد الانتهاء وثقت بالتصوير.

توثيق بالرسم والتصوير

ويتابع "كيوان" حديثه بالقول: «تم العمل في التابوت الثامن الذي يقع في أقصى شمال المغارة موازياً للتوابيت وبالاتجاه نفسه، شرق-غرب، وضع هذا التابوت مهشم عند الرأسين تكثر فيه الردميات المتساقطة من جدار المغارة الشمالي، وبعد إزالتها وجدت بعض العظام المبعثرة في الطبقات العليا منه، تعود لأكثر من هيكل عظمي واحد وذلك لوجود خمسة جماجم تقريباً ولكن دون ترتيب وتنسيق، وفوق أرضية هذا التابوت وجدت بقايا لهيكل عظمي شبه كامل وهو الأقدم دفناً على الأغلب، تم توثيقه بالرسم والتصوير وحفظه في صندوق كرتوني ومن ثم تنظيف أرضية التابوت الخشبية والمهشمة، تم العمل على تنظيف أرضية المقبرة بجانب التابوت الثامن وبين التوابيت الأخرى بالإضافة إلى تأهيل المدخل بشكل نسبي وإزالة الردميات».