في إحدى الزوايا قرب ساحة المسجد الأموي في "دمشق"، تنتشر بعض محلات الأحذية، التي يبدو وجودها للوهلة الأولى مستغرباً في المكان بعض الشيء، لكن وعند التدقيق والسؤال عن ذاكرة المكان، يبدو وجود محلات الأحذية امتداداً لتاريخ السوق المسمى "سوق الضيّق" الذي كان جزءاً من سوق أكبر قديماً مخصص للأحذية واسمه "سوق القوافين".

بجوار الأموي

تراود الزائر للمكان أسئلة كثيرة حول تاريخ السوق وكيف كان قديماً، شكله وتفاصيل العمل فيه؟، أسئلة يجيب عنها "عبد الوهاب بكورة" الملقب بـ"ختيار السوق" كونه الأكبر سناً ويرتاد المكان منذ طفولته، يقول: «كان السوق ملاصقاً لسور المسجد الأموي، ويمتد من باب المسجد الغربي المعروف بباب المسكية وبابه الجنوبي المعروف بباب الزيادة، وكان عبارة عن دكاكين متقابلة تعرض جميع أنواع الأحذية التي تلائم جميع الأعمار وفئات المجتمع، من الكبير للصغير، والآغا والفلاح والعامل، كنت تجد في السوق الناس من جميع الأنحاء والمحافظات، تميزهم من لباسهم الذي تشتهر به المنطقة التي قدموا منها، كان السوق بمنزلة سوق حضاري اجتماعي يجمع أطياف المجتمع من جميع الأماكن».

لم يعدّ الحذاء ذو النعل والجلد الطبيعي مطلوباً بسبب غلاء سعره، وضعف القدرة الشرائية لدى الناس، ما أدى إلى لجوء العديد من المحلات إلى الأحذية الصناعية المطلوبة أكثر بالرغم من سوء صناعتها مقارنة بالحذاء التقليدي، لكن على الرغم من تراجع الطلب، لا يزال هناك قلة من الناس تطلب الأحذية الطبيعية

أخلاق المهنة

تميّز أصحاب المحلات بالسوق بالتعاون فيما بينهم ومساعدة بعضهم بعضاً، ويشير "بكورة": «كان البائعون متعاونين فيما بينهم، تجد الجار يساعد جاره في البيع في حال غيابه عن المحل، فإن كان الزبون يقف أمام محل وصاحبه غير موجود، سارع الجار لاستقباله وبيعه طلبه ووضع المال في صندوق صاحب المحل، وكان لدى أحد تجار السوق ما يشبه "صندوق مال السوق" للحالات الطارئة التي كانت تواجه بعض التجار في السوق».

النعل الصناعي والنعل الطبيعي

أصل التسمية

ورشة قديمة لصناعة الأحذية

وعن تحول تسميته لـ"سوق الضيّق" يقول "بكورة": «كانت المحلات كبيرة ومتلاصقة، وكان الصناع يعملون إما في منازلهم تساعدهم الأسرة في التصنيع، أو في ورشات موجودة خلف المحل أو في العليّة، لكن ومع مرور السنوات ووفاة أصحاب المحلات، تقاسم الإخوة والشركاء المحال، ما أدى إلى تضيق المحلات، لتأتي توسعة ساحة المسجد الأموي وتهدم المحلات التي لم يتبقَّ منها سوى عدّة محلات صغيرة أطلق عليها اسم السوق الضيّق بسبب ضيق المسافة بين المحلات المتقابلة».

من الجلد الطبيعي

وبالرغم من أن صناعة الأحذية من الحرف القديمة إلا أنّ عدداً محدوداً من الحرفيين ما زالوا يعملون بالطريقة القديمة، ومنهم "مازن قنبر" الذي يشرح كيفية صناعة الحذاء يدوياً: «نحضر جلود البقر والماعز من الدباغات كونها الأكثر استخداماً، ونقوم بقصها بحسب القالب المطلوب للحذاء، وبعد القص نضع لها بطانة من الجلد للحفاظ على متانتها، ومن ثم نقوم بخياطة الجلد مع الأرضية المصنوعة من جلود البقر والماعز أيضاً، ولكن تختلف طريقة دباغتها لتكون أكثر متانة من جلود وجه الحذاء، أما بالنسبة لجلود الحيوانات الأخرى كالأفعى والتمساح وغيرها،فيتم استخدامها كزينة مضافة للحذاء لأن هذه الجلود ليست بالجودة والمتانة المطلوبة لصناعة الحذاء».

قالب الحذاء

ويضيف: «لم يعدّ الحذاء ذو النعل والجلد الطبيعي مطلوباً بسبب غلاء سعره، وضعف القدرة الشرائية لدى الناس، ما أدى إلى لجوء العديد من المحلات إلى الأحذية الصناعية المطلوبة أكثر بالرغم من سوء صناعتها مقارنة بالحذاء التقليدي، لكن على الرغم من تراجع الطلب، لا يزال هناك قلة من الناس تطلب الأحذية الطبيعية».

بقى أن نذكر أن السوق في الأصل كان ضيقاً ومسقوفاً يمتد على طول النصف الغربي والجنوبي من جدار الأموي، وسميّ بالقوافين نسبة لـ “القواف” وهو بائع أصناف النعال من (صرامي وجزم وبوابيج) وغيرها.