لا يجد الباحث عن "زقاق المحكمة" بدمشق كثير عناء حتى يتعرف إلى هذا الشارع الذي تبدلت أحواله ومقاصده مع مرور الزمن، فهو الشارع الذي لا يزال بعض كبار السن يتذكرونه جيداً، فقد كان المكان شاهداً على تسجيل وقائع الزواج قبل عقود مضت، أيام كان الزقاق يضم بناء المحكمة الشرعية بدمشق.

الاسم فقط

يقع "زقاق المحكمة" في الجهة الغربية من مدينة دمشق القديمة وضمن سورها، وهو الشارع الذي يمتد من سوق الخياطين شرقاً إلى منطقة الحريقة غرباً، وبالرغم من تغير كثير من ملامحه، ظل الاسم ملازماً له حتى اليوم، ولا يزال التّجار وأصحاب المحلات في الشارع يذكرون قوس المحكمة، وسمعوا من آبائهم عن المحكمة الشرعية التي انتقلت أعمالها في عام 1948 إلى "القصر العدلي" الجديد في وسط دمشق، وشُيّد مكانها خان "نور الدين الشهيد" والذي بات الآن سوقاً تجارياً، وذلك على حد قول التاجر "عبد القادر الحلاق" الذي جاء الزّقاق عام 1970 وافتتح محله التّجاري لبيع الجوارب والألبسة، وليجاور محلات لم يتجاوز عددها في ذلك الوقت أربعة أو خمسة محلات تجارية موزعة بين أبنية هذا الزقاق، ليزداد عددها مع تحول الأبنية السكنية إلى ورش ومحلات تجارية.

أصل التسمية

يتتبع الآثاري في بيمارستان النوري "جوزيف حنا" خلال حديثه لمدوّنة وطن حدود الزقاق بالقول: "يحد "زقاق المحكمة" من الجنوب بعضُ العقارات السّكنية وعدد كبير من المحلات التّجارية، وخلفها يقع سوق مدحت باشا، وفي الشّمال قصر العظم، أما من الشرق يحده سوق الخياطين، ومن الغرب منطقة الحريقة التي يتقدمها شارع نزلة القاضي، والتي تضم بعضاً من بقايا حمام القاضي على الطرف الجنوبي، وجامع "أبي بكر" على الطرف الشمالي.

التاجر عبد القادر الحلاق

وعن أصل التسمية يشير الآثاري "حنا" إلى أن تسمية "زقاق المحكمة" نسبة إلى محكمة الباب الشّرعيّة التي تقابله باتجاه القبلة، ويفصل بينها وبين المدرسة النورية، وهي من أشهر محاكم "دمشق" أيام الاحتلال العثماني، وتُعرف أيضاً بالباب، إما نسبة إلى سلطة الدولة ممثلة بالباب العالي، أو لوقوعها قرب باب القلعة الشرقي، كما سميت بالنورية لأنها كانت تواجه المدرسة النورية الكبرى، وأطلق عليها أيضاً، محكمة الباب العليا ومحكمة باب الأفندي، أما اليوم فقد زالت المحكمة وبقي الزّقاق يحمل اسمها، وتحول إلى سوق لصنع الجوارب وبيعها، وهناك اسم آخر يعرف به الزّقاق وهو "حارة بلاطة".

في محيط الزقاق

ويبين "حنا" الأهمية الأثرية والتاريخية لموقع الزقاق وما كان يحيط به من أبنية أثرية في ذلك الزمان، ويضيف: "في غرب "زقاق المحكمة" وشمال تربة "أم الصّالح" كانت "المدرسة الجوهرية( 380 هجري) وتنسب إلى الصدر نجم الدين بن محمد بن عباس التميمي الجوهري، وقد ارتأى المسؤولون عن "دمشق" في سنة ١٣٧٤ هجري أن يهدموا المنطقة فهدمت الجوهرية، وقامت دائرة الآثار بحفظ الرخامة المدّون عليها تاريخ الوقف في المتحف، وأقيمت العمارات التّجاريّة على حطام المدرسة، أما "المدرسة الريحانية" القريبة من "المدرسة الجوهرية" والمبنية عام 575 هجرية، كانت إلى الغرب من "المدرسة النورية" وعلى يسار الدّاخل من "زقاق المحكمة" باتجاه "المدرسة الجوهرية"، وعند هدم المدرسة والمنطقة كلها سنة ١٣٧٥هجرية، قامت مديرية الآثار بحفظ اللوحة الرّخامية لديها كما فعلت في الجوهرية من قبل".

الآثاري جوزيف حنا

سادت ثم بادت

زقاق المحكمة

ويلفت" حنا" إلى "المدرسة الشّبلية الجوانية" (620هجرية)، والواقعة على رأس "زقاق المحكمة" والمتقدم بنيانها مقابل "الأكزية الشافعية" (587 هجرية)، والتي ضاع أثرها بعد هدم كامل المنطقة، وفي بيت بُدير الدين وتقي الدين بعض بقايا "المدرسة الشامية" الجوانية الواقعة إلى الجنوب من "بيمارستان النوري" في المدخل الغربي لـ"زقاق المحكمة"، مع بعض الآثار الهامة لتلك المنطقة، مبيناً أنه في الزاوية الشمالية الغربية لـ"زقاق المحكمة" وعلى يسار الداخل وغرب مدرسة "أم الصالح" كانت تقع "المدرسة الظبيانية" ( 751هجري) التي زالت بعد ما تعرضت له من قنابل المستعمر الفرنسي ومعاول نفر من الناس، أما في المدخل الشرقي لـ"زقاق المحكمة"، جنوب "المدرسة النورية" وشرق تربة "روحة تنكز" هناك "المدرسة الشومانية" أو "الطيبة" (660 هجري) وقد تحولت اليوم إلى محلات تجارية.