من الأطباق الشهية التي يتفرد بها المطبخ الدمشقي، "شرحات على عجين" وهي وجبة سريعة التحضير، صنعتها الأسر الدمشقية وقدمتها لضيوفها في طقوس ومناسبات متعددة، كما باتت لاحقاً تقدم في المطاعم الشعبية أيضاً.

دمشقي أصيل

ولطبق الـ"شرحات على عجين" ارتباط بالعادات والتقاليد الدمشقية ويقول الباحث في التراث الشعبي "محمد فياض الفياض": «عرفت الديار الدمشقية العديد من المأكولات الشعبية التي ارتبطت بثقافة المجتمع وتطوره عبر التاريخ، ولعل الطبق الشهير "شرحات على عجين" من الأطباق الشهية التي يتفرد بها المطبخ الشامي بالمقارنة مع المطابخ الأخرى في البيئات العربية المجاورة، وهو من الأطباق اللذيذة والسريعة، فالمدرسة الدمشقية كان لها السبق في تأصيل العديد من الثقافات التي ترتبط بإعداد الطعام، وقد استفادت من الحضارات السابقة.

هذا الطبق الفريد هو من الأطعمة التراثية الغنية بفوائدها، وهو ينافس العديد من الأطباق العالمية جودة وذوقاً وقيمة غذائية، ومثل هذه الأطعمة الأصيلة لن تختفي من ثقافة مجتمعنا رغم كل الظروف

سرعة التحضير

ويضيف الباحث: «لا نستطيع الجزم في أي وقت ظهر هذا الطبق، فهو تقليد متوارث منذ القدم تفردت به الأسر الدمشقية لسببين الأول؛ هو سعي المجتمع حينها لصناعة بعض الأطباق السريعة التي توفر الوقت كما هو اليوم في تحضير الوجبات السريعة الوافدة من بيئات عالمية، والثاني وهو الأهم، ارتباط هذا الطبق الشعبي بالأسواق التجارية ولا سيما أن العاملين في قطاع التجارة كانوا يفضلونه بسبب وفرة اللحوم الجيدة حينها، وقد اعتاد أهل "دمشق" تقديم هذا الطبق لضيوفهم في أماكن عملهم لسرعة تحضيره، وقد كانت "دمشق" القديمة بأزقتها وأسواقها تعج بالأفران التي تقوم بطهي هذه الأطباق بجودة عالية».

اللحام "نصوح عربشة" صاحب مطعم "السماح"

طقوس وعادات

أثناء التحضير

ولطبق "شرحات على عجين" طقوس خاصة، ويشير الباحث "فياض" إلى أن أهل الشام يفضلون تناوله في مناسبات متعددة كالأعياد الدينية واللقاءات الجماعية، كما يفضل البعض تناوله في المطاعم والنوادي، وقد كان يرافق هذا النوع من الأطعمة حفلات الموسيقا في المطاعم الشعبية المتخصصة بهذا النوع من الطعام، والتي تقدم إلى جانب أطعمتها حيزاً من الترفيه، يتجلى في سماع الطرب الشعبي الأصيل المرتبط بثقافة الطعام.

ويبين الباحث أن المرأة الشامية تتفنن في طريقة تحضير الطبق في منزلها بغية تقديمه كوجبة مهمة في مناسبات معينة، وكثيراً ما كان الطبق المعد منزلياً أكثر ترفاً من المقدم في المطاعم.

الشيف "فضل الله فضل الله"

ويختم "فياض" حديثه لمدوّنة وطن بالقول: «هذا الطبق الفريد هو من الأطعمة التراثية الغنية بفوائدها، وهو ينافس العديد من الأطباق العالمية جودة وذوقاً وقيمة غذائية، ومثل هذه الأطعمة الأصيلة لن تختفي من ثقافة مجتمعنا رغم كل الظروف».

زيارة مطعم

ولمعاينة طريقة تحضير الطبق الدمشقي، قامت "مدوّنة وطن" بزيارة أحد المطاعم في منطقة "المزة"، حيث يوضح اللحَّام "نصوح عربشة" - الذي يعمل في هذه المهنة منذ عام 1981-، أن "الشرحات على عجين" تصنع من شرحات لحم الغنم المدقوقة مع اللية والسناسل التي توضع على العجين المكون من ملح وطحين وخميرة، ويضيف: «نختار اللحم من ظهر الخروف ونتبلها بعد دقها بالملح والفلفل ثم نضعها في الفرن وتستغرق فقط عشر دقائق، هي مطلوبة من قبل جميع الزبائن لطعمها المميز، وحالياً قلّ الطلب عليها بسبب ارتفاع الأسعار».

توليفة خاصة

بدوره يقول الشيف "فضل الله فضل الله" المتخصص بالمأكولات الشامية: «هذا الطبق هو توليفة من اللحمة واللية مع العجين والملح والفلفل الأسود، تتكون عجينة "شرحات على عجين" من ماء، ملح، طحين ورشة سكر وخميرة، ولا يوضع فيها حليب أو زيت، تكون مختمرة جيداً وطرية وليست لها مقادير ثابتة، لأن كل نوع طحين يحتاج كمية ماء خاصة، والشرحات عبارة عن شرحات غنم حصراً لأن العجل لا تنضج بسهولة بالفرن مع ملح وفلفل أسود فقط ونضع معها قطع "لية" كي تكون الخبزة أو العجينة طرية ودسمة».

يذكر أن اللقاءات تمت بتاريخ الرابع عشر من تموز 2021.