كان لمدينة "حمص" نصيبٌ كبيرٌ من حركة الاغتراب التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الماضي، نتيجة للظروف التي كانت سائدة آنذاك، على اختلاف مسبباتها، ومن بين المهاجرين عدد لا بأس به من الشعراء والأدباء الذين استقروا في دول الأمريكيتين، الشمالية والجنوبية.

تواصلت مدوّنة وطن "eSyria" مع الدكتور الشاعر "حسان أحمد قمحية" الذي أنجز عدَّة مؤلفات تتعلق بهذا الأدب وعن أبرز الشعراء المهجريين الحمصيين، حيث ذكر قائلاً: «إنّ غياب معظم الأدباء والشعراء الذين هاجروا في نهاية القرن التاسع عشر وفي العقود الأولى من القرن الذي تلاه، قد جعل الأدب المهجري في نتاجاته التي ظهرت منتصف القرن الماضي، مختلفاً في صفاته العامة التي سادت في مراحله الأولى، فالكثير من شعرائه اللاحقين غاب عن نتاجاتهم الارتباط بواقع وطنهم والحنين إليه، حتى إنَّ بعضهم كان غير متمكِّنٍ من اللغة العربية بشكلٍ تام، على عكس ما كان سائداً عند الرعيل الأول من الشعراء المهجريين، الذين عكست قصائدهم مشاعر الحنين للوطن والشوق إليه، والتفاعل مع قضايا أمتِّهم، وهذه هي أهم السمات التي ميَّزت الشعر المهجري».

إنّ غياب معظم الأدباء والشعراء الذين هاجروا في نهاية القرن التاسع عشر وفي العقود الأولى من القرن الذي تلاه، قد جعل الأدب المهجري في نتاجاته التي ظهرت منتصف القرن الماضي، مختلفاً في صفاته العامة التي سادت في مراحله الأولى، فالكثير من شعرائه اللاحقين غاب عن نتاجاتهم الارتباط بواقع وطنهم والحنين إليه، حتى إنَّ بعضهم كان غير متمكِّنٍ من اللغة العربية بشكلٍ تام، على عكس ما كان سائداً عند الرعيل الأول من الشعراء المهجريين، الذين عكست قصائدهم مشاعر الحنين للوطن والشوق إليه، والتفاعل مع قضايا أمتِّهم، وهذه هي أهم السمات التي ميَّزت الشعر المهجري

يتابع الدكتور "حسان" ويقول: «وعلى الرغم من أن الكثير من شعر المهجريين قد جمعه أصحابه بدواوين ومؤلفات شعرية، لكن ما يؤسف عليه أنَّ عدداً لا بأس به من ذاك الشعر ما زال متناثراً وضائعاً في صفحات الكتب والمجلات دون توثيقٍ وتجميعٍ له، والباحث في هذا المجال يجد بأنَّ معظم شعراء المهجر السوريين هم من مدينة "حمص" وريفها بالعموم، وقد بلغ عددهم حتى منتصف القرن العشرين نحو 30 شاعراً، لعل من أشهرهم الشاعر "نسيب عريضة" وزميله الشاعر "ندرة حداد" في المهجر الشمالي، ونصر سمعان وحسني غراب في المهجر الجنوبي، وسواهم، لكن هناك شعراء منسيون لم يحظوا بالشهرة مثلهم، ولم يغب الحنين للوطن والتعلُق به والاهتمام بقضايا الأمة عن نتاجاتهم الشعرية».

بعض من مؤلفاته عن شعراء المهجر الحمصيين

ومن هؤلاء الشعراء "ميشال مغربي" الذي ولد في مدينة "الاسكندرية" المصرية عام 1901 من أب حمصي الأصل والمولد وأمٍ سورية مولودة هناك، وقد انتقل إلى مدينة أجداده من أجل متابعة دراسته الثانوية في "الكلية الإنجيلية" التي كان يرأسها آنذاك المربِّي "حنا خباز"، هاجر سنة 1923 إلى مدينة "سانتياغو" في "تشيلي"، ثمَّ استقر بعدها في مدينة "سان باولو" البرازيلية، وقد برز نشاطه الشعري هناك، وكان عضواً في "العصبة الأندلسية" التي ضمت في صفوفها العديد من الشخصيات الأدبية والشعرية السورية المهاجرة، وقد نظم خلال حياته نحو 76 قصيدة، تنوعت مواضيعها بين الحنين والشوق للوطن الأم، إضافة إلى المديح والرثاء والغزل وغير ذلك.

أصدر ديوانه الأول قبلَ هجرته وحمل عنوان "العواطف"، ثمَّ قامت زوجته "فيوليت مغربي" بجمع نتاجه لاحقاً ضمن ديوان حمل عنوان "أمواج وصخور"، ومن شعره الذي عكس حنينه للوطن قصيدة "تحية الوطن" التي نظمها بعد زيارته الأخيرة لمدينة "حمص" سنة 1956، وفيها قال:

يا حمصُ يا حمصُ الحبيبةُ مرحباً

بنسيمك المتَعطِّرِ الأذيالِ

برياضكِ الغنَّاءِ، بالأشجار

بالأثمار، بالأشجارِ، بالأظلالِ

أحجارُكِ السودُ الحبيبةُ فتنتي

لا اللوفر لا القاعات من فِرسالِ

إن تنجبي الشعراءَ، لستِ بعاقرٍ

من خالدي الشعراءِ والأبطالِ

الشاعر الآخر هو "حسني غراب" المولود سنة 1898 بمدينة "حمص" والذي سار في قافلة الهجرة عام 1920 ليستقر في "البرازيل"، وقد كان أحد المؤسسين لرابطة "العصبة الأندلسية" وتمَّ منحه لاحقاً وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة؛ علومه الأولى تلقاها في "المدرسة الإنجيلية"، وأكملها في مدرسة "طرابلس الأمريكية"، تميزت أشعاره بتعدد المواضيع والأغراض الشعرية حتى ضمن القصيدة الواحدة، إن كان من ناحية الحكمة والرثاء والشكوى والحنين للوطن وغير ذلك، ومثل أقرانه ترجم حنينه وشوقه لوطنه بقصائد عدَّة نذكر منها "ذكرى حمص" ومما جاء فيها:

ما غيَّبت غِيَرُ الزمان فتاكِ

هو عبدُ غيرَتِكِ وعبدُ هواكِ

يا قبلةَ الآمالِ هل من عودةٍ

تُرتجى فيرقُبُ يومها مضناكِ

يا حمصُ: إن عاد الرفاقُ ولم

أعُد فهواكِ باقٍ لا يزالُ هواكِ

كما أنَّ الشاعر "حسني غراب" لم تغب عن قصائده مواضيع الاهتمام بقضايا أمته العربية وخاصة قضية "فلسطين" منها، ومما نظمه لأجلها بعد النكبة عام 1948نذكر:

صبراً فلسطينُ لليوم العصيبِ فلن

يكونَ فيه لغيرِ الصابرِ الغلبُ

صبراً فلسطينُ صبراً، وارقُبي فَرجاً

لابدَ من عجبٍ يأتي بهِ رجبُ

ما دام باطِلهُم حقَّاً، كما زعموا

وحقُنا باطلاً فالأمرُ ينقلبُ

وقد توفي الشاعر "حسني غراب عام 1950.

ثالث الشعراء الحمصيين هو "نصر سمعان" ابن بلدة "القصير" التابعة لريف "حمص" الجنوبي الغربي، الذي ولِدَ فيها عام 1905 وفيها كانت مراحل دراسته الأولى، بعد ذلك انتقل للمدينة من أجل متابعة دراسته سنة 1915 في "المدارس العلمية الأرثوذكسية"، ولكن لم يستمر ذلك سوى سنة واحدة بعد إغلاقها، ما اضطره للعودة إلى بلدته والمواظبة على المطالعة والتعمق بدراسة اللغة العربية وآدابها، ليهاجر في سنة 1920 مع صديقه "حسني غراب" إلى "البرازيل" ويستقر فيها حتى وفاته، وهو الآخر عكَسَ نتاجه الشعري حالات الحب والغزل والحنين للوطن وغيرها من المشاعر الإنسانية.

نقتبس بعض أبياتٍ من إحدى قصائد الحنين لبلدته "القصير" ولمدينة "حمص" يقول فيها:

لتلتهم أضلُعي نيرانَ أشواقي

مادام في الحبِّ لا حامٍ ولا واقِ

وحدِّثوني عن العاصي ودُرَّتِهِ

ومجدِ قومٍ بنور الفضل ألاَّقِ

قالوا: أتصبوا إلى حمصَ فقلتُ

لهم قلبي بغير هواها غيرُ خفَّاقِ

أمَّا رابع الشخصيات فهي الشاعرة "سلوى سلامة أطلس" التي ولدت في مدينة "حمص" سنة 1893، وقد كان لشقيقها "قبلان" الفضل بتعليمها اللغة العربية، أحبَّت الكتابة وبزغت موهبتها بالعمل الصحفي حيث عملت بالعديد من الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك، منها جريدة "حمص". استقرت في بداية شبابها في مدينة "زحلة" اللبنانية، وهناك نشطت بالمجال الأدبي وقد تحوَّل منزلها إلى نادٍ أدبي وثقافي، تلتقي فيه أهم الشخصيات الأدبية منهم "عيسى اسكندر المعلوف" و"حليم دمّوس"، تزوجت في عام 1913 من الصحفي "جورج ميخائيل أطلس" وسافرا بقصد السياحة إلى "أوروبا"، ثم استقر بهما الحال في "البرازيل"، وفيها أسّسا مجلة "الكرمة" الثقافية سنة 1914 التي استمرت بالصدور حتى وفاتها عام 1949، كانت خلال تلك الفترة المشرفة على تحريرها بعد وفاة زوجها، وبالنظر إلى تجربتها الشعرية والقصصية ولكونها لم تغادر وطنها كمهاجرة مثل أسلافها من الشعراء، فلا ينطبق مفهوم الأدب المهجري على نتاجها، وهنا لا بدّ من التمييز بين الشعر المهجري وبين الشعر المقيم في المهجر.

نهايةً نودُّ الذكر بأنَّ الدكتور "حسان أحمد قمحية" المقيم في العاصمة السعودية "الرياض" لديه 9 مؤلفات تُعنى بالأدب المهجري وبالشعراء الحمصيين، ومؤلفات طبية متنوعة، كما يملك برصيده 5 دواوين شعرية هي: "أبلغ من الصمت"، "جرعة حزن"، "مرايا الليل"، و"عاد القمر" إضافة لديوان شعري للأطفال عنوانه "براعم النخبة" وقد تم التواصل معه عبر خدمة "الماسنجر" بتاريخ 11 تموز 2021.