بدأ ظهور الحركة التشكيلية في "سورية" في بدايات القرن العشرين، بالتزامن مع ظهور المطبوعات الفنِّية الملونة، والمعارض الأجنبية التي مكَّنت من الاطلاع على الفن التشكيلي الحديث في ذلك الوقت، الذي ظهر على أيدي جيل الروَّاد المؤسسين لهذه الحركة الذين تأثروا بالموروث التاريخي السوري.

الروّاد الأوائل

ولم تكن البيئة السورية المحيطة غائبة عن أعمال هؤلاء الروّاد المؤسسين، بحسب ما ذكر الدكتور المهندس "نزيه بدور" الأستاذ المدرِّس في جامعة "البعث" لموقع مدوّنة وطن "eSyria"، الذي عمل على تأريخ هذه الحركة منذ بدايات ظهورها حيث يقول: «تأثر الفن التشكيلي السوري بعموم المدارس الفنِّية المعروفة، الكلاسيكية، الواقعية، الانطباعية، التعبيرية، التكعيبية، السوريالية، وغيرها، لكن النمط الكلاسيكي "الاستشراق" هو أكثر ما طغى على أعمال أولئك الروَّاد، ويعدُّ "توفيق طارق" المولود في "دمشق" عام 1875 رائد هذا الفنِّ بامتياز، إضافة إلى الفنان "غالب سالم" ابن مدينة "حلب" ومعه "ميشيل كرشه" الفنان الدمشقي، أضف إليهم فنانين من أمثال: "منيب النقشبندي"، "عبد الوهاب أبو السعود" و"سعيد تحسين"، إضافة إلى "رشاد مصطفى" و"خالد معاذ" ومعهم "صبحي شعيب" الذي ولد في مدينة "حمص" عام 1909، وهذا الأخير هو الرائد الأول للحركة التشكيلية فيها، وبالرغم من عدم دراسته الأكاديمية للفن التشكيلي إلاً أنَّه أسس لولادة هذا الفن في" حمص" واتسمت أعماله باتباع أسلوب الواقعية الميَّالة صوب التعبيرية في أحيان كثيرة، ومن أشهر أعماله لوحة "العميان الثلاثة" التي يضمها المتحف الوطني، وكذلك هنالك لوحة "العودة إلى القرية"».

بالنسبة لي اتخذت أسلوباً خاصاً بي منذ تخرجي من كلية "الفنون الجميلة" قبل ثلاثين عاماً وما زلت مستمراً به، وهو النمط التعبيري حيث وجدت نفسي في هذه المدرسة التشكيلية، وكان لتأثري بأعمال فنانين عالميين من المشاهير أمثال "موديل" دور في هذا الأمر، وهذا حال كلِّ فنان تشكيلي أيضاً، أما واقع الحركة التشكيلية في "حمص" فهو مبشِّر بالتفاؤل، في ظلِّ ظهور جيلٍ جديدٍ من الفنانين الشباب أصحاب الموهبة الخلَّاقة، الذين تخرَّجوا من مركز "صبحي شعيب" للفن التشكيلي، وما زال غيرهم يدرس فيه، وهنا يأتي دورنا كفنانين من ذوي الخبرة، لنوجه تلك المواهب وندعمها بالدراسة الأكاديمية، وبخبرة الفنانين القدامى الذين يتتلمذون على أياديهم

هوية سورية

يتابع الدكتور "بدور" حديثه بالقول: «لاحقاً ظهر الجيل الثاني من الروَّاد المؤسسين، الذي صنعوا هوية الفن التشكيلي السوري الحديث – ليس في مدينة "حمص" وحسب بل في "سورية" عموماً – من خلال استلهامهم للتراث الإبداعي الثري، وانفتاحهم على المفاهيم الجديدة لهذا الفن، ومن أهمهم "عبد الظاهر مراد" و"أحمد دراق السباعي"، فالأول حقق ذلك من خلال حصوله على شهادة الإجازة من "أكاديمية الفنون الجميلة" في مدينة "روما" الإيطالية، وقد خلق لنفسه أسلوباً خاصاً به، من خلال تقنية استخدام السكين والعجينة اللونية الكثيفة بأعماله الفنِّية، ولم يستخدم الريشة والفرشاة مطلقاً، وما ميزه أكثر، عدم صنعه للخطوط في اللوحة، بل كان يتركها كي تظهر من تلقاء نفسها بين المساحات اللونية الكثيفة فيها، أمَّا الثاني فقد تنوعت أعماله بين المدرسة الواقعية حيناً، وحيناً آخر كان يقترب إلى التكعيبية، من خلال أسلوبه الخاص بمعالجة السطح واللون والشكل.. لاحقاً، ظهر الكثير من الفنانين التشكيليين في مدينة "حمص" الذين انخرطوا أكثر فيما يسمى "الحداثة التشكيلية"».

الدكتور المهندس نزيه بدور

محطات

الفنان التشكيلي إميل فرحة

يرى "إميل فرحة" رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في مدينة "حمص" بأنَّ الحركة التشكيلية تطوّرت على مدار عقود عدَّة، واختلفت المدارس الفنِّية التي اعتمدت في أعمال فنانيها، ويقول في حديثه لمدونة وطن: «بدءاً من الواقعية الكلاسيكية الملحوظة لدى الفنان الرائد "صبحي شعيب"، ومروراً بالجيل الثاني كـ"عبد الله مراد" و"مصطفى بستنجي" اللذين ظهرا في ستينيات القرن الماضي، ويمكن تسميتهما بروَّاد "مدرسة الحداثة" في الحركة التشكيلية، من خلال انتقالهم من النمط الواقعي إلى نمط التجريد الكامل في رسم اللوحة والبراعة فيه، لحقهم في الفترة الزمنية ذاتها "غسان نعنع" الذي تميَّز بالأسلوب الواقعي والانطباعي بدايةً ومعه "بسام جبيلي" الذي صنع قفزة واضحة المعالم في الحركة التشكيلية السورية عموماً، من خلال التجريدية الكاملة في أعماله، التصويرية منها والنحتية، بعد ذلك جاء الفنان "عون الدروبي" ليخلق شيئاً مميزاً له من الدمج بين الواقعية والتجريدية».

الطريق إلى الحداثة

بدأت الحداثة تأخذ طريقها بشكل واضح في الحركة التشكيلية قبل نحو ثلاثة عقود تقريباً، ويرى "فرحة" أن «المقصود بالحداثة هو عدم تقيُّد الفنان بمدرسة فنِّية معينة في أسلوب عمله، ومحاولته ابتكار نمط عمل ونهج جديدين في لوحاته، هذا ما يدفعه دوماً للابتكار والتجديد للوصول إلى ذلك الهدف، وتطوير ذاته أيضاً، وقد برز في تلك الفترة فنانون أغنوا حركة الحداثة بأسلوبهم الخاص بهم، مثل "سهف عبد الرحمن" و"فريد جرجس" ومعهم "جورج ماهر" الذي ابتكر أسلوباً جديداً في الحداثة، من خلال الإخراج المميز للوحة، بالاعتماد على لقطات تحتوي منظوراً مركزاً على نقطة أو زاوية معينة فيها، حتى أنّه كان أقرب إلى السوريالية في نمط لوحاته، مع دمجها بالأسلوب التعبيري أحياناً، أضف إلى هؤلاء الفنان "فاروق قندقجي" الذي حافظ على أسلوب المدرسة التعبيرية إلى حدٍّ ما في أعماله الفنِّية، مع تطعيمها بشيءٍ من الأسلوب الرومانسي، صانعاً هو الآخر أسلوبَ عملٍ خاصاً به»، لافتاً إلى أنه وأثناء الحديث عن الحركة التشكيلية لا بد من ذكر فن "النحت" الذي لم يأخذ حقَّه على مستوى الممارسة والانتشار، وعلى الرغم من قلّة المشتغلين به من فناني المدينة إلاَّ أنَّ هتالك بعض الأسماء التي أثبتت براعتها فيه، وحققت بصمة خاصة لها، حتى وصلت إلى العالمية في شهرتها، أمثال الفنان "إياد البلال"، نذكر أيضاً الفنانة "ميسون حبل" التي اتخذت لنفسها أسلوباً فريداً في منحوتاتها، التي تزينت بها بعض الساحات العامة والمراكز الثقافية وغيرها من الأماكن.

لوحات فنية عرضت في أحد المعارض التي جرت مؤخراً

تجربة شخصية

ولجهة الحديث عن تجربته الفنِّية الشخصية وواقع الحركة التشكيلية الحالي يقول "فرحة": «بالنسبة لي اتخذت أسلوباً خاصاً بي منذ تخرجي من كلية "الفنون الجميلة" قبل ثلاثين عاماً وما زلت مستمراً به، وهو النمط التعبيري حيث وجدت نفسي في هذه المدرسة التشكيلية، وكان لتأثري بأعمال فنانين عالميين من المشاهير أمثال "موديل" دور في هذا الأمر، وهذا حال كلِّ فنان تشكيلي أيضاً، أما واقع الحركة التشكيلية في "حمص" فهو مبشِّر بالتفاؤل، في ظلِّ ظهور جيلٍ جديدٍ من الفنانين الشباب أصحاب الموهبة الخلَّاقة، الذين تخرَّجوا من مركز "صبحي شعيب" للفن التشكيلي، وما زال غيرهم يدرس فيه، وهنا يأتي دورنا كفنانين من ذوي الخبرة، لنوجه تلك المواهب وندعمها بالدراسة الأكاديمية، وبخبرة الفنانين القدامى الذين يتتلمذون على أياديهم».

نشير إلى أن اللقاء مع الفنان "إميل فرحة" قد تمَّ بتاريخ 25 حزيران في مقرِّ صالة "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية الكائن في شارع "عبد الحميد الدروبي" بمدينة "حمص".