في الوقت الذي تعاين فيها أبواب الجامع الأموي، يلفتك عند الباب الجنوبي المعروف بـ"الزيادة" سوقٌ نصفه مكشوف والنصف الآخر مغطى، تعاين السوق عن كثب لتعرف من محلاته التي تعرض المصوغات الذهبية والمجوهرات والتحف الشرقية أنه سوق "الصاغة" القديم.

نشأة السوق

يعود تاريخ السوق إلى العهد "الأيوبي"، في حين كان ازدهار صناعة الذهب في عهد المماليك بحسب ما ذكر كتاب "الوقائع الأثرية السورية" الصادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف.

لا أستطيع تحديد تاريخ بداية السوق، ولكن الترخيص الذي أخذته عن والدي يعود إلى عام 1901، وفي السبعينيات عندما بدأت بالذهاب إلى دكان والدي لتعلم الحرفة كان السوق عبارة عن قسمين: سوق داخلي وهو سوق الصاغة القديم يتميز بوجود ثلاثة أبواب وكان يتم إغلاقها في المساء، وقد تم إغلاقه بعد أن تعرض لحريق عام 1960 قضى على أكثر المحلات الموجودة فيه، والسوق الخارجي الذي ما زال محافظاً على هيئته من حيث تلاصق المحلات ومحافظة بعضها على مهنة صناعة الذهب وبيعه

وكانت جمعية صياغة الذهب في "دمشق" قد قسمت السوق إلى "الصاغة الجوانية" حيث كان يباع اللؤلؤ والجواهر، و"الصاغة البرانية" وفيها تباع الأساور والخواتم.

ماء الفضة

أما حديثاً فيقول "نقولا أنطون قاروط" أحد أصحاب محلات الذهب في السوق وقد ورث المهنة عن والده وجدّه: «لا أستطيع تحديد تاريخ بداية السوق، ولكن الترخيص الذي أخذته عن والدي يعود إلى عام 1901، وفي السبعينيات عندما بدأت بالذهاب إلى دكان والدي لتعلم الحرفة كان السوق عبارة عن قسمين: سوق داخلي وهو سوق الصاغة القديم يتميز بوجود ثلاثة أبواب وكان يتم إغلاقها في المساء، وقد تم إغلاقه بعد أن تعرض لحريق عام 1960 قضى على أكثر المحلات الموجودة فيه، والسوق الخارجي الذي ما زال محافظاً على هيئته من حيث تلاصق المحلات ومحافظة بعضها على مهنة صناعة الذهب وبيعه».

دخلاء المهنة

تعدُّ صناعة الذهب قديماً من أصعب المهن وتحتاج إلى قوة بدنية كبيرة، لذا كان عدد الحرفيين فيها قليلاً، ويقول "قاروط": «كان عدد العائلات التي تعمل في صياغة الذهب قليل، ويبلغ حوالي 60 إلى 70عائلة دمشقية أصيلة، ويعود ذلك لصعوبة صناعة الذهب في الماضي قبل أن تتطور الحرفة وتدخل الآلات في صناعتها، فقد كانت صياغة الذهب وتشكيله تتم بورشة داخلية في المحل لتعرض المشغولات بعد انتهائها على واجهته لبيعها، ويتميز كل حرفي بشعار خاص به لا يتجاوز 32 بوصة يتم وضعه على القطع المشغولة لديه، لتختفي هذه الشعارات مع مرور الزمن نتيجة لتدخل الآلات وتحول الحرفة إلى مهنة، ووجود الكثير من الدخلاء عليها».

نقولا انطون قاروط

وعن صعوبة صناعة الذهب وصياغته بأشكال فنية ذات ذوق رفيع، يقول "قاروط": «في الماضي كان يتم لحم الذهب عن طريق آلة تدعى "بورية" حيث يتم وضع الكاز في الفم ونفخ بوالين لتصنيع القطعة وكان الحرفي يخرج الدخان من أنفه، فيما يتم سحب الذهب عن طريق ربط الحرفي ظهره بحبل ويجلس على كرسي ويقوم بإدخال الذهب من جهة وسحبه من الجهة الأخرى لأنبوب فيصبح أقل سماكة، وكان هذا العمل يحتاج إلى عزم وقوة كبيرة تؤخذ من الحبل المربوط على الظهر، إضافة لامتلاك الحرفي أسلوباً فنياً وذوقاً وحرفية عالية في تشكيل القطع المميزة، أما اليوم فأصبح هناك آلات للنفخ ودواليب للسحب وتم الاستغناء عن التلميع بالخيط، كما أن المخابر أدت إلى الاستغناء عن فحص الذهب بالحكّ، وهي طريقة لا يعرفها سوى قليل من الصاغة، حيث يتم حكّ الذهب بحجر خاص وتوضع عليه مادة خاصة ليتم التعرف على نسبة الذهب الصافي من لون الذهب على الحجر وهذا الأمر يحتاج إلى خبرة ومعرفة».

زينة وادخار

يُعرف الذهب منذ الماضي على أنه زينة للمرأة وخزينة للرجل، حيث كانت النساء تشتري الذهب لتتباهى به أمام قريناتها ولتحفظ أموال زوجها، في حين كان الرجل يجد فيه الاستثمار الأقل خسارة للحفاظ على أمواله، فقد كان الذهب في الماضي أحد أهم الطرق لاستثمار المال بنسبة خسارة قليلة جداً، أما في الوقت الحالي وفي ظل ارتفاع الأسعار أصبحت الأولوية لشراء ليرات الذهب التي تكون معفاة من أجور الصياغة التي يتم احتسابها كأجرة لتشكيل الذهب، كما إنه لم يعد المعدن الأساسي في جهاز العروس كما كان في الماضي، فقد أصبح الكثير من الشباب يكتفون بشراء المحابس فقط أو يلجؤون لشراء الذهب المقلد عوضاً عن الحقيقي لغلاء سعره.

حجر الحكّ