صنعه الرجال في الماضي البعيد، عندما أصابهم الفقر والعوز، حينها لم يكن الكثيرون يملكون ثمن شراء الأحذية، فبادروا إلى صناعة "الجاروخ" حذاءً لأرجلهم في جميع الأوقات، واليوم لم يبق من "الجاروخ" إلا قطعة واحدة، يحتفظ بها "أندراوس شابو" في معرضه التراثي بمدينة "القامشلي"، يعيد بها ذكرياته عندما كان يرتديه أهله ووالده، ويذكّر به زوّار المعرض الذين يجهل الكثير منهم تفاصيل ذلك الزمن.

تاريخ" الجاروخ"

قبل أن يصل "الجاروخ" إلى معرض "شابو" شاهد والده وهو يرتديه، فقدم كل ما يتعلق بتاريخ وقصة ذلك الحذاء بقوله: «صنعه الأجداد منذ 150 عاماً وأكثر، في تلك الفترة كان أهلنا وأجدادنا يعيشون فقراً حاداً، حيث لم يكن صنعه يتطلب جهداً وتكلفة مادية، فالمنطقة بالأساس غنية بالثروة الحيوانية، وصناعته تعتمد على المادة الرئيسية وهي جلد رأس العجل بعد ذبحه، حيث كانوا يقومون بنزع جلد الرأس وتنظيفه بالشكل المطلوب، ثم يعمدون إلى قصه وخياطته يدوياً بعد تنشيف الجلد لفترة مناسبة». مضيفاً: «ذلك النوع من الجلد قوي جداً حيث يمكن للشخص ارتداؤه زمناً طويلاً دون أن يتلف، كانت صناعته مقتصرة على الرجال، أمّا ارتداؤه فيصلح للرجال والنساء.. كانوا يرتدونه في الصيف والشتاء، فأثناء البرد والمطر يرتدون جوارب سميكة للحماية من البرد».

ذلك النوع من الجلد قوي جداً حيث يمكن للشخص ارتداؤه زمناً طويلاً دون أن يتلف، كانت صناعته مقتصرة على الرجال، أمّا ارتداؤه فيصلح للرجال والنساء.. كانوا يرتدونه في الصيف والشتاء، فأثناء البرد والمطر يرتدون جوارب سميكة للحماية من البرد

أصل التسمية

يرجح "أندراوس شابو" تسمية "الجاروخ" نسبة إلى شكله القريب من السفينة، فهو على شكل واحد وقالب واحد وحتّى مقاس واحد، ليست له مقاسات متعددة كما الحال مع الأحذية في زماننا الحالي، فالهدف الرئيسي من "الجاروخ" ارتداؤه دون التعرض للأذى أثناء المسير، ويتابع حديثه بالقول: «لم أجد إلا جدي ووالدي وهما يرتديان "الجاروخ"، قبل عشرات السنين، عندما اندثر بشكل كامل، احتفظ والدي بذلك الحذاء، وعرضه ضمن المعرض، ويعدّ قطعة مهمّة للزوّار، فالكثير يجهل قصته وتاريخه، الأهم من ذلك أنه القطعة النادرة والوحيدة التي نحافظ عليها على مستوى المنطقة، لا يمكن بيعها أو التخلي عنها أياً كان الثمن، تكفيني السعادة الكبيرة التي أشعر بها حين يقف الزوّار أمام هذه القطعة، يبحثون عن تاريخها، وكيف كانت ملاذَ الأرجل لقدمائنا وأجدادنا، وبصناعتهم وفكرتهم، لم يتعلموا من أحد كيفية إنجازه، تصدوا للفكرة وصنعوه على الفور».

اندراوس شابو

هدية صديق

الجاروخ ضمن معرض تراثي

يتذكر الحاج "عمر خالد بدر الدين" الهدية الثمينة التي حصل عليها من صديقه الطيب "حنا الياس" حسب وصفه في مدينة "القامشلي" قبل 60 عاماً، قال عن تلك الهدية: «كان هناك تواصل طيب بيني وبين "الياس" لمحتُ عنده "جاروخاً"، أخبرته بنيتي شراء قطعة منه إذا توفر في السوق، فلم يكن منه إلا أهداني تلك القطعة التي عنده دون مقابل، ارتديته لفترة من الزمن في العمل بالزراعة، كانت القطعة قوية ومتماسكة لا تنقطع بسهولة، لكن وبعد أن أرهقتها في الأرض والعمل، لم تعد صالحة ولم يبق لها أثر، لكنها تبقى هدية جميلة من صديق جميل».

وتبقى الرغبة الأكبر عند فئة الشباب للتعرف على تفاصيل "الجاروخ"، إذ يعدونه شيئاً غريباً وجديداً في حياتهم، منهم الشاب "عز الدين ناصر العلي" من أبناء ريف "القامشلي" الذي أفرد زيارة خاصة لمعرض "شابو" بعد أن سمع عنه من أصدقائه، مشيراً إلى أن تلك القطعة هي إثبات جديد بأن الماضي بكل ما فيه جميل ومفيد، فالأنامل الطيّبة والخيّرة للآباء والأجداد صنعت وأبدعت في الصنع.

الجاروخ

زارت مدوّنة وطن "eSyria" معرض "أندراوس شابو" ووجدت "الجاروخ" وأجرت اللقاءات بتاريخ 25 حزيران 2021.