لم يقتصر دور الدكتور "عدنان عويد" ابن مدينة "دير الزور"، على التدريس وهو خريج قسم التاريخ -جامعة "دمشق"- بل جاوز ذلك للاشتغال على الفكر بمساراته بحثاً وتحقيقاً، حتى وضع للمكتبة العربية وللمهتمين بقضايا الفكر الكثير من النتاجات على هذا الصعيد.

في غمار الفكر

يقول المفكر الدكتور "عدنان عويد" في حديثة لـ"eSyria": "أغلب من سطع نجمهم في مختلف النشاط الإنساني فكراً وغيرها من مواقع الحضور في "سورية"، لا بدّ وأن تكون العاصمة "دمشق" مقصده أو يبقى محصوراً في بيئته المجتمعية، فيما هو يتوق للوصول لأوسع مدى.. في" دير الزور" في الأطراف البعيدة حيث كثيرٌ من قاماتها الفكرية والفنية.. كُتابٌ وشعراء، مطربون وممثلون، قاصّون وروائيون.... إلخ ممن لم يُتح لهم البروز أو إن جاز التعبير الظهور، لكنهم بقوا مُصرّين على أن يصنعوا شيئاً".

ويضيف : "الخوض في غمار الفكر يحتاج ثقافة موسوعيّة تستقرئ وتّحلل، أنت هنا أمام مدارس فكرية مُتعددة وقراءات مُتنوعة، في السياسة أو الفلسفة أو الاقتصاد، أو الدين والتاريخ، أو الفن ومجمل الموروث ... إلخ، ليست الميزة أن تطلع فتفهم فتستعرض في تعالٍ نُخبوي، بل الميزة أن تُكوِّنَ قراءتك الخاصة وخطك الفكري غير الُمنفصل عن الواقع".

د. عبد الله الشاهر

حصاد فكري

أحمد العلي

مارس "عويد" العمل الحزبي مُديراً لمدرسة الإعداد الحزبي فزاده ذلك التصاقاً بقواعد جماهيرية، قارب همومها ولمس توق البعثيين للثقافة والاشتغال عليها إلى جانب تعزيز الوضع المعيشي، فالوعي حسب وصفه، رصيد الجماهير مُتشعبة الوجهات، فكان المُحاضر من على منصاته الثقافية.

يمتلك "العويد" الكثير من النتاجات المعرفيّة التي بدأها بـ"الديمقراطية بين الفكر والممارسة" الصادر عن دار "العلم" في العام 1994 وأعيد طبعه من قبل "دار التكوين" عام 2006، ثم أتبعه بكتابه الذي حمل عنوان "إشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط" بطبعته الأولى العام 1997 الصادرة عن "دار المدى" والثانية الصادرة عن "دار التكوين" عام 2006، وثالثها "التبشير بين الأصوليّة المسيحية وسلطة التغريب" بطبعتين عامي 2000- 2007.

الشاعر ناظم علوش

وفي العام 2002 كنا على موعدٍ مع كتابه الذي تناول فيه قضايا التحرر وعنوانه "معوقات حركة التحرر العربية في القرن العشرين" ، ثم "الإيديولوجيا والوعي المُطابق" الذي صدرَ عن "دار التكوين" عام 2006، وفي العام 2008 أصدرت له "دار التكوين" كتابه "رأسمالية الدولة الاحتكارية"، ليختمها بصدور كتاب ترجمه بنفسه جاء بعنوان "قضايا التنوير" صدر عام 2011، وذلك بعد أن عمل ذاتياً على تعلم اللغة الإنكليزية دون أي مساعدة أو تدريب.

بالحجة والبرهان

يقول "عويد" في حديثه لمدوّنة وطن: "جاءت الأزمة السورية بمفرزاتها التي طالت أوضاعنا، فكان الملجأ هنا المواقع الإلكترونية الصحفية والناشطة في قضايا الفكر، إضافةً لمتنفسي حيث صفحتي الشخصية على"الفيسبوك" التي منحتني فرصة نشر أفكاري لطيفٍ واسع، وكانت أيضاً هذه الأزمة مُناسبة لقيامي كمثقف بدوري في تناول الحراك، بتشعباته الداخليّة والخارجيّة ومديات الاختراق الذي حدثت والتوظيف الخارجي لها، هنا كان اشتغالي على الفكر الإسلامي السياسي، مع الأخذ بالحسبان أنّ أكثرية الحراك اختُطفت من قبل تيارات إسلاموية عملت على لي عنق النصوص، فالإسلام مدنيٌ ترك للناس إدارة شؤونهم على أنّ شكل الحكم هو توافقي بين بشر هم من يُحدد طُرق وأساليب تركيبته ومديات ممارسته... الإسلام دين هداية وضع خطوطاً عامة، فيما الحكم تفصيلٌ بشري وبالتالي هو يُحاكي أناسَ كلِّ زمنٍ بأدوات زمانهم والتي منها الآن الأحزاب والتيارات والتكتلات السياسية والتحالفات الحزبية، نشرت العديد من الدراسات "المُحاججاتية" -إن صح التعبير- تناولت فيها تفنيد قراءات تلك الجماعات، وقد جمعتها في كتاب سيصدر قريباً بعنوان "الخطاب السلفي وتحطيم العقل".

الثقافة كسلوك

الكاتب والأديب "عبد الله الشاهر" مدير تحرير مجلة الأسبوع الأدبي، قال "عرفت الدكتور "عويد" منذ أربعين عاماً، هو قامة فكرية نعتز بها ومكسب لأي مؤسسة يعمل بها، مثال المثقف الذي أراد وعمل أن تكون الثقافة سلوكاً مُعاشاً ممن يكتنزها، لا تنظيرياً فبقي في حياته العمليّة ثابتاً على مقولته (الثقافة وعي الذات)، وهذه إحدى تأسيسات كاتبنا في تناولاته لمختلف قراءات المدارس الفكرية على مستوى العالم، دراسات عدة أُجريت على كتبه كانت إحداها ما نشرته مجلة "الأسبوع الأدبي" عن كتابه (التبشير بين الأصوليّة المسيحيّة وسلطة التغريب) والذي تناول في دراسة عميقة موضوع الإرساليات الغربية المسيحية ودوافعها التغريبية التي استهدفت كيان الأمة ككل، كما تناول كتابيه (الإيديولوجيا والوعي المطابق، ومعوقات حركة التحرر العربية في القرن العشرين) في دراسة الشاعر والأديب "رياض طبرة"، كذلك تناول الكاتب والسفير السابق الدكتور "خلف الجراد" كتاب "عويد" عن التبشيرية المسيحية الغربية".

ويمكن القول -حسب الشاهر- إن "عويد" هو مُفكر معطاء عَملَ على نفسه رغم أوضاعه المادية الصعبة التي لم تسمح له بمغادرة دير الزور فترة حصار تنظيم "داعش" الإرهابي ليعيش المعاناة مع أهلها في وقت خرج الكثير من المقتدرين مالياً، حقيقةً ما نتمناه هو إنصاف هذا المُفكر الفذ الذي قدّمَ الكثير لحركة الوعي.

70 عاماً

مدير الثقافة بدير الزور "أحمد العلي" أشار في حديثه لـ"eSyria" بالقول: "لعلّ المُلفت عند تناول هذه الشخصية أنها ليست ممن يسعى وراء الموقع في سلم المسؤولية، بل إن رصيده في الإنتاج الفكري يبقى كنزه الثمين، هو في حراك مُستمر من على منابر الثقافة على أرض الواقع، أو في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أو على صعيد الإصدار الكتبي الذي أغنى المكتبة العربية... تجاوز عمره السبعين ولا يزال سيد المنبر، يمتلك أدواته بإتقان كحصيلة لثقافة تراكمية لم تكن سوى نتيجة جهدٍ شخصي.. قرأت له عدداً من كتبه وأعدها مرجعاً يُعتد به عند التطرق لموضوعاتها في أي سجال أو حوارٍ عام أو خاص، وأنا لا أفوّت بحكم ضرورات المتابعة للشأن الثقافي ما يُنتجه، ولقد وفرت علينا صفحته الشخصيّة على "الفيسبوك" الكثير من عناء البحث، طروحاته النقدية تعد فعلاً تنويرياً بمنتهى المهنية التي تضع أسساً ومنهجية واضحة تُمكنان من نقاشات مُفيدة تُغذي العقل بإجابات في أقلها تكون مدعاة للتفكير، ولعل الخطوة الأخيرة بتسميته رئيساً لفرع اتحاد الكتّاب العرب جاءت في مكانها لنتمنى بذلك تفعيلاً للاتحاد".

أثبت كيانه

الشاعر "ناظم علوش" يقول: "اشتغل مُفكرنا على الفكر العقلاني وتيارات الحداثة وما بعد الحداثة على مستوى الفن والفلسفة وعلم الاجتماع ونشر عشرات الدراسات على هذا الصعيد في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية العربية، ناهيك بأنّه كاتبٌ ومُفكرٌ له وزنه بنى نفسه وثقّفها ذاتياً، الأمر مهم في ذلك رسالة أنك تستطيع أن تكون متى أردت"، مضيفاً: "استفدنا منه ولا نزال وستستفيد الأجيال القادمة مما يُقدمه على صعيد الفكر الإنساني وحركة التنوير التي نحتاجها كثيراً اليوم مع تسلط الأفكار الظلامية و(تسذيج الإنسان وتسليعه).. باختصار " العويد" رمزٌ ثقافي في المحافظة وعموم سورية أثبت كيانه ورسّخَ جذوره بالكلمة وعبرها".

* العويد في سطور :

يُذكر أنّ الدكتور "العويد" من مواليد محافظة دير الزور العام 1950 درس الابتدائية بمدينة دير الزور والإعدادية فالثانوية في البوكمال، لينال بعدها الإجازة في التاريخ من جامعة دمشق عام 1975، تابع دراساته العليا لينال درجة الماجستير في العلوم السياسية عن رسالته المعنونة (الإيديولوجيا والفكر السياسي العربي المعاصر) الصادرة عن الجامعة الدولية الأمريكية في القاهرة، ومن ذات الجامعة حاز درجة الدكتوراه عن أطروحته (إشكالية الخطاب الديمقراطي في الوطن العربي).

ترأس "العويد" لسنوات رئاسة تحرير صحيفة الفرات في المنطقة الشرقية، وهو يشغل حالياً رئاسة فرع اتحاد الكتّاب العرب بعد صدور قرار تسميته منذ عدة أيام.