تبرز عادة تربية "المعاليف"* وتسمينها من أجل مؤونة الدهن المخزن للشتاء كواحدة من العادات التي ما زالت سائدة في "جبل العرب" حتى الآن؛ على الرغم من توافر محال القصابة، ولكن الدهن يغني عن اللحم حيث يدخل في الكثير من الأكلات الشعبية.
مدونة وطن "eSyria" التقت السيد "حمزة الغوطاني" يوم الثلاثاء الواقع في 20 كانون الثاني 2015، في قرية "طربا"؛ الذي تحدث عن هذه العادة القديمة بالقول: «تعود هذه العادة إلى عشرات السنين وعلى ما يبدو أن لكل مجتمع عادة مشابهة في تخزين اللحوم وحفظها لوقت الحاجة، فنحن اعتدنا تربية "المعاليف" من أجل ذبحها في عيد الصليب الذي ينبئ بمجيء الشتاء، وهو الفصل الذي يجعل خيارات العائلة الغذائية محدودة، ويمكن أن تكون الثلوج عاملاً مساعداً على عدم قدرة رب الأسرة على تأمين مصادر متنوعة من الطعام، والدهن المستخرج من "المعاليف" يغني عن اللحم في الطعام ويعطيه طعماً لذيذاً، وعاملاً مساعداً على الدفء لكونه يحتوي على سعرات حرارية عالية، ولكن ذلك يتطلب العمل على تسمين هذه "المعاليف" بطريقة مدروسة حتى تحقق المراد منها».
أما في منطقتنا فهي الطريقة التي يمكن بها تخزين هذه المواد وقتاً طويلاً دون أن تتلف، والسبب لأن اللحوم غير متوافرة يومياً ولا يتواجد ثلاجات لحفظها، ولا المواصلات السريعة لجلبها من مراكز بيعها في المدن، ودهن "القاورمة" يسد نقص مادة البروتين ويعوض بوجه رئيسي عن تناول اللحوم، فكان كل بيت يخزن ما يكفيه عاماً كاملاً من الدهن مثله مثل الزيوت والحبوب والألبان والأجبان وغيرها
ويضيف "الغوطاني" عن تفاصيل تربية "المعاليف" بالقول: «تخضع الأغنام التي اختيرت لتكون "معاليف" لنظام غذائي مدروس تشرف عليه ربة المنزل بدقة متناهية، حيث يكون الغذاء الخاص من حبوب (القطاني) المجروش، والشعير و"التبن" العادي الخالي من القصل، وتبن الحمص، وكانت ربة البيت تجبر "المعاليف" على الطعام الزائد من خلال وضع هذه الخلطات بالماء وتضيف الملح الصخري إليها على شكل كرة صغيرة حتى تأكله وتطلب الماء الكثير، وهكذا حتى تصبح المعلوفة مناسبة للذبح وغير قادرة على المشي، حيث يقوم رب البيت باستدعاء القصاب وسط احتفالية صغيرة في البيت؛ بسبب توافر اللحم المخصص للشوي والقلي وكذلك الكرش وملحقاته والرأس و(المقادم) أيضاً، والباقي تقوم النساء بفرم اللحم مع الدهن بقطع صغيرة لطهوه على النار وإخراج ما يسمى الدهن أو"الحراحيس" أو"الدامي" كما يطلق عليها بالعامية في الجبل، وهو مالح جداً لكي يصمد أكبر مدة ممكنة».
أما الفنان العالمي "فؤاد الورهاني" المولود في قرية "الكارس"، والصديق الدائم لمدونة وطن والشاعر المغترب، فقد تحدث عن هذه العادة في "جبل العرب" وتشابهها مع عادات الشعوب الأخرى بالقول: «كان الدهن أو "القاورمة" مادة رئيسية في تموين الشعوب سابقاً؛ فمنهم من يقدد اللحوم والأسماك تحت أشعة الشمس، ومنهم من يشويها بدرجة حرارة منخفضة داخل صومعة لتتعرق وتجف وتمتص دخان الحطب، وعندها تمكث وقتاً طويلاً دون تلف سواء كانت من لحوم أو من سمك، ومنهم من يخزنها لحماً كما هي في المناطق الباردة داخل كهوف من الثلج، ومنهم من يحفظها بالملح فقط، فقبل تواجد البرادات كانت العمليات التجارية تعتمد على رص اللحوم أو الأسماك بالملح فقط، وكانت تتم عمليات التصدير بين البلدان من قارة لقارة بهذه الطريقة».
ويتابع: «أما في منطقتنا فهي الطريقة التي يمكن بها تخزين هذه المواد وقتاً طويلاً دون أن تتلف، والسبب لأن اللحوم غير متوافرة يومياً ولا يتواجد ثلاجات لحفظها، ولا المواصلات السريعة لجلبها من مراكز بيعها في المدن، ودهن "القاورمة" يسد نقص مادة البروتين ويعوض بوجه رئيسي عن تناول اللحوم، فكان كل بيت يخزن ما يكفيه عاماً كاملاً من الدهن مثله مثل الزيوت والحبوب والألبان والأجبان وغيرها».
أما عن الأكلات الشعبية التي يستخدم فيها الدهن، فتضيف السيدة "نبال درويش" المولودة في قرية "الرضيمة الشرقية": «تخضع هذه العملية للذوق العام داخل العائلة، والأكثر طلباً على وضع "القاورمة" أو الدهن في الطبخ هي أكلة "الكشك" الشعبية التي تصنع في الجبل لتطبخ في الشتاء وفي يوم عاصف وثلجي، حيث يجتمع أفراد العائلة لتناول "الكشك"، والبحث عن "الحراحيس" في جو مرح، وما زالت هذه العادة في صنع الدهن مستمرة إلى الآن، وهي تضاف لأغلب الطبخات مثل الفاصولياء والبازيلاء، ويمكن أن توضع مع البيض بدلاً من السمنة أو الزيت».
يقول الشاعر "فؤاد الورهاني" عن هذه العادة في كتابه "ضيعتي" بنسخته الثانية:
"عا عيد الصليب... مونت البيت منلدهن
لازم نجيب...
المعلوفي عنا ناصحا... وشكلا غريب
يدربو درابي ويطعموها... بالغصيب
نبرمت برم تاصار... منظرها عجيب
أمي تخاف كثير عليها من الذيب
توصيني أصحا بصرك عنها يغيب
ولما إجى وقت النصيب... ندهوا لعمي بو نجيب... شغلتو التقصيب
جايب سياخو وجاي وبيتو مش قريب
وبس حلللا... وبعد ما الدهن نسلا
وحرحوس هاللحم نقلا
وهون الدهن واللحم مع ملح نغلا
ولما برد... لدامي ببيطس أو بزلعا حصلا
وشال الكرش والمصرين وغسلا
والراس والكراعين بمي مغلي نزّلا
والشعر من كل المطارح نتلا
منشان إمي ليوم غمي تعملا"».