تعد العلاقة بين المدرس الخصوصي والمناهج التعليمية من جهة، والطلاب والأهل من جهة أخرى، علاقة ذات إشكالية غير نمطية من ناحية الأهمية والفائدة واللازمة، خاصة أنها أصبحت علامة فارقة للعملية التعليمية.
فالدروس الخصوصية أمر لا بد منه في ظل تردي واقع العملية التعليمية من ناحية ضمير المدرس والتزامه الأخلاقي بمهنية وقيم العملية التعليمية التربوية، وهذا ليس بوجه شمولي وإنما بوجه عام كحالة بدأت الناس تتململ من أعبائها وتبعياتها وتحولها إلى ظاهرة، خاصة مع ضعف الحالة الاقتصادية، إذاً "من علمني حرفاً بضمير عبداً له سوف أصير"؛ عبارة بدأت بها المهندسة "ذرى سويدان" التي أكدت أن الدروس الخصوصية هي حل لتحسين الوضع المعيشي للمدرس، وهي حل جيد أيضاً للطالب الذي لم يحصل على حقه التعليمي من ذات المدرس الخصوصي أو زميل له في المدرسة، مضيفةً: «برأيي تتواجد مبررات كثيرة لدى الطالب للحصول على الدروس الخصوصية أهمها: أن عدد الطلاب في القاعات الصفية الواحدة ضمن المدرسة لا يسمح للطلاب بالحصول على المعلومة الكافية أو بطريقة صحيحة، ليستفيد منها معرفياً، وهنا يتولد لدى المدرس نتيجة عدم إخلاصه في العملية التعليمية هاجس وحلم الدروس الخصوصية، فيتعمد تهميش بعض الطلاب ليقبلوا على الدروس الخصوصية لديه.
أنا مجبرة بالدروس الخصوصية لابني، لأنه وحتى الآن لم يحصل على حصة واحدة في مادة اللغة الإنكليزية في المدرسة لعدم وجود مدرس أو لأن المدرس لم يلتحق بدوامه المدرسي، وهنا غير متأكدة من السبب
ولكن مع كل هذا وذاك أنا غير مؤمنة بهذه الدروس الخصوصية، ولكنها تفرض وجودها على الأهل والأسرة، ولا تسمح بخيارات القبول أو الرفض، حرصاً على متابعة بناء الأبناء معرفياً، أو كي لا يشعر الأهل بالذنب تجاه أنفسهم وأبنائهم بالمستقبل، إن لم يخضعوهم لهذه الدروس».
أما السيد "تمام زينو" فيرى أنه طالما هو قادر ومتمكن من تعليم أولاده، فلن يلجأ إلى الدروس الخصوصية التي أصبحت موضة العصر برأيه، وهنا قال: «من أسباب توجه الأهل إلى إعطاء أبنائهم الدروس الخصوصية، أنهم غير قادرين على مواكبة المراحل التعليمية لأبنائهم لضعف قدرتهم الثقافية على المواكبة مع تطور المناهج التعليمية وتشعبها، وهذا قسم من الأهل، أما القسم الآخر فهم ينظرون إلى الدروس الخصوصية من الناحية التوازنية مع المستوى الاجتماعي لهم، أي هي عبارة عن موضة أو "بريستيج" اجتماعي فقط بالنسبة لهم.
وكتجربة شخصية لي فأنا متابع للحالة التعليمية لابنتي في الصف الخامس، ولا أجد أي ضعف شخصي مني تجاه إمكانية تعليمها في المنزل في حالة احتاجت، أي إني أقوم بدور المدرس الخصوصي في المنزل، وهناك جانب آخر وهو الحاجة للدرس الخصوصي رغم التزام الطالب في الدوام المدرسي والحالة التعليمية في المدرسة، وهنا أقول إن التقصير من قبل المدرس هو السبب الأساسي في هذا الجانب، وسأستشهد بمثال حي جرت أحداثه معي في الثانوية، حيث كان المدرسون في تلك الفترة يقدمون الدروس الخصوصية لمن يرغب، ولكن بشرط ألا يكون الطالب من طلاب المدرس ذاته في المدرسة، لأن هذا المدرس مؤمن بأنه يقدم كامل طاقته التعليمية وبإخلاص لطلابه في المدرسة».
في حين أن السيدة "نايفة سمعول" تؤكد لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 كانون الثاني 2015، أن الضرورة هي السبب في الدروس الخصوصية لبعض المواد التعليمية، رغم أنها إرهاق مادي كبير بالنسبة لها، مضيفةً: «أنا مجبرة بالدروس الخصوصية لابني، لأنه وحتى الآن لم يحصل على حصة واحدة في مادة اللغة الإنكليزية في المدرسة لعدم وجود مدرس أو لأن المدرس لم يلتحق بدوامه المدرسي، وهنا غير متأكدة من السبب».
أما السيد "سركيس معوض" فيرى أن الدروس الخصوصية عبئاً على الجميع بمن فيهم العملية التعليمية كشخصية اعتبارية، وعنها قال: «المدرس لا يستطيع الإعطاء بالطريقة الجيدة والمفيدة والمناسبة ضمن المدرسة، ليتمكن من تقديم الدروس الخصوصية للحصول على المال الإضافي شهرياً، وهذا على حساب الأهل والطلاب على حد سواء، إضافة إلى أن المنافسة بين المدرسين بوجه أساسي ضمن المدرسة، خلقت حالة من عدم التركيز والتوازن بالمعلومات، وأحياناً ضغطاً فكرياً على عقول الطلاب، وتناقضاً في المعلومات ما بين الدرس الخصوصي والدرس في المدرسة، وهذا ما لاحظته واقعياً من خلال خبرتي وتجربتي في محيطي الاجتماعي، وهذا أمر خطير جداً جداً، وقد أدى في بعض الأحيان كما لاحظت إلى فشل الطلاب دراسياً في مرحلة معينة، رغم تفوقهم المستمر على صعيد جميع المراحل التعليمية».
ويتابع السيد "سركيس": «أنا مدرك تماماً لبعض الطلاب المتفوقين في المرحلة الثانوية الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على الشهادة الثانوية نتيجة ضغط المعلومات، وضخامة الحصص الدراسية، وعدم توافقيتها مع ما يقدم في المدرسة.
فمثلاً لدي ابنتان هما من المتفوقات في مدرستهما الثانوية والإعدادية، وقد وضعت لهما مدرسين خصوصيين للتقوية خشية ألا تحصلان على مجموع مرتفع، وهذا أرهقني مادياً، وأعتقد أن ظاهرة الدروس الخصوصية مستشرية في محافظتنا أكثر من غيرها، إضافة إلى أن بعض المدرسين يهولون كثيراً بوجه الطالب للحصول على الدروس الخصوصية».
من ناحية أن الدروس الخصوصية هي عبء، نعم هي عبء مثقل بالهموم والمصاريف المادية الكبيرة، فقد يكلف طالب الشهادة الثانوية ما يقارب 150 ألف ليرة سورية في العام الدراسي ضمن مدينة "بانياس"، فكم سيكون دخل المدرس الخصوصي للمرحلة الثانوية في العام لو فرضنا أن لديه عشرين طالباً؟ وهذا بالحد الأدنى لعدد الطلاب، ولكن المدرس "سامي حسن" أكد أن الدروس الخصوصية وجدت في البداية لترميم ضعف الطالب في مادة معينة، إذاً، أين الخلل؟ هنا يقول المدرس "سامي" متابعاً حديثه: «للأسف نتيجة غياب الكفاءة والخبرة الكافية لدى العديد من المدرسين والمدرسات، وارتفاع عدد طلاب الشعبة الصفية الواحدة، وغياب ضمير بعض المدرسين، شهدنا انتشاراً واسعاً وكثيفاً للدروس الخصوصية، إلى حد أصبحت ظاهرة بكل معنى الكلمة، إضافة إلى أنه ومن خلال ملاحظتي ومتابعتي للعديد من الطلاب، وجدت أن القسم الأكبر من الأهل يحاولون تأمين متطلبات التفوق ومنافسة الأقران، وهناك منهم وللأسف يحاولون رفع المسؤولية عنهم وإلقاءها على عاتق مدرسين خصوصيين يعني لكل مادة أستاذها، مع معرفتهم بمستوى أبنائهم، وهنا في المستقبل لا يمكن للأبناء وضع المسؤولية والحق على الأهل إن فشلوا، وهذا جانب آخر يدركه الأهل».
ويتابع السيد "سامي": «بصرف النظر عن الفساد بين بعض المدرسين، وغياب الضمير المهني، والحالة الاجتماعية السائدة، فإن طبيعة المناهج وطرائق التقويم "الامتحانات التقليدية"، والكتب المثقلة بالمعلومات المبعثرة والشائكة، وعدم وجود أي منهجية واضحة في التأليف يعني مناهج نسخ لصق -إن صح التعبير- كل هذه الأمور تجعل الطالب والأهل في رعب الفشل وحيرة الحل، والمنقذ هنا هو "المدرس الخصوصي"، وذلك بنظر الأهل.
وهنا يبرز لدينا نوعان من المدرسين؛ الأول وهم "القلة" من يعمل على تحليل المعلومات وتركيب أسئلة مناسبة وفق منهجية تسهل مهمة الطالب في التعلم، أما النوع الثاني وهم الأكثرية وللأسف، فيتبعون أسلوب حذف أفكار وفقرات وتلخيص المعلومات لجذب أكبر عدد ممكن من الطلاب، لكن بالنتيجة يفقد الطالب الكثير من محصلة علاماته النهائية».