قرية أطلت على سهول الغاب من الجهة الشرقية لسلسلة الجبال الساحلية، سميت كناية بدير القديسة "ماما"، تميز أبناؤها بنشاطاتهم الإنتاجية المتنوعة، وتعصبهم للجودة في الإنتاج للمحافظة على أسواق التصريف.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 2 تشرين الأول 2014، قرية "دير ماما" التابعة لمدينة "مصياف" في محافظة "حماة"، والتقت المدرس المتقاعد "محمد حسن"؛ ليحدثنا عن الموقع الجغرافي للقرية بالقول: «تتربع قرية "دير ماما" الممتدة على طول الطريق الواصل بين مدينة "مصياف" وقرية "اللقبة" على السفح الشرقي لسلسة الجبال الساحلية، وإلى الغرب من مدينة "حماة" بنحو خمسة وثلاثين كيلومتراً، وإلى الشمال من مدينة "مصياف" بنحو اثني عشر كيلومتراً، وهي قرية ذات إطلالة ساحرة على بداية "سهل الغاب" من الناحية الجنوبية، ويقدر ارتفاعها عن سطح البحر بنحو 550 متراً، وهذا ما جعل مناخها إضافة إلى موقعها الجغرافي ما بين السلسلة الجبلية والداخل، متقلباً لا يهدأ إلا في فترة "التشارين"، حيث يتميز بهبات هوائية ومركز ضغط جوي متخلخل، وبالعموم المناخ بارد في فصل الشتاء، ومعتدل في فصل الصيف».

يتكون مجتمع القرية الاجتماعي من خليط طائفي تعايش فيه المسيحيون والمسلمون بأجمل صور التعايش الإنساني، فكان من أهم عائلات هذا المجتمع: آل "إسبر"، وآل "أسعد"، وآل عباس"، وآل "ونوس"، وآل "محمود"، وآل "بركات"، وآل "حيدر"، وآل "مخلوف"، وآل "رسلان"

أما عن حدودها الجغرافية وسبب تسميتها، فيقول السيد "محمد": «يحد قرية "دير ماما" من الجهة الشمالية قرية "اللقبة"، ومن الجهة الغربية قرية "الحيلونة"، ومن الجهة الشرقية قرية "المحروسة"، أما من الجهة الجنوبية فتحدها قرية "الحريف".

الأستاذ محمد حسن

وفيما يخص تسمية القرية بـ"دير ماما" يقال إن التسمية أتت من اسم دير قديم جداً موجود في المنطقة، وهو دير القديسة "ماما"، ولكن وخلال أبحاثي في تاريخ التقسيمات الإدارية في عهد المماليك لم أجد أي مرجع يؤكد هذه المعلومة، وهنا أنا لا أجزم بعدم صحتها، ولكن أقول إنني لم أجدها بعد في أي بحث، وللعلم هنا فالتسمية موجودة في العهد التركي.

والقرية قديمة جداً، ويمكن أن تكون من العصر الروماني، مع تجدد الاستيطان البشري فيها عبر عصور متتالية».

الحارة الوسطى

وفي حديث للسيد "أحمد حامد عباس" مختار القرية، قال عن الطبيعة السكانية: «يبلغ عدد سكان القرية نحو 8500 نسمة، يعملون بمختلف الأعمال المنتجة الحرة والرسمية، وهم أناس لا يكلون العمل، ويجدون في العمل الواحد العديد من الفرص المادية التي تساهم في تحسين الواقع المعيشي.

لقد عمل أبناء القرية منذ القدم بتربية دودة الحرير، وتميز عملهم هذا على مستوى "سورية" من حيث الكمية المنتجة والجودة، ولكن في الفترة الحالية ضعف هذا العمل ليس كسلاً من الأهالي، وإنما لعدم توافر البيوض المستوردة بالأساس من اليابان وبعض الدول الأخرى، وزاد اعتمادهم على شجرة الزيتون رغم ضعف المساحات الزراعية الخاصة بالقرية.

دير ماما ضمن الخطوط الصفراء وفق جوجل إرث

وتميز عملهم بتربية دودة الحرير باكتمال هذا العمل، وذلك بدءاً من التربية إلى حل الشرانق، وحياكة المناديل الحريرية التي لاقت رواجاً كبيراً في مختلف الأسواق، كما اشتهروا بصناعة "دبس الرمان" من النخب الأول، من ثمارهم المحلية والمشتراة من الأسواق الزراعية، حيث إن التجار يأتون من مختلف المحافظات لشراء كامل الإنتاج لجودته، إضافة إلى أنهم كانوا قد عملوا في فترات تراثية سابقة بصناعة "هبول التين، والبسط، والعبي، وحبال الشعر، وبيوت الشعر" الخاصة بأبناء البادية».

ويتابع المختار "أحمد" في الحديث عن بعض المواقع الجغرافية المهمة في القرية، فيقول: «من أهم المواقع التراثية التي لها وقع جيد عند أبناء القرية "ضهر الشير" وهو عبارة عن جرف صخري ضخم وكبير يبلغ ارتفاعه نحو أربعين متراً، وفي داخله مغارة طبيعية على هيئة غرفة رحبة مطلة على كامل المحيط وسهول الغاب.

كما يوجد في القرية مغارة طبيعية أخرى تسمى "مغارة الشقفين"، ونبعا ماء عذب: الأول "عين القبلة"، والثاني "عين الشمالية"».

وعن العائلات الأساسية في القرية كاستيطان بشري حالي، قال المختار "أحمد": «يتكون مجتمع القرية الاجتماعي من خليط طائفي تعايش فيه المسيحيون والمسلمون بأجمل صور التعايش الإنساني، فكان من أهم عائلات هذا المجتمع: آل "إسبر"، وآل "أسعد"، وآل عباس"، وآل "ونوس"، وآل "محمود"، وآل "بركات"، وآل "حيدر"، وآل "مخلوف"، وآل "رسلان"».

أما السيد "محمد سعود" من أبناء وسكان القرية، فيقول: «اشتهرت القرية في فترات سابقة بالكثير من الحرف التي امتهنتها عائلات بكاملها وأورثتها لأبنائها من بعدها، ومنها مهنة "الشَعَارة" أي غناء الشعر على الربابة أو المزمار، والحلاق الجوال، وصانع البسط؛ وحرفة نول الحرير، وصناعة الكراسي الخشبية الصغيرة، وصناعة دواليب الحرير والأنوال التراثية التي أنا شخصياً أملك واحداً منها، يعمل بشكل جيد جداً من حوالي 180 عام».

وبالعودة إلى حديث الأستاذ "محمد حسن" تحدث عن الحالة الفكرية في القرية، فقال: «القرية معروفة منذ القديم بانتشار حركة التعليم فيها، وقد افتتحت فيها المدارس مع بداية الاحتلال الفرنسي في عام 1930، حيث كان يوجد قبل تلك الفترة مركز لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، ومن هذه المراكز منزل أسرتي، وهذه الحركة التعليمية الفكرية أنتجت أول دكتورة بمنطقة "مصياف" وهي الدكتورة "رئيسة عبد الله"، كما أنجبت القامة الأدبية الكبيرة "ممدوح عدوان"، وبعض كتاب القصة أمثال: "هدى حشمة"، و"حسنة محمود"، و"توفيقة خضور"».