للعائلات الحلبية الأصيلة أسماء تشتهر بها ومعظم هذه الأسماء هي ألقاب اكتسبتها بسبب ممارسة أحد أجدادها لحرفة معينة، وفي منطقة "عفرين" عائلات وأسر حملت ألقاباً بسبب حرفة امتهنها أفرادها بالوراثة.

العم "محمود أحمد صاغر" من "عفرين" تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2013 بالقول: «لقد مارس أحد أفراد هذه الأسر وهو غالباً الجد الأكبر مهنة معينة لفترة طويلة من الزمن لتنتقل منه إلى باقي الأبناء أو أحدهم وراثياً لدرجة أنها أصبحت كملك خاص لها في العرف الاجتماعي.

الكثير من الحرف التقليدية القديمة في "حلب" تركت أسماءها كألقاب للعديد من الأسر الحلبية بعد ممارسة أحد أفرادها لحرفة معينة فترة طويلة من الزمن وانتقالها بشكل وراثي ضمن أفرادها

أهم هذه العائلات في المنطقة "عائلة كرتانجي" وأصلها "كرتان" وهو غطاء ظهر الدواب وتعني "جليلاتية"، وهذه العائلة من العائلات القديمة التي تسكن المنطقة وأصلها من "حلب" وقد جاءت إلى المنطقة ليعمل جدها في مهنة صناعة أغطية ظهور الخيول والأحصنة فاكتسبت مع الزمن لقب "كرتانجي" أو "الجليلاتية" بالعربي.

الحايك

وهناك العديد من العائلات التي تحمل اسم "خوجة" بسبب ممارسة أحد أجدادها مهنة "الخوجة" التي تعني بالعربية "مدرّس الكتاتيب" أيام الحكم العثماني.

وهناك عائلة "الشوفير" في المنطقة و"الشوفير" يعني السائق بالعربية وقد أُطلق الاسم على العائلة بسبب ممارسة أحد أفرادها الكبار مهنة السياقة فترة من الزمن وذلك قبل 50 عاماً حيث كانت ممارسة هذه المهنة أمراً نادراً».

السقا

وحول أهم العائلات الحلبية والحرف التي مارستها عبر الزمن تحدث الدكتور "محمود حريتاني" الباحث الأثري بالقول: «الكثير من الحرف التقليدية القديمة في "حلب" تركت أسماءها كألقاب للعديد من الأسر الحلبية بعد ممارسة أحد أفرادها لحرفة معينة فترة طويلة من الزمن وانتقالها بشكل وراثي ضمن أفرادها».

وتابع: «إن تجارة النسيج وصناعته قديمة في مدينة "حلب" وكانت تتم عادة في أسواق المدينة القديمة المتعددة مثل أسواق "بالستان" و"الحراج" و"البسط" ومن مستلزماتها الخيطان وكانت تباع في سوق "العقادين" أما الطرابيش الحمر فكانت تباع في سوق "الطرابيشية"، وفي "حلب" العدد الكبير من أسماء العائلات التي اشتقت من المهن التي كانوا يزاولونها مثل عائلات: "فتال– افتل– صبّاغ– صقّال– غزّال– ملقي– حريري– التنجي– قصبجي– خوّام–جوخه جي– حايك– عبه جي– محبّك" وغيرها.

السوّاس

في المدينة سوقان كبيران للأحذية التقليدية وتباع فيهما وهما: سوق "الصرماياتية" وسوق "القوافين" وجميع المواد الأولية اللازمة لهذه الصناعة التقليدية كانت من نتاج محلي كالجلود والخيطان والمواد اللاصقة "سيريس"، وإلى جانب ذلك كانت توجد صناعة صغيرة لعمل "القباقيب" وهي الأحذية الخشبية التي تستعمل في الحمامات والجوامع والمنازل كما وجد في داخل "باب النصر" وخارجه عدد من مصلحي الأحذية "سكيفاتي".

وفي مدينة "حلب" أسماء عدد من العائلات الحلبية جاءت من امتهان هذه الصناعات فيما مضى أو لقب بها مثل عائلات: "جزماتي– صرماياتي– سكيف– قباقبجي– قباقيبو" وغيرها».

وأضاف "حريتاني": «إن صياغة الذهب والفضة وبيع المجوهرات والأحجار الكريمة والألماس هي من أقدم الفعاليات في أسواق المدينة وهناك بعض العائلات في مدينة "حلب" اشتُقت أسماؤها من هذه المهن ومازالت موجودة مثل عائلات: "صايغ- والتونجي- وذهبي".

واشتغل عدد كبير من الحلبيين بتحضير وبيع منتجات غذائية يشتريها سكان "حلب" والأرياف المجاورة مثل التوابل والأدوية والأغذية التي تحضّر يومياً لسكان المدينة وكل هذه الفعاليات تجمعت على المحور الرئيسي لمركز المدينة القديمة الممتد بين "القلعة" و"باب إنطاكية" وأهم أسواقها: سوق "العطارين" وسوق "السقطية"، وقد اشتقت أسماء معظم العائلات في "حلب" من ممارستها لهذه المهن ومنها عائلات: "عطّار– سمّان– طحّان– حلاوة– عجة– سوّاس– دبّاس" وغيرها».

في دراسة متعلقة بموضوعنا نشرها "محمد صبحي صقار" وهو مهندس زراعي وباحث في التراث العربي في مجلة "العاديات"– العدد 2 والعدد 6 – صيف العام 2009 ورد: «دخل إلى مدينة "حلب" خلال القرن الماضي عدد من الآلات والأدوات الزراعية كانت أسلافاً لآلاتنا المعاصرة كمحالج القطن وطواحين الحبوب وآلات رفع المياه، واكتسب الذين عملوا بها أسماء عائلاتهم منها.

كان طحن الحبوب في "حلب" يعتمد على المدارات التي تدار بالحيوانات وفي العام 1832م تأسست فيها أول مطحنة تدور بقوة الرياح فوق المرتفع المطل على "باب الحديد" ولعلها أول طاحونة هواء في "سورية"، قبلها كان عمل المدارات مزدهراً لدرجة أن "المدراتي" أصبح اسم شهرة لكثيرين من العاملين في هذا المجال ومن ثم اسماً لبعض العائلات في "حلب" اليوم وثمة حارة باسم "المدراتية" في المدينة القديمة.

في عام 1906- 1907 جلب "فؤاد المدرس" ماكينة كبرى للطحن نصبها في "خان أقيول" الكبير وظهر بذلك اسم "طحان" و"مطحنة" ليحل محل "مدراتي" و"مدار".

كانت الآلات المستخدمة لرفع المياه في "حلب" بدائية تتمثل بالدلو والبكرة لسحب المياه من الآبار والصهاريج داخل البيوت كما استُخدم "السيريس" وهو "الملفاف" أو البكرة الطويلة على الآبار خارج المدينة ومن هنا ظهرت أسماء: "الدليواتي والبكّار والسيريس" ومازالت بعض عائلات "حلب" القديمة تحمل هذه الأسماء حتى اليوم، ولرفع المياه من الآبار الواسعة استُخدم "الدولاب" ولعل اسم "الدواليبي" يشير إلى صانعه وهو اسم مازال في "حلب" لبعض عائلاتها القديمة.

تلك الآلات والأدوات التراثية التي استُخدمت لرفع الماء في الشمال السوري فترة زمنية طويلة لم تعد تفي بحاجة السكان مع تزايد أعدادهم ولاسيما بعد تزايد شح المياه في "نهر قويق" ونضوب كثير من الآبار والينابيع في "حلب" وحولها حتى غدت "مياه حيلان" هي المصدر الوحيد لشرب أهالي "حلب" فازدهرت بذلك حرفة السقايين بالطنابر والقرب والتنك وقد تركت هذه الفترة أثرها في أسماء السكان ومايزال بعضهم يعرف بأسماء "السقا والقُربي والطنبرجي"».