كثيرة هي الطقوس والأعمال التي توارثها أبناء الحاضر من أجدادهم في الماضي، وظلّت "المشك" حاضرة حتّى اليوم لخض اللبن بأيدي النسوة ليتحول إلى أنواع أخرى من الطعام الريفي اللذيذ.
مدوّنة وطن "eSyria" التقت السيّدة "سميرة محمّد علي" من أهالي "القامشلي" بتاريخ 14 كانون الأوّل 2013، التي أشارت إلى أن كلمة "المشك" الكردية وتلك الأداة تعرف عند البدو بـ "الشجوة"، وتحدّثت عن نوعية وطقوس وأهمية تلك القطعة الجلدية وقالت: «كانت "المشك" تصنع من جلد الماعز تحديداً، حيث يقوم أحد الرجال (يفضّل أن يكون من ممتهني العمل في سوق الدواب أو القصاب) بنزع اللحم عن الجلد بشكل مثالي، ووضع سيخ حديدي داخل الجلد، ويتم نفخه بشكل كبير لتسهل عملية تنظيفه من الداخل شرط ألّا يتم تمزيقه أبداً، وبعد ذلك كان يأتي دور بعض النسوة ليبدأن نزع شعر الجلد، وبطرق مختلفة ومتعددة، وفي المرحلة الأخيرة للنظافة كانوا يأتين بماكينة الحلاقة الرجالية ليتم تنظيفه وكأنها حلاقة الذقن، فيبدو عليه اللمعان بالشكل المطلوب، وبعد ذلك يتم إحضار كمية من "عرق الخرنوب" وهو نبات بري يتم وضعه في الماء ويُسخن حتى درجة الغليان، وعندما يبرد الماء يتم وضع الجلد المنظف فيه، ويبقى لفترة زمنية لا تقل عن ثلاثة أيّام، ولكن بين الحين والآخر وخلال تلك الأيّام يجب أن يتم تقليبه ضمن الماء».
أجواء جميلة كانت ترافق عمل النسوة عند خض اللبن، فكان أهل الأسرة يجتمعون حولهن أثناء ذلك، وبشكل دائم كان يتم ذلك في الصباح الباكر، والأهم أننا نتناول كأساً من "العيران" بلذة كبيرة من "المشك" مباشرة، التي تقدم زبدة عربية في قمة الشهية، وحتّى اليوم نساء الريف يحافظن على "المشك" والعمل عليها
وتابعت حول تجهيز "المشك": «بعد أن يتم إخراج الجلد يكون قد تغيّر لونه ليصبح أحمر قاسياً وقويّاً، وتذهب كل روائح اللحم منه، فيتم تعليقه لما يقارب الساعة ليجف بالشكل المطلوب، ومن ثم كنا نجلب إبرة كبيرة لتتم خياطة الجلد من أسفله ليبقى متماسكاً وحتّى لا يخرج منه أي شيء عند العمل، مع الإبقاء على فتحة من مكان واحد تكون مخصصة لسكب اللبن داخله».
أما السيدة "حميدة خالد الشهاب" فتحدثت عن طريقة استخدام "الشجوة" وقالت: «يتم وضع كمية اللبن المطلوبة ضمن "الشجوة" ويضاف إليها كمية أقل من المياه، ويتم خضها عن طريق امرأتين واحدة تقابل الأخرى، وذلك بمسكهن قطعة خشبية واحدة معلقة من فوق والأخرى من الأسفل، ويكون الخض بهزّ "المشك" بشكل سريع ولفترة لا تقل عن ساعة، وبذلك نحصل بعد الانتهاء على كميتنا المطلوبة من "الشنينة" أو "العيران" الذي يصنع منها "الشنكليش وعيش اللبن والهكط"، إضافة إلى ذلك كان يفرز "المشك" الزبدة التي كانت تجمع بعد أن يتم إخراج كل "العيران"، وبعد أن ننتهي من إخراج ما أنجزته "المشك" ننظفها بالشكل الجيد وذلك بسكب الماء البارد على كل أجزائها، وكانت تلف عدة لفات وتوضع ضمن خرقة في مكان ما حتّى العمل عليها مرّة أخرى».
أمّا السيّد "أحمد الحاج محمود" فتحدّث عن بعض طقوسها وقال: «أجواء جميلة كانت ترافق عمل النسوة عند خض اللبن، فكان أهل الأسرة يجتمعون حولهن أثناء ذلك، وبشكل دائم كان يتم ذلك في الصباح الباكر، والأهم أننا نتناول كأساً من "العيران" بلذة كبيرة من "المشك" مباشرة، التي تقدم زبدة عربية في قمة الشهية، وحتّى اليوم نساء الريف يحافظن على "المشك" والعمل عليها».