هي الذاكرة السورية التي تولد يومياً بفعل حركة الحياة؛ تختبئ في أقبية المؤسسات الحكومية وأحياناً تعتلي مكانة رفيعة في مراكز للبحث الفكري والعلمي، هي ثمينة جداً لمن يعرف قيمتها ومجرد أوراق رخيصة للزاهدين فيها، وعلى الرغم من أنها تعتبر كنزاً وطنياً وعلمياً إلا أن استثمارها مايزال صعب المنال حالياً.

إنها "الوثائق التاريخية السورية"، ولا بد قبل البدء بالحديث عن "الوثائق التاريخية السورية" أن نعرف "الوثيقة" باختصار؛ بأنها أي وعاء معرفي يحتوي معلومات (كتابة أو رسوم أو طباعة أو صورة) تقدم حقائق مباشرة أو غير مباشرة، تم حفظها على الورق أو على حامل رقمي أو على أي وسيط تخرين آخر، وقد تكون هذه الوثيقة وثيقة خاصة أو وثيقة عامة.

نعمل اليوم على مسودة "هيئة عامة للوثائق التاريخية" تحظى بإمكانيات أوسع من المركز تساعدنا في إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية للوثائق الموجودة لإتاحتها للاستثمار بشكل أوسع، فالإمكانيات المتواضعة للمركز الحالي جعلت من الصعب عليه أن يستثمر الوثائق التي يمتلكها

ولمعرفة المزيد عن الوثائق ومتى نقول عن وثيقة إنها وثيقة تاريخية لا يجوز إتلافها، وكيف يمكن استثمار الوثائق لمصلحة البحث العلمي، مدونة وطن "eSyria" زارت "مركز الوثائق التاريخية" في "دمشق" والتقت بتاريخ 18 تشرين الثاني 2013 الدكتور "محمد غسان عبيد" مدير "مركز الوثائق التاريخية" الذي بدأ بالقول:

المهندس عماد سلامة - مدير قسم المعلوماتية في المركز

«في البداية يجب أن نشير إلى أهمية الوثائق بشكل عام، فهي الذاكرة التي تعرفنا بتاريخنا وتحفظ الحقوق وتساعدنا في فهم الماضي، لذا تأسس "مركز الوثائق التاريخية" في عام 1959 بهدف جمع الوثائق الرسمية والخاصة المتعلقة بتاريخ الجمهورية العربية السورية بشكل خاص، والقضايا العربية بشكل عام.

هذه الوثائق تنقسم إلى وثائق عامة وخاصة، والوثيقة العامة هي أي وثيقة أنشأتها جهة من جهات العامة، أو العاملون فيها لتوثيق معاملة ما بين شخص ما وبين مؤسسة من مؤسسات الحكومية، أما الوثائق الخاصة فهي التي تكون قد صنعت بجهد شخصي.

وثيقة مصورة إلكترونياً

كما يمكن للوثائق أن تكون قيد الاستخدام أو أن دورها انتهى في الوقت الراهن وأصبحت تشكل ورقة مؤرشفة (لكن هذا لا يلغي أهميتها المعرفية)، أما بالنسبة إلى الوثائق التاريخية الموجودة فتنقسم إلى عدة أقسام: يضم قسم"وثائق الدولة" (وثائق عامة) المراسيم والقرارات الوزارية وقرارات فترة الانتداب الفرنسي وذلك من عام 1916 إلى عام 1970، كذلك كل ما يخص قضية "فلسطين".

ويضم "القسم الخاص" (وثائق خاصة) الأوراق والمذكرات الخاصة بالشخصيات السورية والعربية وتبحث في الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، أما "القسم العثماني" (وثائق عامة) فيضم مخطوطات المحاكم الشرعية خلال 400 سنة مدة الحكم العثماني؛ وهي وثائق هامة عن تاريخ "سورية" السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني وفيه الأوامر السلطانية المكتوبة باللغة التركية القديمة وتتعلق بالجيش والمعارك وتعيين الولاة والحكام والقضاة وأئمة الجوامع ويزيد مجموع المخطوطات في هذا القسم على 3 آلاف مخطوط.

إحدى الوثائق الموجودة في المركز

وفي "القسم الصحفي" (وثائق عامة) تتواجد صحف من أوائل هذا القرن وهي نسخ نادرة صدرت في "دمشق وبيروت" وفي "قسم المحاكم" (وثائق عامة) توجد مخطوطة تبحث في المحاكمات أثناء الانتداب الفرنسي وتضم المكتبة التاريخية كتب التاريخ والمعاهدات السياسية ومذكرات رجال السياسة العربية والأجنبية ومجلات الأرشيف باللغتين الفرنسية والإنكليزية.

إضافة إلى وجود نسخ عن "الجريدة الرسمية السورية" (وثائق عامة) التي بدأت بالصدور منذ عام 1918، وكان اسمها (العاصمة) وفي القسم البصري تتواجد 6 آلاف صورة شخصية لشخصيات هامة».

مدونة وطن "eSyria" التقت مع الدكتورة "عزة آقبيق" الباحثة في تاريخ "دمشق" وأعلامها، التي تحدثت بالقول: «لا بد من الإشارة في البداية إلى أن البحث في الوثائق التاريخية مضني إلا أن الباحث يجد معلومات فريدة ومميزة، فالباحث مع الوقت يصبح على معرفة وخبرة بالغوص في هذا الكنز المعرفي الكبير والعثور على وثيقة تساعده في بحثه أو تقدم له معرفة ما.

كما يجب أن أشير إلى أنني خلال دراستي كنت أجد أجانب من مختلف أنحاء العالم، باحثين من أميركا واليابان وفرنسا يأتون إلى الدراسة في المركز من خلال قراءة السجلات القديمة وتصويرها، ولعل السبب الأهم لزيارتهم هو أن مراكز الوثائق في الدول الأجنبية لا تسمح للباحثين بمعاينة الوثائق باليد، إنما تسمح لهم فقط بالاطلاع على النسخ الإلكترونية أو المصورة لها، أما المركز هنا فقد كان يسمح للباحث بأن يعاين المخطوطة أو الوثيقة بيده، قبل أن يتحول المركز إلى تقديم النسخ المصورة عن أي مخطوطة يرغب الباحث في الاطلاع عليها».

صحيح أن المخطوطات والوثائق لا تموت عندما يتم الاطلاع عليها، إلا أنها تهرم بالاستهلاك المتكرر لذا كان لا بد من معالجة هذا الموضوع، المهندس "عماد سلامة" مدير قسم المعلوماتية في المركز تحدث عن هذا الأمر بالقول:

«بدأ المركز في عام 2010 بعملية كبيرة تهدف إلى تصوير إلكتروني لجميع الوثائق والمخطوطات والصور والمراجع الموجودة في المركز، بهدف إتاحتها للباحثين على أجهزة الحاسوب بدلاً من الاطلاع عليها بشكل يدوي، حيث كانت الوثائق تتأثر بعملية البحث اليدوي وتنخفض جودتها مع الوقت.

هذه العملية الضخمة لم تتطلب إغلاق المركز إنما عملنا على موضوع أرشفة وتصوير الوثائق إلكترونياً بشكل متوافق وبطريقة لا تؤثر في الخدمات التي يقدمها المركز للباحثين الذين يقصدونه من أجل البحث، فقد قمنا بتصوير الوثائق أولاً وإتاحتها بشكل مباشر للباحثين».

وعن الرؤية الاستراتيجية للمركز تحدث الدكتور "عبيد" بالقول: «نعمل اليوم على مسودة "هيئة عامة للوثائق التاريخية" تحظى بإمكانيات أوسع من المركز تساعدنا في إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية للوثائق الموجودة لإتاحتها للاستثمار بشكل أوسع، فالإمكانيات المتواضعة للمركز الحالي جعلت من الصعب عليه أن يستثمر الوثائق التي يمتلكها».