يعتبر صيد السمك من أقدم الصناعات الإنسانية في وادي الفرات، ودلَّت الحفريات الأثرية في مملكة "ماري" على معرفة الإنسان الأول "بالشص" الذي يتخذه من عظمة مدببة مثقوبة في وسطها ليربط بها الخيط ويصطاد بها السمك.
وقد دلت النقوش الأثرية على أن "الشباك" كانت مستعملة في صيد السمك، وحملت نقوش آشورية على رسم لإنسان يصطاد سمكاً "بالشص".
وهناك الشباك وهي على أنواع وأشكال متعددة, لكل منها اسمها, تختلف من حيث طول الشبك ومن حيث كبر الفتحة فيها أو صغرها، ولكل نوع من الأسماك شباك خاصة, لكن شباك النايلون تدوم مدةً أطول وهي أخفّ حملاً وامتن خيطاً وأسرع إعداداً, وتلبي كثرة الطلب عليها
مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 26/4/2013 السيد "عقبة معن" أحد ممارسي صيد السمك في الصيف فتحدث بالقول: «أثناء رحلة صيد السمك، تبدأ ورشة العمل لدى الصيادين، فكل شخص يعرف مهمته، فمنهم من يبدأ بنصب الخيمة, وآخرون يقومون بتجهيز الطعوم، وآخرون يجهزون "الشص" ويلقونه في النهر، وبعضهم يتعاون بإلقاء "الشبك" حيث يضعون في أسفل الشبك قطع الرصاص, وفي أعلاه قطع الفلين لرفعه، ويبقى شخص مهمته تجهيز الغداء والشاي, وكل تلك الأشياء تُجهَّز بصمت باستخدام لغة الإشارة فهذه الطقوس لا يعرف معناها إلا الشخص الذي عايشها».
ويشير الباحث المرحوم "عمر صليبي" إلى طرق صيد الأسماك بواسطة "الشص" بالقول: «"الشص" هو من أهم وسائل صيد السمك وأقدمها في العالم, ويختلف "الشص" والخيط باختلاف السمك, وليست كل الأسماك تصطاد بالخيط إذ لكل نوع طريقة تختلف عن الأخرى, أما الخيط فيتمُّ صنعه من القطن المفتول فتلاً محكماً قوياً، والسنارة منها ما هو كبير وما هو صغير، ومع التقدم حلَّ خيط النايلون عند الكثيرين محل خيط القطن, إذ يوضع في السنارة طعم قد يكون من أنواع الديدان أو عجين أو سمك, والصياد الذي يتخذ "الشص" أكثر ما يكون جالساً على شط النهر، وبعضهم يستعمل "السنارة" بالخيط والطعم, وبعضهم يشدّ خيط السنارة إلى عصاة طويلة إذا كانت السنارة صغيرة، وهناك من يتخذ صيد السمك بالسنارة كرياضة وترفيه لتضييع الوقت, ومنهم من يتخذها مورد رزق وكما هو معروف فإن صيد السمك يعلّم الصبر».
وأضاف: «وهناك الشباك وهي على أنواع وأشكال متعددة, لكل منها اسمها, تختلف من حيث طول الشبك ومن حيث كبر الفتحة فيها أو صغرها، ولكل نوع من الأسماك شباك خاصة, لكن شباك النايلون تدوم مدةً أطول وهي أخفّ حملاً وامتن خيطاً وأسرع إعداداً, وتلبي كثرة الطلب عليها».
ويذكر الباحث "عبد القادر عياش" في كتابه "أسماك الفرات ثروة هامة" عن وسائل الصيد في الفرات بالقول: «"الشص" ويسمى "البلوع" وهو عبارة عن سنارة حديدية مشدود بها خيط من القطن بطول عشرة أمتار، يستعملها الصياد بمفرده ويطعم "السنارة" بمواد مختلفة ويلقيها في الأماكن الهادئة على نهر الفرات وبعض الصيادين يأتي بفراخ "شبابيط" كبيرة تباع في "دير الزور"، وهناك "اللقاحة" وهي شبك مدور يستعمله الصيادون "الديريون" ونتاجهم قليل منه لعدم خبرتهم فيه، وهناك "الزهر" وهو من النباتات التي تحوي نسبة من السم، حيث تمزج بالعجين ويلقى في النهر قريباً من الشاطئ على امتداد نحو مئتي متر، وبعد ساعات يظهر السمك المسموم على سطح الماء فيصيدونه "بالفالة" وهي حربة من الحديد ذات ثلاثة رؤوس تتصل بها عصا طويلة ولا تمارس إلا في ريف "دير الزور" وحصراً في فصل الصيف».
وأضاف: «تلجأ الأسماك إلى الخلجان وهو شقّ من النهر في الشاطئ ماؤه جار بين الخليج والنهر، يدخله السمك منذ شهر حزيران حتى نيسان الذي يليه، أي نحو عشرة أشهر, ويقوم الصياد بصيد السمك عن طريق الأكياس، أما النوع الأخير من طرق الصيد وهي "الصراة" جمعها صِرى بكسر صادها، وهي عبارة عن بركة تتغذى من مياه نهر الفرات وهي قريبة منه ومن الأمطار والسيول وماؤها صافٍ مالح، وقد ورد ذكرها في شعر "ذي الرمة" إذ قال:
أوما رأيت على الصراة ملوحة / ممّا ارقرق في الفرات دموعي
و"الصراة": قديمة في الفرات تعيش فيها الأسماك, ويتغذى من نباتات في قاعها, وتوجد على شطي نهر الفرات أربعين "صراة" فعند دخول الصياد إلى "الصراة" يقوم بضرب السمك بعصاة في طرفها قطعة حديدية أو حجرة بازلتية مثقوبة؛ ليشلّ حركة السمك, ثم يقوم بجمعه في أكياس. وهناك أدوات صيد أخرى وهي "النتالة والبلوع واللكاحة"، وهناك "السجر" الذي غالباً ما كان يستعمل في الخابور، وهو شبك يوضع أسفل شلال لحصر السمك واصطياده إضافة الى الكلة: وهي على شكل صندوق مصنوع من الشبك ويتم وضع الطعم فيه فيدخل السمك ولا يخرج».