رغم وصول الكهرباء إلى كل أرجاء سورية، ولكننا إلى اليوم نلحظ وجود "لمبة الغاز" في كثير من المدن والبلدات، فهذه المفردة التراثية التي كانت من أساسيات المنزل، لم تلبث بعد خروجها من الباب إلا أن تعود من الشباك.

موقع eHasakeh رصد مكانة "لمبة الغاز" في مدن وقرى الجزيرة السورية، حيث التقى بتاريخ "5/4/2012" السيد "خضر الخضر"- من سكان مدينة الحسكة- الذي تحدث بالقول: «أحدثت هذه اللمبة التي نراها اليوم تغييراً حقيقياً في حياة الناس قبل عدة عقود من الزمن، إذ كانت بداية للتحول إلى عصر الحداثة، ففي السابق كانت إضاءة المنازل تتم عن طريق "السراج"، وهو عبارة عن محاولة بدائية لإنارة المنازل، وغالباً ما تتم صناعته بشكل بدائي من أدوات مدورة، كعلبة فارغة أو زجاجة أحد المنتجات، حيث يتم ملء هذه العلبة بمادة الكاز ووضع قطعة من الفتيل داخلها، وإشعال النار لتقوم بدورها بإرسال حزمة من النور ولكن على استحياء أي إنه لا يكاد يستطيع الشخص أن يرى من هو أمامه».

كانت السهرات تقام في بعض البيوت على ضوء السراج، ويتسامر أهل القرية ويتباحثون أمورهم فيما بينهم ليلاً على هذا النور الضعيف، لأنهم في النهار يكونون منتشرين في الأرض، ومن مساوئ السراج أن الدخان الأسود المنبعث من احتراق الفتيل، كان يعبق في الغرف الطينية الصغيرة غالباً كما أن رائحته تزكم الأنوف، إلا أن هذا الاختراع البسيط قد أنجب شخصيات علمية بارزة لا يزال صيتها ذائعاً ليومنا هذا، فقد كان للدراسة تحت ظل السراج طعمٌ آخر قد لا تجده اليوم وسط هذا التقدم المهول في العلم

يتابع "الخضر": «كانت السهرات تقام في بعض البيوت على ضوء السراج، ويتسامر أهل القرية ويتباحثون أمورهم فيما بينهم ليلاً على هذا النور الضعيف، لأنهم في النهار يكونون منتشرين في الأرض، ومن مساوئ السراج أن الدخان الأسود المنبعث من احتراق الفتيل، كان يعبق في الغرف الطينية الصغيرة غالباً كما أن رائحته تزكم الأنوف، إلا أن هذا الاختراع البسيط قد أنجب شخصيات علمية بارزة لا يزال صيتها ذائعاً ليومنا هذا، فقد كان للدراسة تحت ظل السراج طعمٌ آخر قد لا تجده اليوم وسط هذا التقدم المهول في العلم».

أشجار "الكينا" الحراجية

يضيف "الخضر": «بعد فترة من الزمن دخلت "لمبة الكاز" التي نشاهدها اليوم عالم الخدمة، فأحدثت طفرة في وقتها، وقد يستغرب بعض الناس إطلاق هذا المصطلح على اللمبة، لكن من عاصر أيام السراج سيعرف أنها حققت نقلة نوعية في حياة سكان القرى، فالزجاجة التي تحيط بشعلة النار المتقدة من الفتيل، تساهم في تنظيم انبعاث الضوء كما تعمل على تقويته وتخفف الدخان الأسود المنبعث، بعدها دخل "اللكس" عالم الخدمة ثم عمت الكهرباء ريف المحافظة أيضاً، واليوم يشاهد الجميع دخول "لمبة الكاز"، لكن مع تغير الوقود فبدل الكاز، يقوم الناس بوضع المازوت في اللمبات مع إضافة قدر من ملح الطعام إلى المازوت، والهدف من هذه العملية هو تقليل الدخان المنبعث من حرق المازوت إضافة للقضاء على رائحة الدخان المعروفة».

من جهته قال الأستاذ "عبد الصالح محمد" وهو من الرعيل الأول: «للمبة الغاز ذكريات جميلة في حياتنا، خصوصاً ممن كانوا يدرسون ليلاً على هذا الضوء الخافت، ومن المفارقات الجميلة التي لا أزال أذكرها، كانت صفحات الدفاتر من الرتبة السيئة إذ كان لونها أصفر متماهياً مع لون الضوء، الأمر الذي كان يزيد من صعوبة الرؤية، إلا أنها كانت أفضل حالاً من السراج الذي كان قمةً في البدائية، ومع ذلك تخرج الكثير من المتميزين وتابعوا مشوارهم العلمي وهم لا يزالون شاهدين على ذلك الزمن الجميل، مع ذلك يتميز كل عصر بخصوصية يتفرد بها عن غيره، ففي زماننا كانت لمبة الكاز حاضرة بقوة، أما هذه الأيام فقد حلت محلها الكهرباء إلا أنها لم تلغها، فلعلك تجدها في جميع المنازل».

تربية "الغراس"

بائع الأدوات المنزلية في أحد شوارع "الحسكة" القديمة "رشيد عبد الباسط" قال: «لا يزال الإقبال على شراء لمبة الكاز ملحوظاً إلى هذه الأيام، ولمبة الكاز تعتبر صناعة محلية بامتياز، وعادة ما يزيد الطلب عليها شتاءً لأن سكان الريف يلتزمون منازلهم ويجتمعون على ضوئها، أما في فصل الصيف فيقل الطلب عليها، لأن الريفيين عادةً ما يقضون سهراتهم في العراء وهنا لا تؤدي لمبة الكاز الدور المناط بها، فهم يستخدمون "اللكس" فهو أكثر إنارةً، مشيراً إلى وجود قياسين من لمبة الكاز وهو الحجم الصغير والحجم الكبير أو العادي، وقد طرأ ارتفاع على أسعارها في الآونة الأخيرة وصل إلى 12% على القطعة الواحدة، إلا أنه أخذ بالتراجع تدريجياً متجهاً نحو السعر المعتاد، وتتألف لمبة الكاز من حوض من الزجاج المحجر يوضع فيه الوقود، وبللورة رقيقة توضع فوق الشعلة لتقوية النور ولتساهم في تقليل الدخان المنبعث منها كما تحافظ عليها من الانطفاء، وأيضاً الفتيل الذي يتم إشعاله والجرس المصنوع من المعدن، وهذا الجرس قد يتم استيراده من "ألمانيا في بعض الأحيان».

المهندس "محمد الخطيب" معاون دائرة الموارد الطبيعية