تحتضن مدينة "كفر البارة" الأثرية أحد أهم التجمعات والأوابد التاريخية في فترة تمتد بين القرنين الثاني والسادس الميلاديين.
«كانت "الكفر" تابعة إدارياً لمدينة "أفاميا"، وعلاقاتها الاقتصادية مع "أنطاكية"، وتعتبر عقدة مواصلات مهمة على طريق "أنطاكية- أفاميا- بيت المقدس"، أما اسمها فقد وجد منقوشاً على حجر في منطقة "الدير" غربي البلدة، واستناداً إلى بعض النصوص السريانية، فإنها كانت تدعى "كفر أدبرتا" أو "كابرو بيرة"، بينما أطلق عليها المؤرخون العرب اسم "البارة" وهو الاسم المتعارف عليه حتى اليوم».
تتعدد مصادر المياه في المدينة، حيث يوجد بئران وهما "جب علّون"، و"جب المكيبرة"، ووجود صهاريج منقورة بالصخر، وهذا ما ساعد على تنمية صناعة عصر الزيتون والكرمة، ذلك الموقع المتميز والصناعة المتطورة والتبادل التجاري جعلها في العهد الإسلامي عرضةً للكثير من الغزوات والحروب
والحديث للدكتور "أنس حج زيدان" رئيس دائرة النتقيب بدائرة آثار "إدلب"، والذي أضاف: «مدينة "كفر البارة" الأثرية تضم العديد من المواقع والأوابد الأثرية التي تناولها المؤرخون والباحثون بشكل مفصل، حيث تنتشر على مساحة واسعة بطول /4/ كم، وعرض /3/ كم، وكانت زاخرة بالحياة منذ مطلع العصر الروماني ذات كثافة سكانية وأهمية اقتصادية، مروراً بالعهد العربي الإسلامي نظراً لما تحتويه من قلاع وحصون، ويتبعها ستة مواقع أثرية مهمة وهي "سرجيلا"، "بعودا"، "بترسا"، "مجليا"، "بشلله"، "دير دبانة"، وتتنوع المباني الأثرية فيها، وأهمها الفيلات السكنية، والأديرة، والكنائس، والمدافن الهرمية، ومعاصر الزيتون والخمور، فمن جهة الشمال تقع قلعة "أبو سفيان" كحصن كبير ذي موقع استراتيجي، وتضم ثماني كنائس أهمها كاتدرائية كنيسة "الحصن" عريقة البناء، والغنية بالزخارف الجميلة والبديعة، وتتوزع الكنائس على أحياء المدينة الأثرية، كما يوجد جامع وسط المدينة يعود إلى عام /1103/ ميلادية، ويعرف باسم جامع "خراب عنكور"، بالإضافة إلى وجود أربعة جوامع أخرى تشهد على استرجاع المدينة، وإقامة المسلمين العرب فيها».
وتحدث الدكتور "محمد قنطار" رئيس قسم الآثار بكلية الآداب الثانية في "إدلب" عن بعض المعالم الخاصة بالمدينة فقال: «في هذه المدينة الأثرية عدة أديرة كبيرة من أهمها "دار الرهبان"، و"دير سوباط"، و"حصن البريج"، ومبانٍ وفيلات سكنية تتميز بالطابع العمراني الجميل، تتألف من طابقين، وزينت مداخلها بالرموز الدينية مع زخارف تؤطر المداخل والنوافذ والبوابات المقنطرة، لكن أهم ما يميزها وجود المدافن الهرمية المتميزة بسقوفها الهرمية من حجارة كلسية كبيرة الحجم، المتوجة بأشرطة زخرفية بارزة، أهمها "المذوقة" و"الصومعة" كما تسميان حتى وقتنا الحاضر، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من المعاصر المحفورة بالصخر، والتي كانت تستخدم لعصر الزيتون والعنب وإنتاج الزيت والدبس والخمر، ووجود عدد من الحمامات».
وحول مصادر المياه في المدينة أضاف "قنطار": «تتعدد مصادر المياه في المدينة، حيث يوجد بئران وهما "جب علّون"، و"جب المكيبرة"، ووجود صهاريج منقورة بالصخر، وهذا ما ساعد على تنمية صناعة عصر الزيتون والكرمة، ذلك الموقع المتميز والصناعة المتطورة والتبادل التجاري جعلها في العهد الإسلامي عرضةً للكثير من الغزوات والحروب».
حالة الحفظ الاستثنائية في منطقة تعاقبت عليها الأجيال وما تزال الحياة مستمرة فيها إلى الآن، والمشاهد الأثرية الخلابة التي تقدم نماذج عن حياة حضارية تعاقبت عليها المنطقة خلال فترات زمنية ليست بالقريبة، واشتهار المواقع بالطابع الديني المتميز خاصةً في العصر الكلاسيكي، جعل المنطقة ذات صبغة فريدة لتدخل في عهدة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو" على هيئة "بارك" أثري، ويدرج اسمها على لائحة التراث العالمي في منتصف هذا العام /2011/، وكانت قد أدرجت على لائحة التراث الوطني بقرار من رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 31/1/2010.