هي عروس ولكنها تختلف عن العروس التي عرفناها في حياتنا العادية وحضرنا زفافها، فعروسنا هذه عبارة عن لعبة من الخشب تم إكساؤها بقطعة قماش وتزيينها لتبدو على شكل عروس حقيقية، يستخدمها الأهالي لممارسة طقس اجتماعي غايتهم منه فك احتباس المطر.
هذه الظاهرة الاجتماعية التي كانت شائعة في الساحل السوري قديماً، يتحدث عنها الباحث التاريخي "برهان حيدر" بتاريخ 16/12/2011 لموقع eSyria قائلاً: «عروس المطر احتفالية قديمة يجتمع خلالها أفراد القرية ويصنعون مجسماً باستخدام خشبتين يتم تركيبهما بشكل متقاطع (+)، ثم يقومون بوضع قطعة قماش على رأس الخشبة ويـُرسم لها حاجبان وعينان وفم وأنف ليصبح المجسم على شكل عروس.
من يراقب هذه الظاهرة أو الاحتفالية جيداً وما كان يحدث خلالها إضافةً إلى توزع الأدوار على المشاركين فيها يستطيع القول إنها تمثل مسرحاً عفوياً وعملياً
بعد ذلك يلبس الجسد فستاناً أبيض اللون على طريقة صنع دمى الأطفال القديمة أو ما كان يسمى بـ(العَـيْبَة) أو الدمية لكن عروس المطر يكون حجمها أكبر بكثير.
حين يتم الانتهاء من صنع "عروس المطر" يتولى أحد الأطفال مسؤولية حملها ويسير بها متقدماً موكباً وعن يمينه وشماله يسير أطفال يحملون أوعية فارغة لكي تجمع تبرعات الأهالي بواسطتها من (حبوب، برغل، حمص، عدس، وملح .... إلخ)، أثناء سير الأطفال يقومون بترديد بعض الأغاني المخصصة لهذه الظاهرة ومنها: /ياربنا ياربنا تبعت مطر لزرعنا/ هم الكبار مأذنبين نحنا الصغار شو ذنبنا/ يا ربنا ياربنا نحنا عبادك كلنا/ عروستنا عطشانة يا رب تردها غرقانة. وعندما يشتد الصياح يقولون: زيدوا يا وليدات زيدوا/ نحنا المطر منريدو/.
وبهذه الطريقة يجوب الأطفال كل بيوت القرية ويستقبلون بالترحاب ويقدم لهم الأهالي الهبات كلٌ حسب استطاعته وترش المياه عليهم تفاؤلاً بهطول المطر».
ويضيف "حيدر" وهو صاحب متحف التراث الشعبي في "عين البيضا": «بعد أن يمر الأطفال على كل المنازل ويجمعون التبرعات يختارون سيدة من القرية تكون معروفة بأخلاقها النبيلة وصدقها ومحبتها لفعل الخير ويطلبون منها طبخ ما جمعوه من تبرعات.
ثم ينتقلون معها إلى مزار من مزارات الأولياء والصالحين أو إلى البيدر أو ساحة القرية وتقوم المرأة هناك بطهو ما جمعوه على نار موقدة من الحطب، وعند الانتهاء يتناول الأطفال الطعام بفرح وسرور وأمل بهطول المطر».
الباحث "حيدر" ينظر إلى هذه الظاهرة على أنها مسرح عفوي ويقول: «من يراقب هذه الظاهرة أو الاحتفالية جيداً وما كان يحدث خلالها إضافةً إلى توزع الأدوار على المشاركين فيها يستطيع القول إنها تمثل مسرحاً عفوياً وعملياً».
لم تقتصر هذه الظاهرة على قرية دون غيرها وإنما شملت معظم قرى الساحل السوري مع بعض الاختلافات فيما يتعلق بالأغاني التي كانت تؤدى أثناء سير الأطفال، ففي قرية "بيت ياشوط" التابعة لمدينة "جبلة" وبحسب ما حدثتنا السيدة "نظيرة محمد" كان الأطفال يرددون أثناء مرور موكبهم: /ياربي شتي شتي وابعت للزرع مويي/ تانسقي الزرع الأخضر/ وتايسرحني سواقيي/.
السيدة "نظيرة محمد" شهدت هذه الظاهرة مرات ومرات في قريتها "بيت ياشوط" وفي القرى المجاورة لها وهي تقول عنها: «انحباس المطر أمر في غاية الخطورة بالنسبة لأهالي ريف الساحل السوري الذين كانوا يعتمدون على الزراعة ما كان يدفعنا للقيام بأي شيء يساعد في إسراع هطول المطر، وكأطفال في تلك المرحلة كنا نعتمد هذه الظاهرة للاستعانة بالله لكي يساعدنا ويرسل غيومه المحملة بالأمطار لينقذ زرعنا».
هذه الظاهرة ليست إلا حالة اجتماعية عاشها وأحياها الآباء والأجداد في الساحل السوري وهناك الكثير من الظواهر الأخرى التي مازال بعضها قائماً حتى يومنا هذا فيما اندثر بعضها الآخر بفعل تغير الواقع الاجتماعي وتغير ظروف الحياة.